آداب عيادة المريض
بسم الله الرحمن الرحيم
آداب عيادة المريض
عيادة المريض سُنّة من السنن النبوية الشريفة التي يجب إتباعّها والعمل بها .
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع :” أمرنا بإتبّاع الجنائز،وعيادة المريض،وإجابة الداعي،ونصر المظلوم،وإبرار القسم،وردّ السلام،وتشميت العاطس،ونهانا عن آنية الفضة،وخاتم الذهب والحرير والديباج،والقسي والاستبرق “[ متفق عليه].
(الديباج: نوع من الثياب،والاستبرق : غليظ الحرير،والقسي : ثياب فيها حرير أو كتان مخلوط بالحرير)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “حق المسلم على المسلم خمس: ردّ السلام،وعيادة المريض،وإتباّع الجنائز،وإجابة الدعوة،وتشميت العاطس” [ متفق عليه].
وفي رواية لمسلم ” حق المسلم على المسلم ست : إذا لقيته فسلم عليه،وإذا دعاك فأجبه،وإذا استنصحك فانصح له،وإذا عطس فحمد الله فشّمته،وإذا مرض فعده، واذا مات فاتبعه “.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن الله عزّ وجلّ يقول يوم القيامه: يابن آدم مرضت فلم تعدني قال يارب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لو جدتني عنده” [رواه مسلم].
وعن ابي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “عودوا المريض وأطعموا الجائع وفُكّوا العاني ” [رواه البخاري] .
( العاني: الأسير ).
وتعددت أساليب المطالبة بهذه الآداب الاجتماعية،فمرة تأتي بأنها من حقّ المسلم على أخيه،ومرة بمثابة عتاب بين الله وعبده يوم القيامة لتقصيره في ممارسة هذه الحقوق،ومرة تأتي على الندب والإستحباب،
وإن في عيادة المريض الأجر والثواب.
عن ثوبان رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع،قيل يارسول الله وما خرفة الجنة؟ قال: جَناها ” [رواه مسلم ].
وعن علي كرم الله وجهه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ” ما من مسلم يعود مسلما غدوة إلا صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي،وإن عاده عشية صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح، وكان له خريف في الجنة ” [رواه الترمذي وقال حسن] .
(أما الخريف هنا : أي الثمر المخروف أي المُجتنى )
وفي حديث أخر “من عاد مريضاً، أو زارَ أخاً له في الله ناداه مُنادٍ: أن طِبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنةمنزلا “.[صحيح الترمذي وصححه الألباني]
ويقول صلى الله عليه وسلم:”من عاد مريضاً ،نادى مُنادٍ من السماء : طِبت، وطاب ممشاكَ، وتبوأت من الجنة منزلاً” [رواه الترمذي وحسنه وابن ماجة ورواه الطبراني بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وقال الألباني حديث حسن]وفي حديث أخر “من عاد مريضاً لم يزل يخوضُ في الرحمة حتى يجلسَ فإذا جلس اغتمس فيها ” [رواه البخاري وأحمد وابن حبان في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه] .
آداب عياده المريض:
أولا: تخفيف الجلوس عند المريض وعدم إطالة الزيارة:
مرض بكر بن عبد الله المزني فعاده أصحابه فأطالوا الجلوس عنده، فقال: المريض يُعاد والصحيحُ يُزار (عيون الأخبار –ابن قتيبة ج3-4 ص43).
وإلا قد ينقلب الامر عند إطالة الزياره إلى عكس المتوخى منه فينطبق على ذلك قول الشاعر :
يَعِدون مريضاً هُنَّ هيجنَّ داءَهُ |
| ألا إنما بعض العوائد دائيا |
وقال سفيان الثوري “حمق القراء أشدّ على المرضى من أمراضهم يجيئون في غير وقت ويطيلون الجلوس”.
وجاء في عيون الأخبار( ابن قتيبة ج3-4 ص43): “مرض أبو عمرو بن العلاء،فأتاه أصحابه وأبطأ عنده رجل منهم، فقال: ما يبطئ بك، فقال: أريد أن أساهرك،قال: أنت معافى،وأنا مُبتلى،فالعافية لا تدعك تسهر والمرض لا يدعني أنام،فاسأل الله أن يسوق إلى أهل العافية الشكر وإلى أهل البلاء الصبر والأجر”.
جاء في العقد الفريد لإبن عبد ربه (ج2 ص254 ): مرض الأعمش فأبرمه الناس بالسؤال عن حاله فكتب قصته في كتاب وجعله عند راسه فإذا سأله أحد قال عندك القصة في الكتاب فاقرأها “.
ويروى عن الأعمش أيضاً أن أحد زواره أتاه عائدا في مرضه وقال له لولا أن أثقل عليك أبا محمد لعدتك والله في كل يوم مرتين .فقال له الأعمش: والله يابن اخي أنت ثقيل عليّ وأنت في بيتك فكيف لو جئتني في كل يوم مرتين “.
ومن السّنة النبوية تقليل عدد مرات الزيارة،وتخفيف مدتها،وأن تكون الزياره لغرض التخفيف عن المريض،وتذكيره أن ما أصابه ليس إلا تطهيرا له من الذنوب،وتخفيفا من السيئات.
وفاقرة الفواقر على المريض أن لايجد أحدا في قربه عند مرضه فهذا كرب على كرب ومدعاة للحزن والألم.
يقول الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله في” هكذا علمتني الحياه “:
” أنفقت صحّتي على الناس فوجدت قليلا منهم في مرضي فإن وجدت ثوابي عند ربي تمّت نعمته عليّ في الصحه والمرض”.
لما مرض قيس بن سعد بن عبادة استبطأ إخوانه في العيادة فسأل عنهم فقيل له إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين،فأمر من ينادي من كان لقيس عنده مال فهو في حل فكسرت عتبة بابه بالعشي لكثرة العُوّاد “.
عاد الخليل بن أحمد الفراهيدي بعض تلامذته فقال له تلميذه: “إن زرتنا فبفضلك وإن زرناك فلفضلك فلك الفضل زائراً ومزورا”.
يقول طه حسين ( الموسوعه المجلد 12 ص14):
“ومهما يكن من شيء فإن هناك شعورا لذيذاً لا يستطيع أن يتقّيه إنسان حساس يحدث في نفسك أثناء المرض وأوقات السفر حين ترى من حولك ناساً يعطفون عليك ويرفون لك ويؤثرونك بالمودة واللطف،لذيذ جدا هذا الشعور الذي ينبعث في نفسك حينئذ،ويشعرك بأنك لست وحيدا في الحياة،وبأن هناك قلوبا قد تخفق مع قلبك ونفوسا قد تشاركك في الألم،وتشاركك في اللذة،ولست أعرف شعوراً يفوق هذا الشعور لذة وحسن موقع في النفس رسائل”.
ثانيا : الدعاء له بالشفاء :
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعود بعض اهله ويدعو له “لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما، ويمسح بيده عليه ويطّيب خاطره ” [ رواه البخاري ].
وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:” اللهم اشف سعداً،اللهم اشف سعدا، اللهم اشف سعدا” [رواه مسلم].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أعرابي يعوده وكان إذا دخل على من يعوده قال: “ لا باس طهور إن شاء الله “. [رواه البخاري].
وعن عائشه رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسان الشئ منه أو كانت به قرحه أوجرح قال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعه هكذا ووضع سفيان بن عيينه الراوي سبابته بالارض ثم رفعها وقال : بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا يشفى به سقيمنا بإذن ربنا ” [متفق عليه].
(وهذا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم يداوي بريقه والتراب الطاهر )
وأن يدعو الله في نفسه أن يمنّ عليه بالعافية وأن لا يبتليه كما ابتلى من يعوده.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” من رأى منكم مُبتلى فقال الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء” [اخرجه الترمذي وقال حديث حسن عن سالم بن عبد الله عن أبيه عن جده ].
ثالثا : التنفيس بالأجل :
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا دخلتم على المريض فنفسّوا له في الأجل، فإنّ ذلك لا يرد شيئًا ،وهو يطيب بنفس المريض ” [رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقال الألباني::حديث ضعيف].
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن علي بن ابي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم؟قال: أ صبح بحمد الله بارئا “[ رواه البخاري].
وأما إذا تيقن أنه ملاق ربه فليكن له في رسول الله صلي الله عليه وسلم أسوه حسنة عن عائشه رضي الله عنها قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو مستند إلي يقول” اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق الاعلى” [ متفق عليه].
وعنها قالت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول:” اللهم أعني على غمرات الموت أوسكرات الموت” [رواه الترمذي وقال الألباني:حديث ضعيف].
وإن عيادة بعض المحبين قد تكون من عناصر تسريع الشفاء يقال إن أنس بن مالك رضي الله عنه عاد أحدهم فقال:
عادني مالك فلست أبالي بعد من عادني ومن لم يعدني
وجاء في زهر الآداب للحصري (ص413 وفي عيون الأخبار –ابن قتيبة –ج3-4 ص48):”
دخل كثير على عبد االملك بن مروان وهو عليل وأهله يتمنون ان يبتسم فقال لولا أن سرورك لا يتم بان تَسلمَ واسقم لدعوت الله ان يصرف مابك إليَّ ولكني اسال الله أيها الامير العافية لك ولي وفي كَنفك النعمة ،فضحك وأمر له بمال فخرج وهو يقول
ونعودُ سيِّدنَا وسِّيدَ غيرِنا |
| ليت التَّشكيَ كان بالعُوادِ
|
لو كان تُقبلُ فِديهٌ لفديتهُ |
| بالمصطفى من طارفي وتلادي
|
وجاء في عيون الأخبار (ابن قتيبةج3-4 ص48 ): “أرجف الناسُ بعّلة معاوية وضعفهِ،فدخل عليه مصقلة بن هبيرة، فأخذ معاوية بيده ثم قال يا مَصقل:
أبقى الحوادثُ من خليلك مثل جَندلة المَراجِمْ
قد رامني الأقوام قبلك فامتنعتُ من المظالم
فقال مصقلة: أما قولُ امير المؤمنين:أبقى الحوادث من خليلك، فقد أبقى الله منك جبلاً راسياً وكَلاً مَرْعياً لصديقك وسُماً ناقعاً لعدوك . وأما قولك : قد رامني الأقوام قبلك، فمن ذا يرومك أو يظلمك ! فقد كان الناس مشركين فكان أبو سفيان سيدهم،وأصبح الناس مسلمين وأصبحت أميرهم، فأعطاه معاوية فخرج ،فسئل عنه ، فقال: والله لغمزني غمزةً كاد يكسر منها يدي،وأنتم تزعمونه مريضاً.
جاء في البصائر والذخائر (ج2 ص96 ): “إن عجز مالك عن المشتكي أو دواؤك عن المريض فلا تعجزن عنه برحمتك وعيادتك فإن أدنى منازل الخيرات نصائح القلوب”.
وجاء في عيون الاخبار (ابن قتيبة ج3-4 ص43) : “عاد رجل رَقَبة،فنعى رجالاً اعتلوا مثل علته،فقال له رقبة : إذا دخلت على مريض فلا تنعَ إليه الموتى،وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا “.
والأهل لهم أجر في الإحتساب والصبر،إن للأهل كما للمريض دور في مواجهة المرض بالصبر والإحتساب،ولهم الأجر والثواب.
عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته قبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول قبضتم ثمره فؤاده فيقولون نعم فيقول فماذا قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى ابنوا لعبدي بيتا في الجنه وسموه بيت الحمد” [رواه الترمذي وقال حديث حسن].
وعن أبي هريره رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يقول الله تعالى ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة” [رواه البخاري].
مات لأعرابية ولد فدفنته ووقفت على قبره تودعه وتقول :”والله يابني قد غذوتك رضيعا وفقدتك سريعا ،وكأن لم يكن بين الحالين مدة ألتذّ بعيشك فيها، فأصبحت بعد النضاره والغضارة ورونق الحياة والتنسم بطيب روائحها تحت أطباق الثرى جسداً هامداً، ورفاتًا سحيقاً ،وصعيداً جرزا، اللهم إنك قد وهبته لي قرة عين فلم تمتعني به كثيرا بل سلبتنيه وشيكا ثم أمرتني بالصبر ووعدتني عليه بالأجر، فصدقت وعدك ورضيت قضاءك فارحم اللهم غربته وآنس وحشته واستر عورته يوم تنكشف الهنات والسوآت”.
ومن أجمل الرثاء في فقد الإبن واحتسابه عند الله ماقاله مصطفى المنفلوطي :
“رأيتك يابني في فراشك عليلا فجزعت ثم خفت عليك الموت ففزعت،وكأنما كان يخيل الي أن الموت والحياة شأن من شؤون الناس،وعمل من الأعمال التي تملكها أيديهم، واستشرت الطبيب في أمرك فكتب لي الدواء ووعدني بالشفاء،فجلست بجانبك أصب في فمك ذلك السائل الاصفر قطرة قطرة والقدر ينتزع من جنبيك الحياة قطعة قطعة،حتى نظرت فاذا انت بين يدي جثة باردة لا حراك بها ،وإذا قارورة الدواء ماتزال في يدي فعلمت أني قد ثكلتك،وأن الامر أمر القضاء لا أمر الدواء، لقد كان خيرا لي ولك يابني أن أَكل إلى الله أمرك في شفائك ومرضك وحياتك وموتك .
ويتابع: “الآن نفضت يدي من تراب قبرك يابني وعدت إلى منزلي كما يعود القائد المنكسر من ساحة الحرب لا أملك إلا دمعة لا أستطيع إرسالها،وزفره لا أستطيع تصعيدها،ذلك لأن الله الذي كتب لي في لوح مقاديره هذا الشقاء في أمرك فرزقني بك قبل أن أساله إياك ، ثم اختطفك قبل أن أستعفيه منك ،قد أرادأن يتم قضاءه فيّ وأن يجرّعني الكأس حتى ثمالها ،فله الحمد راضيا وغاضبا،وله الثناء منعما وسالبا ،وله مني مايشاء من الرضا بقضائه والصبر على بلائه”.
ويذكر الاستاذ أحمد امين( في فيض الخاطر ج4 ص2 )تحت عنوان “صور من الحياة “قصة إنسان غني فقد ابنه نختصر منها مايلي:
لم يرزق من الدنيا إلا ابنا واحدا وضع فيه كل أمله ومنحه كل عنايته ورعايته ،حتى شبّ كأحسن مايكون الشباب صحة وثقافة وخلقا،أخذته الحُمّى فارتفعت حرارته وذبل جسمه واصفر وجهه وغاب عقله، وبذل الأب كل مايستطيع لنجاته ،هؤلاء أشهر الاطباء وهذا أعز الدواء، وهؤلاء الممرضات ينفذن التعاليم في دقة وإحكام ،وهذا كل مايستطاع وما لا يستطاع لإنقاذه ،وينظر الأب إلى مزارعه الفسيحة ودنياه العريضة،فيراها أضيق من سَمِّ الخِياط، يتمنى أن لو جرد من كل ثروته ومن كل صحته ،ومن عينيه يبصر بهما وأذنيه يسمع بهما ليبرأ ابنه من المرض وينجو من الموت،ويرجو أن يكون سائلا يتكفف الناس ومُعدما لا يملك من الدنيا إلا ثوبه المهلهل يستر جسمه ثم يشفى ابنه،ويودّ أن لو كانت الصحة توهب فيهبها له،والحياة تُمنح فيخلعها عليه ويتشهى أن يفقد كل نعيم الدنيا لينعم فقط بابنه صحيحا بجانبه،كان يؤمن بالطب فدعا الأطباء،وكان يفكر بالرقى والتعاويذ ودعوة الصالحين فآمن بها وتشفع بأهلها ،وكان لا يذكر الله في سرائه فذكره في ضرائه ،وحشد لشفاء ابنه كل ما يستطيع من قوى مادية وقوى روحانية،ولكن غلب القدر فمات الولد، ويتابع أحمد امين :” لقد وجد في التدين عزاءه الوحيد فتدين،أدرك فشل المال والجاه في دفع المرض،فآمن بسلطان القدر،ورأى عجز الطب والعلم والدواء،فلجأ إلى من لا يعجز، وفهم أن الإلحاد يدعو إلى اليأس ويقرر فناء الميت فكفر بذلك كله،ورأى الايمان يقول بحياة بعد هذه الحياة وتلاق بعد الفراق،وفناء الجسم وحياه الروح،فطبق ذلك على إبنه وعلى نفسه ،فبعث عنده الأمل وأحيا فيه الرجاء،وقرأ ان العمل الصالح يقربه إلى بغيته ويجعل الحياه الأخرى أسعد واهنأ،فأكثر من الصلاة والزكاة وشارك في أعمال البر،وكان يقرأ القرآن ويقف كثيرا عند آيات الجنه ونعيمها فيتلهف شوقا إلى ان يجمعه الله وابنه فيها،كان يناجي ربه : إن قد مات قلبي بموت ابني فأحيه بك وقد انطفأت شعلتي فأمدها بنورك إني فقير اليك فالهمني الصبر لقد كنت في حلم فتبدد وفي سعادة فزالت وكنت معتمدا على مالي وجاهي فاذا هما هباء فلا ألجأ الآن الا اليك ولا أسالك الآن سعادة فقد مللتها ولا شيئا من متع الدنيا فقد زهدتها وانما اسألك ان ألمس قوتك لأستعين بها على حمل عبئي وأن ألمس رحمتك لألطف بها حرارة الحمى في كبدي وأن أسبح في بحرك الواسع أطهر فيه نفسي من يأسي وأن تنيلني قبسا من حكمتك أدرك به الدنيا على حقيقتها فلا أجزع لمصائبها ولا أخدع بزخارفها إي ربي اغفر لي جهلي بك وغروري بمالي واعتزازي بجاهي فلا عز إلا بك ولا أمل إلا فيك ولا اعتماد إلا عليك، إي ربي اسكن قلبي فقد صار هواء وآنس وحشتي فقد فزعت من كل شيء حولي واطو الحياة طيا حتى القى وجهك ووجه ابني”.
ويتكلم أحمد أمين عن إنسان أخر ابتُلي بالمرض ثم عُوفيّ منه ويذكر مافعل به المرض وما “غيّر من حياته،يقول أحمد امين ( في فيض الخاطر ج6 ص36 )تحت عنوان “خطاب
أخي العزيز:
معذرة إن تاخرت في الكتابة إليك فقد مرضت مرضا خطيرا طال شهرين،لقد أضعف المرض جسمي ولكنه صهر نفسي،وأتاح لي أن استعرض حياتي الماضية فرأيتني كنت أعنى فيها بالسطح دون العمق،تشغلني التوافه وأطمح الى أوهام، فأخذت في مرضي أتعرف الى الغرض من الحياة،وأشتاق إلى تفهم معناها فأجتهد أن أجتلي حقيقتها المغطاة بالأشكال والأسماء،وأبحث عن نقطة الاتصال بين الله والإنسان. كان وكانت نفسي نبعا مدفونا فتفجرت،وكان الله كان في السماء فصار في القلب،لشد ما يكون الإنسان أقرب إلى ربه في مرضه وفي أحزانه وفي شدائده،لأنه يطلب النجدة فلا يجدها في الأصدقاء والأقرباء وإنما يطلبها ممن لا تحدّ قوته ولا تقصر قدرته،ولأنه في مثل هذه المواقف تتكّشف له النفس لإنسانيه فيراها ضعيفة بذاتها، قوية بربها”.
رسائل إخوانية في المرض :
كتب سهل بن هارون إلى صديق له أبلّ من المرض: ” بلغني خبرالفترة في إلمامها وانحسارها،والشكاة في حلولها وارتحالها فكاد يشغل القلق بأوله عن السكون لآخره، وتذهل الحيرة في إبدائه عن المسرى في انتهائه ،وكان تغيري في الحالين بقدرهما ارتياعا للاولى ،وارتياحا للأخرى( عن أمراء البيان محمد كرد علي ص153).
وكتب ابن المعتز لعليل : “أذن الله في شفائك،وتلقى داءك بدوائك،ومسح بيد العافية عليك، ووجه وفد السلامة إليك ،وجعل علتك ماحية لذنوبك مضاعفة لثوابك ( نقلا عن زهر الأداب للقيرواني ص226)
ونالت ابا الطيب المتنبي علة بمصر فكان بعض اخوانه من المصريين يكثر الإلمام به ،أي يكثرمن زيارته وعيادته فلما أبلّ أي شفي من مرضه قطعه ،فكتب إليه صلتني أعزّك الله معتلا وقطعتني مبلا ،فان رأيت ألا تكدر الصحة علي وتحبّب العلةإلي فعلت (زهر الأداب للقيرواني ص928).
وكتب ابو بكر الخوارزمي الى أحدهم : “وصل كتابك ياسيدي فسرني نظري إليه ثم غمّني إطّلاعي عليه لما تضمنه من ذكر علتك جعل الله أولها كفاة وأخرها عافية ولا أعدمك على الأولى أجرا ولا على الأخرى شكرا، وبودي لو قرب علي متناول عيادتك فاحتملت عنك بالتعهد والمساعدة بعض أعباء علتك فلقد خصني من هذه العلة قسم كقسمك ومرض قلبي فيك لمرض جسمك وأظن أني لو لقيتك عليلا لانصرفت عنك وأنا اعتل منك فاني بحمد الله تعالى جلد على أوجاع أعضائي غير جلد على أوجاع اصدقائي شفاك الله وعافاك ( جواهر الادب للهاشمي ص118).
الكاتب احمد بن يوسف يهنئ أحدهم بإبلاله من مرضه فقال: قد أذهب الله وصب العلة ونصبها ووفر أجرها وثوابها وجعل فيها ارغام العدو بعقباها أضعاف ماكان عنده السرور بقبح أولاها (شوقي ضيف العصر العباسي الاول ص549).
وكتب أبو الفضل محمد بن الحسين بن العميد إلى القاضي أبي محمد الخلادي: بسم الله الرحمن الرحيم أيها القاضي الفاضل أطال الله بقاءك وأدام عزك ونعماك من أسر داءه وستر ظماءه بعد عليه أن يبل من علته ولا شفاء إلا قربك ومجالستك ولا دواء إلا طلعتك ومؤانستك ولا وصول إلى ذلك إلا بزيارتك أواستزارتك فان رأيت أن توثر أخفهما عليك وتعلمني آثرهما لديك وتقوم ما ألبسته في ذلك فعلت فإني أراعيه أشد المراعاة واتطلعه في كل الأوقات وأعد على الفوز به الساعات ( معجم الادباء ياقوت الحموي ج3 ص5).
وجاءفي زهر الآداب للقيرواني (ج3,4 ص929_930 ):خبرَّني فلان بعلَّتك فأشركني فيها ألماً وقلقاً، فلا أعلَّ الله لك جسماً ولا حالاً. فليست نِكاية الشيطان في قلبي بأقلّ من نِكاية الشكاية في جسمك،ولا استيلاء القلق على نفسي بأيسر من اعتراض السقم لبدنك، ومن ذا الذي يصحُّ جسمه إذا تألمت إحدى يديه،ومن يحل محلها في القرب إليه ؟ أنا منزعج لشكاتك، مبتهج بمعافاتك ،إن كانت علتّك قد قرَّحت وجرَحت فإن صحتك قد آست وآنست”.
وجاء أيضاً: الحمد لله الذي أعفاك من معاناة الألم ،وعافاك للفضل والكرم،ونظمني معك في سِلك النعمة ،وضمّني إليك في منبلج الصّحة”.
وجاء أيضاً: أغناك الله عن الطب والأطباء،بالسلامة والشفاء، وجعله عليك تمحيصاً لا تنغيصاً، وتذكيراً لا نكيراً، وأدباً لا غضباً”.
وجاء في عيون الأخبار – ابن قتيبة -: كتب رجل إلى صديق له : كيف أنت؟ بنفسي أنت! وكيف كنت؟ لا زلت! وكيف قوتك ونشاطك؟ لا عَدمتهما ولا عدمناهما منك، وأعادك الله إلى أحسنِ ما عودك ! لولا عوائقُ يُوجب العذر بها تَفَضَّلك لم أدع تَعرَّفَ خبرك بالعين، فإنها أشفى للقلب وانفع للغليل وأشدُّ تسكيناً للأعج المشوق” .
وجاء في العقد الفريد – -ابن عبد ربه- :”لئن تخلفت عن عيادتك بالعذر الواضح من العلة لما أغفل قلبي ذكرك ولا لساني فحصا عن خبرك،يحب أن تتقسم جوارحه وصبك،وإن زاد في ألمها ألمك ،وأن تتصل به أحوالك في السراء والضراء،ولما بلغتني إفاقتك كتبت مهنئاً بالعافية معفياً من الجواب إلا بخبر السلامة إن شاء الله “.
وجاء في العقد الفريد (–ابن عبد ربه-ج4 ص289):” “ليست حالي – أكرمك الله – في الاغتمام بعلتك حال المشارك فيها بأن ينالني نصيب منها وأسلم من أكثرها ،بل اجتمع على منها أني مخصوص بها دونك ،مُؤْلَم منها بما يؤلمك ،فأنا عليل مصروف العناية إلى عليل كأني سليم، فأنا أسأل الله الذي جعل عافيتي في عافيتك ، أن يخصني بما فيك ، فإنها شاملة لي ولك”.
وفصل : إن الذي يعلم حاجتي إلى بقائك ،قادرٌ على المدافعة عن حوبائك ،فلو قلت إن الحق قد سقط عني في عيادتك لأني عليل بعلتك ،لقام بذلك شاهد عدلٍ في ضميرك ، وأثرٌ بادٍ في حالي لغيبتك ،وأصدق الخبر ما حققه الأثر ،وأفضل القول ما كان عليه دليل من العقل أدباء … وفقهاء … ولكّن أطباء
بسم الله الرحمن الرحيم
أدباء … وفقهاء … ولكّن أطباء
ـ سُئل أعرابي عن أخ له فقال :”اعتورته الهموم،واستلحمته الفكر،وتضيفته الأحزان،وتخلَّلته البلابل “(البصائر والذخائر ج2 ص135 مقطع 459).
ـ الظلال (ج1 ص43 ) {في قُلُوبهم مرضٌ فَزادَهُمُ الله مرضا }[سوره البقرة10].
يقول سيد قطب رحمه الله: ” فالمرض ينُشئ المرض والانحراف يبدا يسيرا ثم تنفرج الزاوية في كل خطوه وتزداد، سُنَّة لاتتخلف سُنَّة الله في الأشياء والأوضاع وفي المشاعر والسلوك”.
سيد قطب(الرسالة العدد394):
“هذه الحياة الدنيا عجيبة،فهي ما تزال تنشىء السم وتدس فيه الترياق،وتخلق السقم وبين طياته عناصر الشفاء.وما تزال تخيل لأبنائها السذج أنها موشكة على التلف مشرفة على البوار،فتثير فيهم قواهم الكامنة،وتستحث منهم هممهم الراكدة،ثم إذا هي تنصل من الداء،وتنهض من الكبوة،أشد ما تكون عافية،وأوفر ما تكون قوة،كصحو الطبيعة غب الوابل المنهمر،وصفو الكون بعد العاصفة الهوجاء!”.
سيد قطب(مقال بعنوان بعثة طبية ـ الرسالة العدد 665):
“والنيابة والحكيم هذان هما الشيئان الهائلان المخيفان في القرية كلها.
وما وظيفة الحكيم؟
أليست وظيفته أن يشرح جثث الموتى،وأن يبقر بطون المصابين،أو يقطع أيديهم وأرجلهم لمجرد الإيذاء،أو لكي يفحصها ويلتذ بفحصها؟أو أن يسقي المرضى(الفنجان) أي السم ليموتوا،حتى لا يتعب في علاجهم،أو تلبية لرغبة العمدة الذي يرشوه للتخلص من خصومه الذين يصابون في الحوادث!
فما هم وهذا الحكيم؟
إنهم ليسوا قتلى يشرحهم،وليسوا مصابين يقطع أوصالهم،أو يسقيهم”الفنجان”…ولكن،أو يستدعيهم إلا لأمر ما؟أخف شىء يصنعه بهم هو “التجريح”…(وهو الاصطلاح الذي يطلقونه على عملية التطعيم)،تلك العملية المرعبة التي يندب لها بعض معاوني الصحة،وبعض الممرضين في الحين بعد الحين،فترّوع القرية ترويعاً…وما أن يعلن أن في البلد “الحكيم الصغير”(تمييزاً اه من الحكيم الكبير)الذي يطلبهم الآن والذي يرافق النيابة دائماً ولا يحضر مفرداً ما أن يعلن هذا حتى ترتج وترتجف.فتخرج الأمهات إلى الشوارع مولولات مذعورات يلتقطن أطفالهن من كل مكان في ذعر وعجلة،ثم يغلقن على أنفسهن الأبواب،ويصعدن إلى السطح استعداداً للقفز عليها من بيت إلى بيت،فكثيراً ما يدق هؤلاء الشياطين الأبواب،ويكسرونها بمساعدة الخفراء،ويهجمون على من فيها (للتجريح).
فأما من تستطيع القفز إلى البيوت المجاورة،فلن تقصر في سلوك طريق النجاة،وأما من لا تستطيع،فإنها تختبىء في صومعة الغلال،أو في م الدجاج،حيث لا يخطر على قلب (الحكيم) أنها هناك!
هذا هو الحكيم الذي يعرفونه…فما بالهم بالحكيم الكبير الذي لا يحضر إلا مع النيابة،والذي لا يقع أحد في يده،ثم ينجوا إلا بمعجزة من معجزات القدر،أو ببركة(تميمة) لولي من كبار الأولياء؟!
وارتجفت مفاصلهم جميعاً وهم يسمعون الخبر الفاجع،اصفرت وجوههم،وعلا صوت بعضهم بالنحيب والعويل!
ووصلوا إلى الدوار،ولا يعلم إلا الله كيف وصلوا.ووقفوا صفاً طويلاً.أوله في داخل الدوار وآخره في الشارع أمامه.وعن اليمين وعن الشمال وقف الخفراء ببنادقهم(ولبدهم) الطويلة،ووقف أحد المدرسين في أول الصف وأحدهم في آخره.أما الناظر فقد سبقهم إلى الحكيم ليطمئنهم قليلاً،ويظهر أمامهم بمظهر الشجاعة المطلوب!
وكان ترتيب الصف حسب الطول،فتقدم كبار التلاميذ وتبعهم الصغار أو القصار.وفي هذه اللحظة أصبح القصر نعمة من نعم الله!
ـ دخلتم للحكيم؟
ـ نعم دخلنا!
ـ وماذا صنع بكم؟
ـ لا شىء! غزّنا في أصابعنا بالدبوس وشفط الدم! ولكن رؤيتهم لهم أحياء أصحاء مطمئنة على كل حال.
ـ وماذا هذا في أيديكم؟
ـ حق من الصفيح نأتي فيه بعينة براز وزجاجة صغيرة نأتي فيها بعينة بول!
ـ عينة براز وعينة بول! ولماذا؟
ـ لا ندري! هكذا طلب منا الحكيم!
ـ الحكيم نفسه طلب منكم هذا؟
ـ لا…الحكيم الكبير غزنا.والحكماء الصغيرون سلمونا الحق والزجاجة وطلبوا منا العينة للحكيم!
وعلى سهولة الطلب ورخصه إلا فإنه بدا عزيزاً وصعباً في كثير من الحالات…لقد طلب إليهم جميعاً أن ينطلقوا إلى دورات المياه بمساجد القرية،وأن يعودوا بعد نصف ساعة ومعهم المطلوب.
فأما الذين كان في أمعائهم بقية فقد انطلقوا مطمئنين،وأما الذين أحسوا أن أمعائهم لا تستجيب لهم، أو حاولوا ولم يفلحوا،فقد علا وجههم الإصفرار،وارتفعت دقات قلوبهم من الخوف،وركبتهم الحيرة التي تركب المذعورين!
وهنا تتفق الحيلة،وتبدو قيمة التعاون!
إن التلاميذ لإخوة،فمتى تظهر قيمة هذه الأخوة إن لم تظهر الآن؟!
لقد انطلق المحرجون يرجون إخوانهم أن يمدوهم بعونهم،وأن يتولوا عنهم ملء هذه الإحقاق!
وهنا تظهر الطبائع على حقيقتها.فالشدائد هي أفضل محك لها فأما ذوو الأصل الطيب والطبع النبيل من التلاميذ فقد تقدموا لمعاونة زملائهم بلا تردد.وأما قليلو الأصل وذوو الطبائع اللئيمة،فبعضهم امتنع شفاء لحزازات قديمة،وبعضهم تمنع لؤماً والنتهازاً للفرصة!
وما هي إلا دقائق حتى كانت الإحقاق كلها مليئة،فتسلمها الحكماء في اطمئنان عميق…وسمح للتلاميذ بإجازة بقية اليوم،فعادوا إلى منازلهم غير مصدقين!
وعلم فيما بعد أنها كانت بعثة طبية للقيام بإحصاء طبي عن حالات الأنيميا(فقر الدم)والبلهارسيا والأنكلستوما(نوع من الديدان)والاسكارس(نوع من الديدان).
ولكنه لم يعلم كيف كانت النتائج التي دونتها البعثة في إحصاءاتها الرسمية الوثيقة!!!
قيل لأعرابي: ماشدّة البرد؟ قال :إذا دمعت العينان،وقطرالمنخران،ولجلج اللسان”(البصائر والذخائر ج2ص242 مقطع 863).
زكي مبارك (رسالة الأديب :تحت عنوان الألم والحياة):
“قرأت في البلاغ فقرة مُترجمة جاء فيها أن شارلي شابلن قال إن بعض الناس يدهشون لإصراري على الظهور في رواياتي بمظهر البائس المتألم ولكن أليس في الألم كل معنى الجمال؟ يقول زكي مبارك :فتذكرت أنني قرات لأناتول فرانس منذ أعوام كلمة نفيسة عن الألم وفضله على الحياة فعدت إليه فرأيته يقول ماترجمته بتصرف يسير بين الوهم والألم الذي يحيط بنا يبدو شيئ واحد محقق ذلك هو الألم”.
يقول أحمد حسن الزيات (من وحي الرسالةج1 ص396):
“لقد كنا لانرى الموت إلا حيث تكون الشيخوخه الفانية،ولا نسمع بالمرض إلا قبيل الموت المرغوب،ولا نعرف من الأطباء إلا طبيب المركز يوم يزور القرية كل أربع سنوات فيأمر بتسوية التلال،وكنس الأزقة،ورش الحيطان الخارجيه بالجير،وكانت النفوس راضية مطمئنة تسبح في فيض من نعيم السلام والدّعة لا يرمضها حقد على إنسان ولا يقلقها حرص على شيئ،أما اليوم فكأنّما أصاب الناس سعار من الجحيم فلا يبرحون بين عمل دائب،وهمّ ناصب،وطمع شره، وتنافس دنئ،وعداوة راصدة،ثم فشا الطب ففشا المرض،وانتشر العلم فانتشرت الجريمة،وفاض الخير وغاضت البركة،واستبحرت المدنية المادية فخفت بين ضجيجها الآلي صوت الضمير،وهلك في عبابها المُزبد سلام النفس،وكان الظن بالمدنية والعلم أن ينزعا من نفوس بني الإنسان غرائز الحيوان،ويُهيأ لهم حياة الجنة التي حرمتهم إياها رذيلة الطمع،فهل رُفع الإيمان من الأرض حتى عمَّ الناس هذا البلاء وأصاب العلماء منه ما أصاب الجهلاء؟”.
أحمد حسن الزيات( وحي الرساله ج1 ص489):”فالفتى من تباريح الجوى أصيب بالسل فمزّق رئتيه،وشفّ جسمه،فهو في السرير عظم هامد ينتظر النهاية المحتومة،والأم من هول النكبة أخذها الفالج فهي سطيحة الفراش لا تمرّ ولا تحلى،والأب من فقد الرجاء اعتراه الخَبال فمات قتيلاً في حادث محزن”.
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد 394ـ مقال:خواطر مريض):
“عقدني(الروماتزم) شهراً بالسرير لا أتورّك ولا أتحرك.وكانت دنياي في هذه الفترة الفاترة قد انحصرت في غرفة المرض كما تنحصر دنيا الطائر السباح في القفص،أو حياة المخاطر الطماح في السجن.فالنشاط الحيوي الجياش بالعمل والأمل ينقلب في المريض والسجين نوعاً من الهدوء الفلسفي الصوفي يردُّ كل ثورة إلى السكون،ويروض كل رغبة على الرضى،ويزيل عن البصر والقلب غشوات الباطل فيرى المرء كل شىء على طبيعته،ويدرك كل معنى على حقيقته.
تلك هي حياتنا الدنيا! أراها من وراء المرض على لونها الأصيل ووضعها الحق:ظاهرة متغيرة من ظواهر الطبيعة المتجددة،مثلها في الإنسان كمثلها في الحيوان،تعيش بالغذاء إلى أمد مأمود،وتبقى بحفظ النوع إلى أبد محدود.
في المرض يزداد يقين المرء بأن الدنيا زائلة،فهو يأسى على ما جنى ويندم على ما جمع،ولكنه حين يصحّ تمتد آماله وتتشعب مطامعه ويعود عبداً للطبيعة يعمل لأنها تريد،وينفذ لأنها تحكم،فليت شعري إذا عقل كل الناس فعمل كل امرىء ما يلزم،وقنع بما يقوت،وكفّ عمّا لا يحل،فبماذا يشتغل قضاة المحاكم وقواد الجيوش وصناع الأسلحة ورؤوساء الأحزاب؟”.
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد 690):
“أنا أيضاً ضحية هذا المقياس الحديث لضغط الدم!كنت من قبل أحمد الله على دوام الصحة،وأغبط نفسي على فراغ البال،فإذا مسّني الضرّ لسبب من أسبابه المألوفة،احتملته راضياً لأنه التغير الذي يدفع من سأم العيش،والتنوع الذي يزيد من جمال العافية.
فلما كتب الأطباء عن ضغط الدم وأعراضه،وتحدث الناس عن آثاره وأمراضه ،تلمست شواهده في جسدي،فإذا صوت يشبه(الوشّ) في رأسي،وحركة تشبه الاختلاج في صدري،فزرت الطبيب المختص،فظل وقتين طويلين في يومين متعاقبين،يجس بيده،ويقيس بمقياسه،ويصور بآلته،ويدون في مذكراته ،وأنا في كل ساعة من هذين اليومين أذوب ولا أثوب،وأنظر ولا أرى،وأسمع ولا أعي،وأتوهّم ولا أفهم،حتى قرر الدكتور أن أعضائي الرئيسية صحيحة،ولكن عندي ارتفاعاً في الضغط يخشى إذا أهملته أن يصبح خطراً لا حيلة فيه.ثم نظم لي الغذاء ووصف الدواء ونصح لي أن أزوره الحين بعد الحين.
وهكذا خرجت يا صديقي من عيادة النطاسي الكبير وأنا نوع آخر من الخلق،فيه الروح وليس فيه الحياة،وعنده الهمّ وليس عنده الأمل!أصبحت منذ ذلك اليوم كمريض(موليير)،أتوهم أن في كل أكلة أو حركة أو فكرة ضغطاً على الضغط يشده ويوتره،وأتخيل أني(كبالون) الأطفال المنفوخ أخف صدمة تفجره وتدمره.فأنا آخذ نفسي أخذاً شديداً بالجوع والظمأ والحرمان والتبلد والركود،فلا أطعم ما أشتهي،ولا أنعم بما لذّ،ولا أشتغل بفعل ولا فكر،ثم أهرع كل اسبوع إلى المقياس المخوف فأجده ثابتاً على رقم الخطر لا ينخفض ولا يتذبذب! فأسأل عن علة ثبوته على قلة قوته،فأعلم أن أشد ما يغذي الضغط ويقويه ،إنما هو الاكتراث له والتفكير فيه.وهل يستطيع المحكوم عليه ألا ينظر إلى السيف وهو مُصلت فوق رأسه،أو يملك المسموم ألا يفكر في الموت وهو يتغلغل في طوايا نفسه؟
الحق يا صديقي أن العيش على هذا الحال جحيم،وأن الله الذي أخفى الأجل عن عباده رؤوف رحيم،فلو كان للأجل مقياس كمقياس الضغط لجعل حياة الإنسان هماً دائماً يمرّ حلاوة الدنيا،ويذوي خضرة الأمل،ويزهق روح السعي،ويذهب جمال الوجود”.
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد909ـ مقال بعنوان:مثل الشيخ):
“مثل الشيخ كمثل الزرع إذا آتى ثمره ثم هاج واصفر وأوشك أن يكون حطاماً،لا يهتم بأصوله في الثرى لأنها عجزت عن امتصاص الغذاء فحسبه منها أن تتماسك،وإنما يهتم بسيقانه وأوراقه،يخشى عليها نفحة البرد ولفحة الحرّ وهبّة الريح.وكلما تغيّر وجه السماء،أو اشتدت سرعة الهواء،ارتاع وانكمش وتوقع النهاية،فإذا صحا الجو وسرى النسيم الفاتر يداعب الأغصان الملد والأوراق الغضة،تبلد من الهمود فلا يحس نشاطاً لدعابة ولا اغتباطاً بمتعة!وهكذا الشيخ!تذوبه السنون وتضويه العلل فتيبس أسلافه وتجف أعاليه،فيعيش بالاجترار أكثر مما يعيش بالأكل،ويتجه إلى الوراء ليتذكر،ولا يتجه إلى الأمام ليأمل،ويجل باله لأخبار المرض والموت والدواء،أكثر مما يجعله لأخبار الرياضة والولادة والغذاء.فإذا سمع بمرض صديق سأل ما مرضه؟ومن طبيبه؟وما أسباب هذا المرض؟أعنده ارتفاع في الضغط،أم زيادة في السكر،أم تصلب في الشرايين،أم ضعف في القلب،أم اضطراب في الغدد،وإذا قرأ في الصحف نعي رجل سال بأي علّة مات؟وكم سنة عاش؟فإذا كان من طوال العمر سأل بماذا طال عمره؟أكان يتبع في الطعام نظاماً خاصاً،أم كان يسلك في الحياة خطة معينة؟وإذا كان من قصاره سأل لماذا قصر عمره؟هل كان يفرط على نفسه في الأكل أو في الطعام أو في الشراب أو في الدخان؟أم هل كان يسرف على جسمه في العمل أو في الفكر أو في الهمّ؟وإذا وقع على مجلة في الطب أو مقالة في العلاج أو إعلاناً عن دواء ،تلمس في كل أولئك ما يعيد الصحة أو يؤخر الشيخوخة أو يطيل الأجل.وإذا جلس شيخ إلى شيخ لا يسأل أحدهما الآخر عن شدة الغلاء،ولا عن أزمة الجلاء،ولا عن قضية الجيش،إنما يسأله عن مقدار سنه،ونوع أكله،وساعات نومه،وعن الطبيب الذي يعالجه،والدواء الذي يفضله،والنظام الذي يتبعه.
وإذا الشيخ رأى الشباب الريان يمرح في الطريق،والجمال الفتان يخطر في الندى،انصرف ذهنه عن الوسامة والسقامة والفتنة واللذة،إلى العضلات القوية،والحركات العنيفة،والأعصاب المتينة،والشرايين المرنة،والنفوس المفتوحة،فيتحسر على ماض لا يعود،ويتأوه من حاضر لا يبقى!
وإذا الشيخُ قال أف فما ملّ حياة وإنما الضعف ملا
آلةُ العيش صحة وشباب فإذا وليّا عن المرءِ ولّى
(المتنبي)
أحمد حسن الزيات(الرسالة العدد 761):
يتكلم عن وفاة الأديب الكبير محمد إسعاف النشاشيبي:
“سبحانك يا رب! شعاع أرسلته ثم رددته،وروح ثنته ثم أعدته،وظلّ بسطته ثم قبضته ولواء رفعته ثم خفضته،وبنو آدم العاجزون الضعاف لا يملكون أمام أمرك البادي وسرّك المكنون إلا أن يشكروا على العطاء والأخذ،ويحمدوا على المحبوب والمكروه.
كنت ثالث ثلاثة استبقاهم الوفاء بجانب إسعاف في ساعاته الأخيرة،وكان الطبيب واقفاً يصف الدواء وينظم العلاج ويرشد الممرضة،وكان المريض جالساً في سريره حاضر الذهن حافل الخاطر يغالب انبهار النفس من الربو،ويجاذب المواد ما رقّ من الحديث:فهو يضع لسانه حيث شاء من نوادر اللغة،وطرائف الأدب،فينتقل من الكلام في (ليس غير) إلى الكلام في ترجمة(جوته) لقصيدة خلف الأحمر،حتى إذا سمع الطبيب يصف له البنسلين قطع الحديث وقال بلهجته المعروفة:أنا أكره البنسلين لأنه أنقذ تشرشل!فقلنا له:ونحن نحبه لأنه سينقذ أبا عبيدة! وكانت مظاهر العزم في حديث(أبي عبيدة) توسع في أنظارنا فسحة الأمل،وتصرف عن أذهاننا فكرة الخوف فلم يدور في خلدنا أن المنيّة كانت مرنقة فوق سريره تنتظر أنفاسه المعدودة أن تنقضي،وألفاظه المسرودة أن تنفد،فلم يكد السامر ينفض والساهر ينام حتى ختمت على فمه المنون فسكت سكوت الأبد!”.
الظلال (ج1 ص86) “بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته” يقول سيد قطب رحمه الله:
“الخطيئة كسب ان المعنى الذهني المقصود هو اجتراح الخطيئة، ولكن التعبير يومئ إلى حالة نفسية معروفة إن الذي يجترح الخطيئة إنما يجترحها عادة وهو يلتذّها ويستسيغها، ويحسبها كسبا له على معنى من المعاني،ولو أنها كانت كريهة في حسّه ما اجترحها،ولو كان يحسّ أنها خسارة ما أقدم عليها متحمساً،وما تركها تملأ عليه نفسه، وتحيط بعالمه لأنه خليق لو كرهها،وأحسّ ما فيها من خسارة أن يهرب من ظلها حتى لو اندفع لإرتكابها، وأن يستغفر منها، ويلوذ إلى كنف غيركنفها، وفي هذه الحالة لا تُحيط به ولا تملأ عليه عالمه،ولا تغلق عليه منافذ التوبة والتكفير،وفي التعبير وأحاطت به خطيئته تجسيم لهذا المعنى،وهذه خاصية من خواص التعبير القراني،وسِمة واضحة من سماته تجعل له وقعاً في الحسّ يختلف عن وقع المعاني الذهنية الُمجرّده،والتعبيرات الذهنية التي لا ظل لها ولا حركه، وأي تعبير ذهني عن اللجاجة في الخطيئة ما كان ليشّع مثل هذا الظل الذي يُصّور المجترح الإثم حبيس خطيئته يعيش في إطارها ويتنفس في جوّها ويحيا معها ولها”.
مصطفى صادق الرافعي من مقال بعنوان:فلسفة المرض(أوراق الورد):
“خلقت نفس هذا الإنسان وكأنّها ثلاثة أنفس،إذا كان دأباً لها أن تكون طامعة متلفتة وثابة،فهي لا تسكن على رزق تُرزقه،ولا تثبت على حال تحول إليها،ولا تقر في منزلة تسفل بها أو تعلو.
وهي كذلك لا تبرح تنزع مما وجدته إلى ما لم تجده،لأن الشوق أحد عناصرها ،ولا تنفّك متقلبة تجعل ما ترضاه يوماً هو ما تسأمه يوماً،لأن الرغبة إحدى طبائعها،ولا تزال تتخطى حدود الأشياء،لأنها من الأزل بُنيت على الخلود الذي لا يقف على حد.فالشوق الثائر في حاجة إلى فترة تكسر من حدته ،والرغبة المجنونة في حاجة إلى ضعفة تهدىء من ثورتها،وخطوة الخلد التي لا تزال دائبة تتقدم،في حاجة إلى عثرة بمعنى من معاني الفناء المعترضة في طريق الحياة.وبذلك يكون الإنسان دائماً في حاجة إلى بعض الأمراض لا ليمرض ولكن ليصحّ ،إلا أنواعاً من أساليب الموت تسمى أمراضاً لا حيلة فيها،ولا يكون المريض معها إلا كالوعاء يشقق ليُحطم،وينتهي،لا كالوعاء الذي يُصب ما فيه ليُنظف ويُملا ويبتدىء.
فالمرض الرحيم وضع النفس في وثاق يُمسكها حيناً،ليحبسها على تأمل حقائق الحياة المغطاة،ويُكرهها على أن ترى الدنيا أهون من أن تصغى لها نفس ،وأخس من أن يسقط بها قلب،وأحقر من أن تتهالك عليها الأحياء،ثم ليريها رأي العين أن العالم مصبوغ بأخيلتها الوهمية التي نفضت عليه ألوان الجنة فافسدته بهذا التمويه،وتركت أهله يتكذبون في أوصافه ،فيخطئون في حقائقه،وجعله كالقمر هو في ذاته حجرٌ مظلم ،ولكن ذهب الشمس يجعله كله فضة بيضاء.
إنه لا يُفسد الإنسان إلا الغرور،ولا يكون الغرور إلا من الطيش،ولا يطيش بالرأي إلا سوء التقدير،ولا يكون هذا السوء أكثر ما يكون إلا من بلاء العافية على الإنسان”.
وإن من بلاء العافية ثلاثاً:عافية الجسم وعافية الهوى وعافية المال.
فأما الجسم ،فأقرب ما وجدته إلى الحيوان الضاري الخبيث،أشد ما وجدته قوة وعافية.
وأما الهوى فلم يخلق الله شيئاً كل هلاكه في قوته غيره.
وأما المال فعافيته في رجل واحد مرض في ألف رجل إلى ألوف كثيرة،فهو حصر الدنيا كلها في بعض أجزائها،فكأنما تطوف الأمراض في هذا العالم لتُصلح نواحي الإنسانية فيه فتضعف الحيوانية وتكسر شرّة الهوى وتكفّ طغيان المال عن النفس،حتى لا شهوة فيه ولا قوة له ولو جمعوا ما أصلحته الأديان والقوانين من أحوال النفوس وطبائعها،ثم ما أصلحتهُ الأمراض منهاـ لرأيت أن لله أنبياء من هذه الأمراض يُرسلها إلى الدم الإنساني،وأن “المكروبات”السابحة في الهواء كالأملاح الذائبة في البحار،لولا هذه لتعفنت الأرض، ولولا تلك لتعفنت الإنسانية.
تأمل هذا المريض وهو خائر النفس،متخاذل الأعضاء،كاسف الوجه،ميت الهوى،لا يتماسك مما به من الضعف،ولا ينبعث لما به من الخمود،ولا يتشهى لما به من الفتور،ولا يتذوق بما في روحه من المرارة،ولا يجرؤ لما في حسه من الإشفاق،ولا ينظر إلى الدنيا إلا بملء عينيه زهداً فيها،كأنما بث المرض في عينيه شعاعاً ينفذ الأمور إلى حقائقها،ثم يخترق الحقائق إلى صميمها.أفلا ترى هذا الإنسان قد عمل فيه مرض أيام قليلة ما لا تعمل العبادة مثله في أزهد الناس،إلا في السنين المتطاولة؟إنما هي ثلاث وسائل للجمع بين الإنسان وحقيقته العليا.العبادة القوية،وقد عجزت إلا في أفراد قلائل،والحكمة الصحيحة العالية وهي أشد عجزاً إلا في الأقل،ثم لم تكن الوسيلة العامة التي تتناول الناس جميعاً،ولا يستعصي عليها أحد ممن أطاع أو عصى إلا المرض.
وإن أعجب ما في الإنسان أنه يرى الموت بين الساعة والساعة ثم لا يستشعر من كل ذلك معنى زواله،كأنّ عادة الحياة أخمدت هذا الحس فيه،أو أُخملت منه،وما هو إلا أساس التعاطف الإنساني،ثم لا يكون إلا أن يمرض هذا الإنسان يوماً،فإذا هو قد تلقى الدرس على أحكم أساتذته،ورأى نفسه كان يمشي فقعد،ويستطيل فتقاصر،ويشمخ فانهدّ،ويسر فحزن،وإذا هو قد بُدل من الصوت خفض الصوت،ومن الإعجاب مقت الإعجاب،ومن الخلاف ترك الخلاف،ومن جفوة الناس حاجته إلى رحمة الناس.ثم إذا هو قد أمسك عن كل ما كان فيه من العمل،وأقبل على الصحراء المخيفة التي بين الدنيا والآخرة،وأحس من غمزة قدر الله في مواضع آلامه،أن الإنسان مهما يكن من قوة الأسر وشدة البأس فما هو إلا بعد حبة صغيرة واهنة بين شقي هذه الرحى العظمى الدوارة،التي حجراها الشمس والقمر.
سبحانك اللهم!إنما هذه الأمراض أخلاق أنت تنشىء بها الرحمة في قلوبنا المتحجرة،وتصرفنا فيها إلى نفوسنا بعد أن نكون قد جهلنا هذه النفوس في أعمال الحياة أو جهلتنا،وتعلمنا جميل صنعك في تواتر حلمك علينا،مع قبيح صنعنا في ترادف عصياننا لكن تنقلنا بها في خطوة سريعة من خطى الأزلية،لترى الدنيا من آخرها،فلا نجد نعيمها إلا معاني من الهلاك،ولا ملذاتها إلا أسباباً من الندم،ولا غناها إلا فنوناً من الحسرة،ثم لا ننظر في أجسامنا إلا أشكالاً قائمة من التراب،ولا نعرف من أعمارنا إلا أنفاساً كانت تصعد من فم القبر،وإذا أذنت بعدُ في شفائنا،ومسحت بيد العافية علينا،كانت الأمراض وسيلة من وسائل تجديد العمر،وخرج المريض وكأنه مقبل على الدنيا من ناحية لم تكن فيها،فينسم من كل شىء رائحة الحياة،ويرى على كل جمال أثراً كأثر الحب ولذته وحنينه،ويستقبل نفسه الراجعة إليه في موكب الحواس القوية،فلا يكون له غلا ما قد يكون مثله في الملك المخلوع أعادوه إلى العرش،فجاءوا بالتاج وأقاموا له الزينة وحشدوا له الحفل،وقالوا:سمعنا وأطعنا!.
سبحانك!إنما هذه الأمراض مواعظ منك تُعلمنا كيف نضع شهواتنا في مواضعها من الضرورة،ونحصرها في حدودها من الازدراء والمقت،فلا تعدو بطبائعنا علينا،ولا تعدو بنا على سوانا،وإنه ما يخطىء امرؤ في الحياة إلا من إقرار شهواته في غير أمكنتها،حتى تأخذ من عقله،وتنال من رأيه،وتجور على حواسه،فيقلبها ذلك من أن تكون حركة في الحياة،إلى أن تصير الحياة كلها حركة من حركاتها،وحينئذ لا تكون الشهوات إلا أكثر مما هي،فتقتضي أكثر مما تستحق من الجهد والعمل الإنساني،ولا تكون الحياة إلا أحقر مما هي ،فلا تخرج إلا أقل ما يمكن أن تخرجه من القيمة الإنسانية.
سبحانك اللهم.إنما هذه الأمراض في الدنيا بعض مواد البحث الفلسفي العميق لدرس أساليب الطبيعة البشرية،فكم من “عملية جراحية” في طب الناس،هي في الحقيقة”عملية”حسابية في وزن هذه الطبيعة وتقديرها،وكم من أنّة وجع في المرض ،وهي نفسها كلمة عتاب بين الطبيعة والنفس،وكم من ضجعة للداء،هي في الواقع نهضة للأخلاق من ضجعتها.
سبحانكَ ولك الحمد!إن ساعة النجاح وتحقيق الآمال وانتعاش الحظ،وتبديل صورة من الحياة بحياة غيرها تكون اسمى وأكمل،وساعة الغنى وإقبال الدنيا ومسالمة الأيام،وتزيين الحياة بحياة أجمل منها وأبدع،وساعة الحب ولقاء الحبيب،وفيضان الجمال على النفس ،ونسيان الحياة بالحياة التي هي أمتع منها والذ.كل هذه الساعات لا تُعد إلا دقائق وثواني من السعادة،إذا اتفقت بعد المرض ساعة الحياة،ساعة رجوع الصحة”.
مصطفى صادق الرافعي(مجلة الرسالة العدد 199):
ومن عجيب حكمة الله أن الأمراض الشديدة تعمل بالعدوى فيمن قاربها أو لامسها،وأن القوى الشديدة تعمل كذلك بالعدوى فيمن اتصل بها أو صاحبها،ولهذا يخلق الله الصالحين ويجعل التقوى فيهم إصابة كإصابة المرض تصرف عن شهوات الدنيا كما يصرف المرض عنها،وتكسر النفس كما يكسرها ذاك،وتفقد الشىء ما هو به شىء فتتحول قيمته.فلا يكون بما فيه من الوهم بل بما فيه من الحق”.
ثروت أباظة(الرسالة العدد914):
“عشر سنين أحمل الداء في هذه الزائدة التي أبقاها الله في الإنسان ليغض من كبره كلما تكبر،ويذل من عتوه حينما يعتو..عشر سنين أحمل الداء وأتشبه بالقوم فأروح وأغدو لا يعلم أحد علام أقفل هذا الصندوق الآدمي،ويرونني فيرش المحب فوق رأسي خشبة الحسد،ويكتم الحقود الحقد في نفسه أو يبديه في الفاظ مادحة،وأنا أتلوى ساعات في اليوم .لقد ظن الأهل أنني أبالغ ثم أقوم من تلك الازمة اليومية لأشكر اللمح للصديق ولأتظاهر بالفرح للحسود.
عشر سنين ودعائي إلى الله كلما أقبل اليوم أن يخف فيه العذاب، ثم أفكر فيما أنا فيه فلا أجد لي غير الأطباء مخرجاً أزال بهم أو ما يزالون هم بي حتى أصبح صديقهم جميعاً وحتى أصبحت أفهم من مرضي أكثر مما يفهم بعضهم.
عشر سنين لا يضع طبيب يده على مكان العلّة بل هو دائماً في المكان الخاطىء وعلى الرأي اليائس وأنا أسلم أمري إلى الله وأشكر نعمته التي وهب فما أقل ما كنت فيه إذا نظرت إلى غيري،وما أهون ما لاقيته من شر إذا ذكرت ما يسكبه علي سبحانه من خير.
عشر سنين ثم يشاء الرب الكريم أن يتم النعمة ويكشف عن الطب الغشاوة عن تلك الزائدة التي أمر الله أن تظل في الإنسان بقية من حيوانيته…ويشاء الله أن ينكشف الغشاء وأنا في أوج الخير الذي يسكبه علي فأغضّ من كبر كاد أن يركبني وأذكر أنني ما زلت هذا الحيوان صاحب تلك الزائدة التي تألم لتذكر!
سبحانك رب…وهل يملك هذا المخلوق الحقير إلا أن يسبح باسمك ويسبح،ثم يريد الغنى أن يشكر فإذا أنت سبحانك تسكب عليه الخير مرة أخرى” .
يحيى حقي في مقالة له بعنوان”الموت(مجلة الثقافة المصرية العدد 333 بتاريخ 15 آيار عام 1945):
حين يتقدم الليل،تتصنعين الرقاد،هادئة كالعصفور،يأوى متعباً إلى عشه،يضم رأسه إلى جناحيه،ويغمض عينيه ،مستسلماً لمشيئة الرحمن،توهمين أهلك وأعزاءك أنك قد أغفيت ـ وإن كان رقادك على مضض ـ ليناموا هم بسلام.وأهبّ من سباتي مذعوراً،في بهمة الليل،والسكون شامل ،وكل ما في الغرفة أشباح غامضة،فأتبين جسدك الرشيق كالطيف الشفاف،وأجدك قائمة،قد انحنى رأسك يكاد يلمس الفراش،كأنك تسجدين لله،عسى أن يرحمك ويخفف عنك العذاب،وتمدين في حذر إلى كوب الماء يداً،يكاد خاتم العرس القريب يسقط من إصبعها النحيلة…فإذا ما تلاقت نظرتنا،تبسمت وعدت إلى رقادك،تظنين أنني لم أسمع أنّتك المكتومة.
كنت ـ لأنك في ميعة الصبا،ورفاهية من العيش تتوجعين من لسع بعوضة،فتحملت مبضع الجراح يمزّق لحمك بغير مخدر،وكنت تتأذين من أهون الدواء،فجرِّعت أشكالاً وألواناً من سموم تهدّ الجبال،وأنت صابرة.وكنت تجفلين من منظر”الحقنة” وتحسبين لها حساباً،فعشت شهوراً طويلة وهذه الإبرة الكريهة تلاحقك وتنغرز في جسمك.وأنت لم تقنطي من رحمة الله.وجاء اليوم الذي اضطرب فيه صدرك،واختنق حلقك،وتلجلج لسانك،فأخذت تسأليني بيدك عن الطبيب متى يأتي؟فلما همدت اليد أيضاً تشبثت بي عينك تقول:هذه نهاية حياتي!وكان آخر ما انبعث من حلقك بعد ذلك من أصوات هو أول كلامك وأنت في عالم الأرواح.
دبّ إليكِ الداء،لا كالحية الرقطاء تغرز أنيابها في حي لتسلها عن ميت،بل كأفعوان هائل قد انعقد في حلقات متشابكة بعضها فوق بعض،مسّك أول الأمر بذيله،فأشلتك اللمسة ونحن لاندري،فلما اطمأن لعجز فريسته أخذ يتلوى ويتماوج ليخلص رأسه متمهلاً يسيل لعابه.إذا رأى منك بادرة هروب لمسك من جديد بذيله لمسة رقيقة،ونحن لا ندري،واقتضته أيام وأسابيع وشهور طويلة لينفلت رأسه فيقيمه ويصوب إليك عينين كالجمرتين.ما كان أطول عذابك! أتلوميننا إذا صرخت أنانيتنا اليوم وقلنا:ليتها بقيت مريضة مقعدة وظلت بيننا أبدا”.
ويقول الأستاذ مصطفى كامل(الرسالة العدد25):
“أترى في الناسِ أحداً ينفر من إنسان كان مريضاً بداء خبيث ثم برىء منه؟وإن نفراً يقرّه الناس على هذا الخوف السخيف أم يستحمقونه؟ثم ما الفرق بين المرض الجسماني وبين السقطة الخلقية وكلاهما مرض قد يبرأ منه المريض؟
ثم ما ذنبه؟أيمكن أن إنساناً يطلب المرض بمحض اختياره أم ترى أن المريض ضحية بائسة لا تتمنى على الله شيئاً في الدنيا إلا البرء منه؟ولو أن إنساناً ترك لمناه وهواه لما طلب إلا أن يكون صحيح الجسم سليم النفس.
وإذن فما ذنب مريض قد مرض برغم أنفه،ثم بعد ذلك قد برىء،ومع ذلك فما معنى أن نجعل الماضي رجساً للحاضر ودنسأً للمستقبل،لقد مات هذا الماضي ولم تعد له من علامات الحياة وأسفاه إلا ذكريات من عمل الرؤوس وخيالات النفوس”.
عبد الله بن الُمقفّع دعاه عيسى بن علي على الغداء فقال له: أعزَّ الله الأمير لست اليوم للكرام أكيلا ،قال :ولم ؟ قال لأني مزكزم،والزكمة قبيحة الجوار،مانعة من عُشرة الأحرار( نقلاً عن ضحى الاسلام احمد امين ج1 ص198)
بشر بن الحارث الحافي: ” الجوع يُصفي الفؤاد ويمُيت الهوى ويورث العلم الدقيق”.
عبد الله بن المقفع ( من كتاب الأدب الصغير):” كلام اللبيب وإن كان نزراً أدب عظيم، ومُقارفه الإثم وإن كان مُحتقرا مصيبة جليلة”.
عبد الله بن المقفع( ومن نفس المرجع):”لايتم حُسن الكلام إلا بحسن العمل،كالمريض الذي قد علم دواء نفسه فاذا هو لم يتداوى به لم يُغنه علمه ولم يجد لدائه راحة ولا خفة”.
يقول الاستاذ عصام العطار :”يتوهم بعض الناس أن الواقع العربي والإسلامي الراهن يحتاج بعض الضمادات والعلاجات ليقف على قدميه ويستأنف المسير،ولكن مافائدة هذا الوقوف المترنّح والمسير المتعثّر البطئ الذي تلفظ معه أو بعده الأنفاس في عالم ينطلق إلى أبعد الكواكب ويتحرك بسرعه الضوء “.
ابن الجوزي (تلبيس إبليس ص324):”لإن في الدماغ ثلاث قوى،قوة يكون بهاالتخيل،وقوة يكون بها الفكرة،وقوة يكون بها الذكر،وموضع التخيُّل البطنان المقدمان من بطون الدماغ، وموضع التفكُّر البطن الأوسط من بطون الدماغ،وموضع الحفظ الموضع المؤخر،فاذا أطرق الانسان وغمض عينيه جال الفكر والتخيل”.
ابن قتيبة ( أدب الكاتب ص17):”ومن ذلك حُمّة العقرب والزنبور يذهب الناس إلى أنها شوكة العقرب وشوكة الزنبور التي يلسعان بها،وذلك غلط إنما الحُمّة سمها وضرهما ،وكذلك هي من الحية لأنها سم ومنه قول ابن سيرين يكره الترياق اذا كان فيه الحمة،يعني بذلك السم وأراد لحوم الحيات لأنها سم، ومنه قوله لا رقية إلا من نملة،او حُمّه، أو نفس، فالنملة قروح تخرج في الجنب، تقول المجوس أن ولد الرجل إذا كان من أخته ثم خطّ على النمله يشفى صاحبها قال الشاعر:
لنا العزة القعسّاء والبأس والنّدى بدينا بها في كل ناد وفي حفل
وإن تشرب الكلبى المراض دماءنا برَين ويبرئ ذو نجيس وذو خبل
ولا عيب فينا غير عرق لمعشر كرام وانا لا نخطّ على النمل
(العقساء: أي الثابتة، نجيس الداء: الذي لا يبرا)،يقول لنا الفضل على الناس بالغلبة والشدّة ونحن ملوك دماؤنا تشفي الكَلب والأمراض التي لا علاج لها،ويقول أيضاً أننا لسنا بمجوس ننكح الأخوات”.
ابن القيم:” أشكل على بعض الناس اجتماع الرضا مع التألم،وظن أنهما متباينان، وليس كما ظنه،فالمريض الشارب للدواء الكريه متألم به راض به،والصائم في شهر رمضان في شدّة الحر متألم بصومه راض به،فالتألم كما لا ينافي الصبر لا ينافي الرضا به”.
الأمالي أبو علي القالي (ج1 ص140):”قيل لرجل من حِمير : ماالداء العضال ؟ قال هوى مُحرض،وحسد مُمرض،وقلب طروب، ولسان كذوب، وسؤال كديد،ومنع جحيد، ورشد مطّرح وغنى ممتنح”.
قال القالي: الحرض:الساقط الذي لايقدر على النهوض،الكديد:الذي يكدّ، جحيد :يابس لا بلل فيه،قال أبو زيد رجل جحد وذو جحد إذا كان قليل الخير،الممتنح: المُستعار وأصله المنحه والمنيحه”.
ينسب للامام علي رضي الله عنه:” أعجب ما في الإنسان قلبه،وله مواد من الحكمة وأضداد من خلافها،فإن سنح له الرجاء أذلّه الطمع ،إن هاجه الطمع أهلكه الحرص،وإن ملكه اليأس قتله الأسف،وإن عرض له الغضب اشتدّ به الغيظ،وإن سعد بالرضا نسي التحفظ أي الحذر ،وإن أتاه الخوف شغله الحذر،وإن اتسع له الأمن استلبته الغّرة أي الغفله،وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع،وإن استفاد مالاً أطغاه الغنى،وإن عضّته فاقة بلغ به البلا،وإن جهد به الجوع قعد به الضعف،وإن أفرط في الشبع كظّته البِطنة،فكل تقصير به مضر وكل إفراط له قاتل”. (أمالي القالي ج2 ص 101).
سئل علي بن ابي طالب رضي الله عنه مسألة فدخل مبادرا ثم خرج في حذاء ورداء وهو مبتسم فقيل له يا أمير المؤمنين:إنك ّكنت إذا سئلت عن المسألة تكون فيها كالسكة المحُماة قال إني كنت حاقناً ولا رأي لحاقن“.
(والحاقن المجتمع بوله كثيرا) نقلاً عن أمالي القالي (ج2 ص92).
قال مرثد الخير ينصح قبيلتين أشرفتا على الحرب:”فتلافوا القرحة قبل تفاقم الثأي واستفحال الداء وإعواز الدواء،فإنه إذا سفكت الدماء استحكمت الشحناء،واذا استحكمت الشحناء تقضّبت عُرى الإبقاء وشمل البلاء “،فأجابه أحدهم وهو سبيع أيها الملك إن عداوة بني العَلاّت لا تُبرئها الأُساه ولا تشفيها الرماة ولا تستقل بها الكفاة” .
(تقضّبت اي تقطّعت)نقلاً عن الأمالي للقالي (ج2 ص114).
وصف أعرابي حال ما وصلوا إليه فقال:”عكفت عليَّ سنون مُحُش،فاجتبت الذرى،وأعجت البهم، وهمت الشحم، والتحبت اللحم، وأحجنت العظم”.
(أعجت :أي جعلتها عجايا ،والعجي السئ الغذاء المهزول،هُمت :أي أذابت،التحبت اللحم: أي عرّقته ،أحجنت العظم : أي عوجته فصيرته كالمحجن).
يروى أن دريد بن الصّمة خطب الخنساء من أبيها فقالت لأبيها انظرني حتى أشاور نفسي،ثم بعثت خلف دريد وليدة فقالت لها : انظري دريدا إذا بال فإن وجدت بوله قد خرق الأرض ففيه بقية،وإن وجدته قد ساح على وجهها فلا فضل فيه،فاتبعته وليدتها ثم عادت إليها فقالت :وجدت بوله قد ساح على وجه الأرض فأمسكت،وعاود دريد أباها ،فعاودها فقالت له: يا أبت أتراني تاركة بني عمي مثل عوالي الرماح وناكحة شيخ بني جشم هامة اليوم اوغد (أي شاخ ودنت منيته).
مجموعة السفير للمعارف( ج9 ـ10 ص664):”يُروى أن ابن السماك الزاهد المعروف دخل على الخليفة هارون الرشيد فبينما هو عنده إذ طلب ماء ،فلما أراد شربه قال له ابن السماك: مهلاً يا أمير المؤمنبن بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو مُنعت هذه الشربة بكم كنت تشتريها ؟ قال: بنصف ملكي،قال: اشرب،فلما شرب قال : أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لو منعت خروجها من بدنك بماذا كنت تشتريها ؟ قال :بجميع ملكي ،قال ابن السماك:إن ملكاً لا يُساوي شربة ماء وخروج بول لجدير أن لاينُافس فيه، فبكى الرشيد.
ابن قتيبة( عيون الأخبار كتاب الطبائع ص74):”وأوان الصّرع الأهلّه وانصاف الشهور وهذان الوقتان هما وقت مد البحر وزيادة الماء والدم، ولزياده القمر إلى أن يصير بدرا أثراً في زيادة الدم والدماغ وجميع الرطوبات”.
ينسب للإمام علي رضي الله عنه : “توقّوا البرد في أوله،وتلقّوه في أخره فإنه يفعل في الأبدان كفعله في الأشجار،أوله يحُرق وأخره يورق”.
عيون الأخبار ابن قتيبه( كتاب الحوائج ص132): ” أعرابي يصف مسألته:لقد جعت حتى أكلت النوى المُحرَق،ولقد مشيت حتى انتعلت الدم،وحتى سقط من رجلي بخص لحم،وحتى تمنيت أن وجهي حذاء لقدمي،فهل من أخ يرحمنا “.
( والبخص لحم القدم).
من رسائل بديع الزمان الهمذاني ( نقلا عن زهر الآداب ج3و4 ص825): “وهو في مكان من الصدر لاينفذه بصر،ولا يدركه نظر،ولكنها تعرف ضرورة وإن لم تظهر صورة،ويدركها الناس وإن لم تدركها الحواس، ويستملي المرء صحيفتها من صدره ويعلم حال غيره من نفسه ويعلم أنها حب وراء القلب،وقلب وراء الخلب وخلب وراء العظم وعظم وراء اللحم ولحم وراء الجلد وجلد وراء البُرد وبرد وراء البعد”.
( والخلب لحمة رقيقه تصل بين الأضلاع)
طه حسين (الموسوعة المجلد 12 ص114):
“ذلك أنا نخطئ الخطأ كله في تقدير آلامنا وفي تقدير لذّاتنا وفي تقدير حاجاتنا،يبلغ بنا الألم أقصاه أحياناً فيخُيل إلينا أنه قد بلغنا أقصاه حقا وأنا لن نستطيع أن نحتمل ألماً فوق ما احتملنا،ثم نتمنى الراحة ونطمح إلى اللذة،فنقيس الراحة التي نتمناها واللذة التي نطمح إليها بمقياس التعب الذي لقيناه والألم الذي احتملناه ونتمنى راحة مطلقه ولذّة لا حد لها، فاذا اُتيح لنا أن نستريح فما أسرع مانملُّ اللذّة وما أسرع ما نتمنى الألم”.
أحمد أمين( فيض الخاطر نقلاً عن الإتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث أنيس المقدسي ص 316):
“فحياه الكفاح العلمي التي يحياها العلماء ألذّ حياة عرفت بل لا أظن أن حياة العلماءتكون سعيدة لو أن كل شيئ انكشف لهم من غير بحث ومن غير عناء،فالقليل ينال بعد التعب خير من كثير ينال من غير نصب،وما ألذّ منظر العالم يحار ثم يحار ويدور حول الشيئ ويدور ويتجه يميناً فلا يفلح ثم يتجه يساراً فلا يفلح حتى يعمى عليه الأمر ثم يبدأ بالبحث مرة أخرى لا يكلّ ولا يملّ ، وأخيراً يدرك منه الشيئ القليل فيغتبط به الإغتباط العظيم ويرى الدنيا بحذافيرها ولذاتها وسعادتها لاتساوي شيئا بجانب ما ناله من المعرفة ولو بالشيئ القليل بعد الجهاد”.
أحمد أمين (فيض الخاطر ج1 ص107):
“وللقدر في ذلك بدع فأشهر طبيب في القلب يموت بالقلب،وأعظم جراح يموت بالتسمم،وتلد الفلاحة الفقيرة في الطريق وهي حاملة جرتها مملوءة ماء على رأسها وتحمل طفلها وتذهب إلى بيتها سالمة غانمة،وسيدتها الغنية يحلل دمها وغير دمها قبل الوضع ويعقم كل شيئ في حجرة ولادتها ويقف مشهورو الأطباء والطبيبات على بابها حتى اذا أذنت ساعة الولادة بالقدوم،واستخدم كل ما وصل إليه الطب الحديث والكيمياء الحديثة والعلم الحديث وأمعنت جمهرة الأطباء في التطهير والنظافه واستخدام وسائل الراحة والحصانة وغير ذلك مما لم أذكر منها إلا قليلا ثم هي بعد تصيبها حمُّى النفاس ويقف كل من الطب والعلم دهشا حائرا ،ثم تسلم الروح إلى ربها ، والقدر يهزأ بكل ذلك “.
أحمد أمين(الرسالة العدد8):
“أكلت أكلة ساء هضمها،فانقبضت نفسي،وغاضت بشاشتي،وتقطب ما بين عيني..وسئمت كل شىء حولي،وبرمت بمخالطة الناس كما برمت بالعزلة عنهم،وكرهت السكوت كما كرهت الكلام.
ونظرت إلى العالم فتجهمته،رأيته ثقيل الروح،فاسد المنطق،يمج السمع نغماته،ويعاف الطبع منظره،وتأخذ بخناقي ألاعيبه وأحداثه.
أي شىء فيه يسر؟إن هو إلا جيفة تنبحها الكلاب،وميتة يتساقط عليها الذباب،عدو كل ألفة،ومصدع كل شمل،يبلي الجديد ولا يجدّ البالي.ليست لذته إلا ألماً مفضضاً،ولا مسرته إلا حزناً مبهرجاً
ودعوت ربي بالسلامة جاهداً ليصحنّي فإذا السلامة داء
ما حال من آفته بقاؤه نغص عيشي كله فناؤه
أليسَ عجيباً ألا تكون لذة حتى يحدّها ألمان،ولا راحة حتى يكتنفها عناءان؟
سعيد وشقي،وفقير وغني،وذكي وغبي،ليست إلا ألفاظاً اصطلح عليها،فإن أنت تأملتها لم تجد كبير فرق بين مدلولاتها:
تاولت دواء هاضماً فأخذت أهش للحياة وأبش،وبدأت أنظر إلى العالم بوجه منطلق،ومحبباً منبسطـ ها هو ذا قد تألقت صفحته.وأسفرت غمّته،وانقشعت غمامته.
رحماك اللهم! إن كان درهم من دواء هاضم يغير وجه العالم ويحيل السواد بياضاً،والشقاء سعادة،والقبح جمالا،والظلام نورا،والحزن سروراً،فأين الحقّ!”.
أحمد أمين(الرسالة العدد50):
“خلق الإنسان ملولا،يمل النعيم إذا طال،ويمل الشقاء إذا طال،يمل الحر إذا دام،ويمل البرد إذا دام،يمل الأكل الشهي اللذيذ إذا استمر عليه،ويمل الأكل الخسيس إذا استمر عليه.
وقديماً ملّ بنو إسرائيل أكل المن والسلوى،وقالوا:{لن نّصبرَ على طعامٍ واحدٍ فادعُ لنا ربَّكَ يُخرج لنا ممّا تُنبتُ الأرضُ من بقلها وقثَّائها وفُومها وعَدسها وبَصلها}[البقرة61].]
من أجل هذا استعان الناس على درء هذا بالتنويع والتنقي ولو من حسن إلى ردىء،فاشتهوا أتفه الطعام بجانب أجوده،وروعي هذا في برامج الدراسة:فخط بعد لغة،ورسم بعد حساب،…دفعاً للملل من الدرس ومن المدرس،وروعي كذلك في برنامج الحياة:فلعب بعد عمل،ومزح بعد جد،وراعت الطبيعة هذا في برنامجها:فليلٌ ونهار،وحرُّ وبرد، وسلطان للقمر بعد سلطان للشمس وهكذا…ولولا ذلك لعرى الناس ملل لا يطاق،ولكانت الحياة عبئاً ثقيلاً لا يُحتمل،ولفرّ الناس منها إلى الموت طلباً للتغيير والتنويع.
أخطأ الناس فظنوا أن الراحة معناها الانغماس في الكسل،والإضراب عن العمل،والتمدد على سرير مريح،أو الاتكاء على كرسي مُجنح أو نحو ذلك،وليس هذا بصحيح دائماً،ولو كان كذلك لما ملّ الناس هذه الراحة،ولما فروا منها إلى العمل،واستروحوا بالجد والتعب،إنما الراحة التغيير من حال إلى حال،من عمل إلى لا عمل ،ومن لا عمل إلى عمل.
ما أصعب الحياة الرتيبة وأشقها على النفس!إنها تُميتُ القلب وتبعث على الخمود،ولا بد لعلاجها من التجديد،وليس التجديد إلا نوعاُ من التغيير.وأقدر الناس في هذه الحياة من استطاع أن يتغلب على السأم والملل بالتغيير المناسب في نفسه وفي غيره”.
أحمد أمين(مجلة الثقافة ـ العدد 272):
“أُصبتُ بالزكام في هذا الاسبوع،وفي ليلة من لياليه أرقت،فقد اعتدت أن آخذ نَفسي من أنفي وأُطبق فمي،ولكن أنفي وقد زكمت لا تساعدني،فلا بد من مساعدة فمي،فإذا أخذ النوم عيني عدت إلى عادتي،فانضمت شفتاي،وألزمتا أنفي أن يتنفس وحده وهو لا يستطيع،فأكاد أختنق فأنتبه،وهكذا وهكذا مرتان وثلاث،ثم يكون الأرق الشديد الذي أفضله على النوم المضني.
وأخيراً قبل الفجر أخذ مني التعب مبلغه من زكام وأرق وقراءة،فحلمت أنني في يوم دافىء والشمس ساطعة،فاستحثني هذا كله على السير في صحراء مصر الجديدة،فتوغلت فيها،وبينا أنا أسير رأيت على جانب الطريق شيئاً تنعكس عليه الشمس فيلمع،فاتجت وجهته فإذا به مصباح،فقلت في نفسي:ومن يدري،لعله مصباح علاء الدين ساقته إليَّ المقادير.
فقمت آسفاً،وأنفي يعطس،ورئتي تسعل،وجسمي مهدم،من سوء ما لاقيت من الأرق،والزكام،والأحلام،وقد نذرت إن عثرت بمصباح علاء الدين مرة أخرى لأطلبن ما يطلب الناس؟”.
أحمد أمين(مجلة الثقافة ـ العدد 282):
“أخي العزيز….
معذرة أن تأخرت في الكتابة إليك،فقد مرضت مرضاً خطيراً طال شهرين.
لقد أضعف المرض جسمي،ولكنه صهر نفسي،أتاح لي أن أستعرض حياتي الماضية،فرأيتني كنت أعنى فيها بالسطح دون العمق،تشغلني التوافه،وأطمح إلى أوهام،فأخذت ـ في مرضي ـ أتعرّف إلى الغرض من الحياة،وأشتاق إلى تفهم معناها،وأجتهد أن أجتلي حقيقتها المغطاة بالأشكال والأسماء،وأبحث عن نقطة الاتصال بين الله والإنسان،كأن نفسي كانت نبعاً مدفوناً فتفجّر،وكأن الله كان في السماء فصار في القلب..
لشدّ ما يكون الإنسان أقرب إلى ربه في مرضه وفي أحزانه،وفي شدائده،لأنه يطلب النجدة فلا يجدها في الأصدقاء والأقرباء،وإنما يطلبها من لا تنفذ قوته،ولا تقصر قدرته،ولأنه في مثل هذه المواقف تتكشف له النفس الإنسانية فيراها ضعيفة بذاتها،قوية بربها.
قلبّت ـ أثناء مرضي ـ في دفاتري القديمة،فوجدتني قد نما عقلي وفتر قلبي،ولو ددتُ لو كان العكس.وأقسم أني لم أحزن على شيب رأسي كما حزنت على دبيب الشيب إلى قلبي.
والقلب هو الحب،وهو الانسجام،وهو الجمال،والقلب هو الدين،وهو الأخوّة،وهو الإنسانية،وما الحياة بغير هذا كله؟
إن العالم لم يسعد بنمو العقل بقدر ما شقي بضعف القلب،إنه أهدى في الحياة من العقل،إنه منبع السرور والألم،إنه منار الحياة.
حُبب إليّ في مرضي التصوف،والتصوف الحق سرّ الدين،والفقه ظاهره،فقرأت فيه كتابين،كان خير ما فيهما الحديث عن القلب.وشغفت ـ في مرضي ـ بنوع من الصلاة لطيف،أن أمجّد الله في جمال الطبيعة،وأعبده بالنظر إلى سمائه وأرضه وفي جميع خلقه.
لقد تمنيت أن يصح جسمي وتبقى نفسي صافية صفاءها في مرضي،أحتقر توافه الدنيا ولا أعبأ بها.ولكن ها هو دمي يجري من جديد في جسمي فيحمل في ثناياه الشهوات التافهة والآمال السخيفة،فما أحرى بالإعجاب أولئك الذين استطاعوا أن يحتفظوا بطهارة دمائهم على غزارتها وحيويتها”.
أحمد أمين (مجلة الثقافة العدد 325):
“خذ مثلاً:أم مرض طفلها فارتفعت حرارته واستمرت مرتفعة،فسألت الجيران ماذا تفعل! فكل أشار عليها بعمل،فعملت بالإشارة الأولى فلم تنجح،فعملت بالإشارة الثانية ثم بالثالثة فمات الطفل.إن الطفل إنما مات من إهمال المنطق،فالمنطق الصحيح عرض الطفل على الطبيب ليعرف نوع المرض وما يناسبه من علاج”.
أحمد أمين(مجلة الثقافة ـ العدد 183):
“لم يرزق من الدنيا إلا ابناً واحداً وضع فيه كل أمله،ومنحه كل عنايته ورعايته،حتى شبّ كأحسن ما يكون الشباب صحة وثقافة وخلقاً.
أخذته الحمى فارتفعت حرارته،وذبل جسمه،واصفر وجهه،وغاب عقله،وبذل الأب كل ما يستطيع لنجاتهنهؤلاء أشهر الأطباء،وهذا أعز الدواء،وهؤلاء الممرضات ينفذن التعاليم في دقة وإحكام،وهذا كل ما يُستطاع ومالا يُستطاع لإنقاذه.
وينظر الأب إلى مزارعه الفسيحة ودنياه العريضة فيراها أضيق من سم الخياط.
يتمنى أن لو جُرد من كل ثروته،ومن كل صحته،ومن عينيه يبصر بهما،ليبرأ ابنه من المرض،وينجو من الموت.ويرجو أن يكون سائلاً يتكفف الناس،ومعدماً لا يجد قوت يومه،ومسكيناً لا لايملك من الدنيا إلا ثوبه المهلهل يستر جسمه،ثم يشفى ابنه.
كان يؤمن بالطب فدعا الأطباء،وكان يكفر بالرقي والتعاويذ ودعوة الصالحين فآمن بها وتشفع بأهلها،وكان لا يذكر الله في سرائه فذكره في ضرائه،وحشد لشفاء ابنه كل ما يستطيع من قوى مادية وقوى روحانية،ولكن غلب القدر فمات الولد.
لقد انقلب برنامج حياته رأساً على عقب،شكا الدنيا كما كان يشكو الناس،ولم يستطعم لذائذ الحياة كما كان يستطعمها من قبل.ما قيمة المزارع الواسعة والقصور المشيدة والمال الكثير إذا لم تكن نفس تتذوقها ورغبة تتشربها؟وما جمال الدنيا إذا لم تكن عين تبصرها؟
لقد وجد في الدين عزاءه الوحيد فتديّن،أدرك فشل المال والجاه في دفع المرض فآمن بسلطان القدر،ورأى عجز الطب والعلم والدواء فلجأ إلى من يعجز،وفهم أن الإلحاد يدعو إلى اليأس ويقرر فناء الميت،فكفر بذلك كله،ورأى الإيمان يقول بحياة بعد هذه الحياة وتلاق بعد الفراق وفناء الجسم وحياة الروح،فطبق ذلك على ابنه وعلى نفسه،فبعث فيه الأمل وأحيا فيه الرجاء،وقرأ أن العمل الصالح يقربه إلى بغيته،ويجعل الحياة الأخرى أسعد وأهنأ،فأكثر من الصلاة والزكاة،وشارك في أعمال البر،وكان يقرأ القرآن ويقف كثيراً عند آيات الجنة ونعيمها،فيتلهف شوقاً إلى أن يجمعه الله وابنه فيها.كان يناجي ربه:”أن قد مات قلبي بموت ابني فأحيه بك،وقد انطفأت شعلتي فأمدها بنورك،إني فقير إليك فألهمني الصبر،لقد كنت في حلم فتبدد،وفي سعادة فزالت،وكنت معتمداً على مالي وجاهي فإذا هما هباء،فلا ألجأ الآن إلا إليك،ولا اسألك الآن سعادة فقد مللتها،ولا شيئاً من متع الدنيا فقد زهدتها،وإنما أسألك أن ألمس قوتك لأستعين بها على حمل عبئي،وأن أمسّ رحمتك لألظف بها حرارة الحمى في كبدي،وأن أسبح في بحرك الواسع أطهر فيه نفسي من يأسي،وأن تنيلني قبساً من حكمتك أدرك به الدنيا على حقيقتها،فلا أجزع لمصائبها،ولا أخدع بزخارفها.
أي ربي اغفر لي جهلي بك،وغروري بمالي،واعتزازي بجاهي،فلا أعز إلا بك،ولا امل إلا فيك،ولا أعتمد إلا عليك.
أي ربي،اسكن قلبي فقد صار هواءً،وآنس وحشتي فقد فزعت من كل شىء حولي،وأطو الحياة طياً حتى ألقى وجهك ووجه ابني”.
بهجة المجالس (ج2 ص 544): قال الأوزاعي:قيل لعيسى عليه السلام:يارُوحَ الله أنت تُبرئ الأكمه والأبرص وتُحيي الموتى بإذن الله فما دواء الأحمق قال ذلك أعياني”.
بهجة المجالس (ج2 ص 561):كان الشعبي يوماً جالساً في مجلسه والناس يتناظرون في الفقه عنده ومعهم شيخ يطيل السكوت،فقيل له يوما لوسألت عن مسالة تنتفع بها؟ فقال : إني لأجد في قفاي حكة أفترى لي أن أحتجم ؟فقال الشعبي :الحمد لله الذي صرنا من الفقه إلى الحجامه!”.
وجاء في وفيات الأعلام لإبن خلكان :جرى بين الإمام الأعمش وبين زوجه كلام،وكان يأتيه رجل يقال له أبو ليلى،مكفوف،فصيح يتكلم بالإعراب،فقال:ياأبا ليلى ،امرأتي نشزت عليّ،وأنا أحب أن تدخل عليها فتخبرها مكاني من الناس وموضعي عندهم،فدخل عليها أبو ليلى وكانت من أجمل أهل الكوفة،فقال:ياهنتاه،إن الله قد أحسن قِسمك،هذا شيخنا وسيدنا وعنه نأخذ أصل ديننا وحلالنا وحرامنا،فلايضرنك عُموشة عينيه،ولاحموشة ساقيه _دقتهما _، فغضب الأعشى وقال يا أعمى، يا خبيث، أعمى الله قلبك كما أعمى عينيك قد أخبرتها بعيوبي كلها اخرج من بيتي” .
جاء في الكامل للمبرد( ج1 ص480):والصّدى :حُشوةُ الرأس، يقال لذلك: الهامة والصدى . وتأويل ذلك عند العرب في الجاهليه أن الرجل كان عندهم إذا قُتل فلم يُدْرَك بثأره يخرج من رأسه طائر كالبومة وهي الهامة والذكر الصّدى فيصيح على قبره اسقوني اسقوني،فإذا قُتل قاتله كفَّ ذلك الطائر ،قال ذو الإصبع العَدواني:
يا عمرو إلا تدعْ شتمي ومنقصتي أضربكَ حيث تقول الهامةُ اسقوني
معجم الأدباء ياقوت الحموي (ج4 ص480):قال الجاحظ :أجمع الناس على أربع: أنه ليس في الدنيا أثقل من أعمى،ولا أبغض من أعور، ولا أخفّ روحاً من أحول ،ولا أقود من أحدب”.
نفس المرجع ص476:قال الجاحظ: “ليس جهد البلاء مدّ الأعناق وانتظار وقع السيف،لأن الوقت قصير والحَين مغمور ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلة وتطول المدة وتعجز الحيلة،ثم لا تعدم صديقا مؤنباً وابن عم شامتاً وجارا حاسداً ووليًا قد تحول عدواً وزوجة مختلفة كثيرة الطلب وجارية مسبعة (أي كالسبع )خبثا وعدوانا وعبداً يحقرك وولداً ينتهرك”.
الحسن البصري قال :”مسكين ابن أدم محتوم الأجل،مكتوم الأمل،مستور العلل،يتكلم بلحم وينظر بشحم ،ويسمع بعظم، أسير جوعه وصريع شبعه،تؤذيه البقة وتنتنه العرقة وتقتله الشرقة،لا يملك لنفسه ضراً ولانفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً”.
أحمد حسن الزيات( من وحي الرسالة ج1 ص52):
“كنا يومئذ في مايو والطبيعة تعلن عن حبها بالألوان والألحان والعطر ،ونفسي تحاول أن تعلن عن هواها بالدموع والشعر،فآلامي تجيش في عيني،وعواطفي تتنزّى على لساني،وبلابلي تتوثّب في خاطري وكلها تطلب السبيل الى العلانية والشكوى في الحب كالطفح في الحمى كلاهما عرض ملازم “.
أُتي عبد الملك بن مروان برجل من الخوارج فارأد قتله فأُدخل على عبد الملك ابن له صغير وهو يبكي فقال الخارجي: دعه يا عبد الله فإن ذلك أرحب لشدقه،وأصّح لدماغه ،وأذهب لصوته وأحرى ألا تأبى عليه عينه إذا حفزته طاعه الله فاستدعى عبرتها، فاُعجب عبد الملك بقوله وقال له متعجبا: أما يشغلك ما أنت فيه عن هذا؟ فقال: ما ينبغي أن يشغل المؤمن عن قول الحق شيئ، فأمر عبد الملك بحبسه وصفح عن قتله “.
الشيخ علي الطنطاوي من كتاب صور وخواطر :
“وهذا “بسمارك “رجل الدم والحديد ،وعبقري الحرب والسلم،لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة،وكان لا يفتأ يوقد الدخينة من الدخينة نهاره كله،فاذا افتقدها خلَّ فكره،وساء تدبيره . وكان يوماً في حرب فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة،لم يصل إلى غيرها فأخرَّها إلى اللحظة التي يشتدَّ عليه فيها الضيق ويعظم الهمّ ،وبقي أسبوعاً كاملاً من غير دخان،صابراً عنه أملاً بهذه الدخينة،فلما رأى ذلك ترك التدخين ،وانصرف عنه لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة بلفافة تبغ واحدة”.
الشيخ علي الطنطاوي(مقال:في أثناء المرض ـ الرسالة العدد703):
“أصبحت من أيام فوجدت رأسي من ثقل كأنه حجر رحى رُكب بين كتفي،وكأنه من الصداع يدقّ من داخله بالداقّ،وكأن جفني قد شدَّ إلى الأرض فما أفتحهما حتى يعودا فينطبقا،ووجدتُ في حلقي إذا أبتلع ريقي مثل حزَّة الشفرة،وفي كل مفصل من مفاصلي ألماً،وفي أعصابي من الخَدَر مثل مشي النمال،ووقفت فاصطكت ركبتاي،ودير بي،فعدت إلى الفراش…
ولم يصدق أهل الدار أني مريض،لأنهم لم يروا عليَّ لمرض أثراً،ولإن المريض عندهم إنما هو الشاحب المهزول البادي العظام،وأكدت لهم القول فلبثوا مكذبين.يعتقدون أني أتدلل عليهم وأني أتكاسل وأوثر الراحة والاستمتاع برعاية المرض،على إرهاق النفس بمعالجة نسوان المحكمة،وصبيان المدرسة…ويئست من إقناعهم بمرضي فأعرضت عنهم وتشاغلت بالتفكير.
فكرت في هؤلاء الناس إذا كانوا لايميزون المريض من الصحيح،والمرض شىء ظاهرة آثاره ،بادية إمارتهن ،كيف يميزون الطيب من الخبيث،والصالح من الطالح؟وكيف يقيسون أقدار الناس،وكيف تكون عندهم موازين الرجال؟أولا يخطئون في أحكامهم على الناس خطأ أهلي في الحكم على مرضي،إذ يقيسون المريض بالشحوب والهزال،ورُبّ شاحب هزيل ما فيه إلا جلد على عظم وهو الصحيح المعافى الأيد القوي،ورُبّ سمين يكاد ينفزر من كثرة الشحم واللحم،وهو مَحمل أمراض وهو الضعف مجسّماً والعجز؟
الشيخ علي الطنطاوي(من حديث النفس ـ مقال :بعد المرض):
“يقولون أن الإنسان يأكل ليعيش،ولكني أعيش في هذه الأيام لآكل..آكل بشراهة ونهم،حتى أحس الامتلاء ولا يبقى في المعدة مكان لذرّة..فأدع الطعام آسفاً،وأنظر إلى الأطباق وما فيها نظرة المودِّع الحزين،ثم أقوم إلى كتابي فأفتحه،أو إلى شباكي أطلُّ منه،أتلهى بهذا أو بذاك حتى أحسّ أو أتوهم أني أحسّ جوعاً،فأدعو بالطعام،أو تمضي ثلاث ساعات،فآكل ولو لم أكن جائعاً…ألم يقل لي الطبيب كلْ كلَّ ثلاث ساعات؟!
ذلك لأني لبثت عشرين يوماً أشتهي قطعة الخبز،فأطلبها وألحّ في طلبها،فتمتنع عني،وأحرمها فأراها في منامي،وأحلم بها في يقظتي تجسمها لي أمانيَّ وأفكاري ،فأتخيل أني قد نلتها،فإذا أنا لم أنل إلا هذا اللبن(الحليب)الذي برمت به واجتويته،والذي يفضل المريض رؤية عزرائيل على رؤيته يطالعه في الصباح وفي المساء،والذي كرهت لأجله كل أبيض،حتى بياض الفجر وبياض النحر..والذي أصبح قذىً في عيني لا أطيق رؤيته،وسمّاً في فيَّ لا أقدر على تذوقه..زثم فرجَّ الله عني بعد الضيق وأنالني ما أشتهي من الأطعمة وأريد،فكيف لا أهجم عليها بشراهة ونهم،وكيف تبلغ بي الحماقة أن أقوم عن المائدة وفي الأطباق بقية؟
ويتابع رحمه الله:”تألمت في هذا المرض لكني تعلمت.تعلمت في الحياة درساً جديداً،وما الحياة إلا دروس…هو أن المرض نعمة ليس بنقمة،وأنه لازم للإنسان لا يدرك قيمة الصحة ولا يعرف معنى الحياة ولا يرجع إلى نفسه إلا إذا مرض،هنالك يدرك معاني هذه الأشياء التي يمرُّ بها وهو صحيح مراً سريعاً لأنه مشغول عنها بما لا نهاية له من الصغائر والترهات،وأن للمريض ـ قبل لذة الصحة ـ لذتين،لذة هذا العطف الذي يحاط به والحب الذي يغمره،ولذة أخرى،وهي اللذة الكبرى التي يجدها ساعة يلجأ إلى الله،ويدعوه مخلصاً مضطراً.
ويتابع:”وتعلمت من المرض أن المساواة التامة هي سنة الله في الحياة.انظروا المرض هل يعرف غنياً أو فقيراً؟هل يمتنع منه الملك الجبار رب القصر والحراس؟وهل تمنع أبوابه وجنده هذا المخلوق التافه الصغير من الدخول؟سد الأبواب،وأغلق النوافذ،وأقم الجند بالسلاح،وعش في صندوق مغلق،إنه يدخل مع الهواء الذي تنشقه،والماء الذي تشربهنوالطعام الذي تأكله،ويحتل جسمك،ويعيش في عينك وفمك،ويسبح في دمك”.
علي الطنطاوي(كلمات صغيرة ـ أدوية البلدية):
“حدثني من أثق به أن مريضاً باليرقان اجتمع عليه الأطباء وحشدوا له أنواع العلاج،فلم تصنع معه شيئاً لأن للمرض مدة لا بد أن يستوفيها،فجاء يعوده رجل مجرِّب فقال له:هل تحب أن تقوم غداً وليس بك شىء؟قال: نعم.قال:اصنع ما أقول لك،أرسل من يشتري لك”قثّاء الحمار”من أحد العطارين،ودقّها دقاً،وصَفِّها بقطعة من شاش دقيق النسج،ثم انشَقْ منها نشقات في اليوم.
قال: فصنع ذلك فسال من أنفه ماء أصفر كثير،وما جاء الصباح حتى شُفي بإذن الله.
وسمعت أن مريضاً بالتهاب البروستات أعيا الأطباء،عالجوه بالقشر الأخضر الذي يكون على عود الفول،فشُفي.وما زلنا نسمع أن ماء الأنكنار المغلي خير علاج لأمراض الكبد،وأن غلي قطعة من لب غصن الموز وشرب كأس منه يشفي السعال،وأن بذر الخلة ينفع للرمل…ومئات من هذه الوصفات يؤكد الناس فائدتها،حتى إنك لا تجد حشيشة في البرية مهملة،تنبت وحدها وتجفّ وحدها، إلا وجدت من يحدّثك عن فوائدها.فلماذا لا يعمد أحد الأطباء الكيمائيين إلى الفحص عنها وتحليلها ومعرفة ما فيها من العناصر،ويعلّم الناس طريق استعمالها ويحدّد لهم مقدارها،فيخلصهم من المرض ومن دفع الأموال إلى الأجانب ثمناً لدواء ربما كان يغني عنه حشيش من الجبل،ويمنحهم بذلك شفاء الأجسام وشفاء الجيوب؟
إنه لا يجوز ترك العامة يستعملون هذه الحشائش على هواهم،لأن اختلاف المقدار الذي يُشرب منها ومدة وضعها على النار يقلب خيرها إلى شر ونفعها إلى ضر،ولو ثبت أن فيها مادة مفيدة.وهذا الشاي يختلف أثره فينا باختلاف صنعه،فإذا وضعته في الماء وغليته على النار حتى يصير أسود وشربت منه الكؤوس الكثيرة، لا يكون كالشاي الذي تضع منه ورقات في المصفاة وترفعها من الإبريق بعد دقائق وتشربه..هذا ينبّه وينشط والأول سم زعاف،والشاي هو الشاي.
بل إن العلاج النافع إذا أخذت منه أكثر من الحاجة انقلب ضاراً،فلا يغترّ أحدٌ بهذه الوصفات التي يسمعها من الناس أو يقرؤها في “تذكرة داود”فيأخذها بلا معرفة ولا فهم،وليقم أحد الأطباء الكيمائيين بهذا العمل الجليل”.
علي الطنطاوي(كلمات صغيرة ـ ما أضعف الإنسان):
“أخي الأستاذ وديع،
أرجو أن تعتذر عني للقراء لأني لا أستطيع أن أكتب اليوم الكلمة ولم أستطع الذهاب إلى عملي،لقد شُغلت عن ذلك بنفسي بشىءٍ يُشغل عن الكتابة والعمل والطعام والشراب،بنَوبة رمل أعاذك الله منها ولا عرّفك بها.
بيدٍ من الحديد أحس أنها تقبض على جنبي،وبمثل طعنات الخنجر الحامي تتوالى عليّ على عدد الثواني،وبنَفسي يضيق حتى لكأني أختنق،وببطني ينتفخ حتى لكأنه ينفجر،فأنا أتلوّى وأتقلّب لا أقدر أن أستقر دقيقة ولا أكفّ عن الصراخ لحظة.
وليس يستطيع الطب أن يسعفني إلا بحقن”السيدول” التي لا تذهب بالمرض فتشفي من الوجع،بل تقتل الحس وتميت الشعور فتُنسي الألم.والسبب كله..أو تعرف يا سيدي ما السبب؟
إنها حبة رمل لا تكاد تدركها العين.هذه هي التي فعل بي الأفاعيل.
فيا لغرور الإنسان! اخترق الجبال،وخاض البحار،وركب السحاب،وأنطق الحديد،وسخر النور والكهرباء،وحاول أن يخترق بعقله حجب المستقبل،وظن أنه شارك الله في ملكه،فأدّبه الله بحبة رمل لا تكاد تدركها العين،تصرعه وترميه وتسلبه قدرة عقله وبطش يده،وتجعله يصرخ كالقط الذي قُطع ذنبه.
وبكأس ماء إن حُرمها شراها بنصف ملكه إن كان ملكاً،وإن مُنع خروجها من جسمه شرى إخراجها بالنصف الثاني.
ألا ما أضعف الإنسان!
الشيخ علي الطنطاوي(مقال من ذكريات الحج):
“ألا ترون العروق الشعرية كيف تحمل الدم من أطراف الجسم ثم تصبه في الأوردة الكبار،حتى يدور دورته في القلب مجتمعاً،وفي الرئة منتشراً،فيصفو بعد العكر،وينقى من الوضر،ويعود في الشرايين دماً أحمر جديداً،بعد أن كان في الأوردة دماً أسود فاسداً؟كذلك الحج.
يأتي المسلمون من آفاق الأرض الأربعة،أفراداً ثم ينتظمون جماعات،ثم يدورون حول الكعبة قلب الأرض المسلمة،ثم ينتشرون في عرفات رئة الجسم الإسلامي فتصفي نفوسهم من أكدار الشهوات،وتنقى أوضار الذنوب،ويعودون إلى بلادهم أطهاراً،قد استبدلوا بتلك النفوس نفوساً جديدة كأنها ما عرفت الإثم،ولا قاربت المعاصي”.
الشيخ العلامة علي الطنطاوي(مقدمة كتاب”قبسات من الطب النبوي للدكتور حسان شمسي باشا”:
“ليست هذه مقدمة للكتاب ولكنها كلمة شكر لله أقدمها بين يدي الكتاب.أشكر الله الذي كان من نعمه على عباده أنه لم يجعل في هذه الدنيا أمراً هو خيرٌ محض،ولا أمراً هو شرٌّ محض.وأنه جعل في كل سيئة تسؤونا حسنة مطوية فيها لو نحن بحثنا ودققنا لوجدناها.وذلك كله من الله،يختبرنا بالمسرات كما يختبرنا بالآلام:{فأمّا الإنسانُ إذا ما ابتلاهُ ربُّهُ فأكرَمهُ ونَعَّمهُ فيقولُ ربّي أكرمنِ* وأمّا إذا ما ابتلاهُ فَقَدرَ عليهِ رزقَهُ فيقولُ ربّي أهاننِ}[الفجر15 ـ 16].
فمن ذكر هذا وكان مؤمناً كان شكره النعم خيراً له،وكان صبره على النقم خيراً له،وكان أجراً يدّخر له إلى اليوم الذي يحتاج فيه إليه،يوم لاينفع مال ولا بنون،إلا من أتى الله بقلب سليم.
ومن نعم الله عليَّ أنا أن خلقني متين البنيان،سليم الأعضاء،صحيح الجسد،أورثني ذلك من جدي الذي كان بفضل الله معدوداً في الأقوياء،عاش أكثر مما عشت أنا إلى اليوم وماكاد يحتاج يوماً إلى طبيب.
ومن أمي ـ التي عاشت رحمها الله ورحم أهلي جميعاً لم تمرض يوماً.ما أورثني ضعف جسد أبي،وعلله وأنه كان مصاباً بالربو حتى مات رحمه الله في السادسة والأربعين،وكان مع ذلك من علماء دمشق المعدودين.
شكوت طول عمري من شىء واحد عرّفني بالأطباء،وأسكنني حيناً المستشفيات،في دمشق وفي بيروت مراراً،وفي قصر العيني في مصر،وفي مستشفى جامعة بون في ألمانيا،وفي مستشفى في القدس،وآخر في كلكته في الهند.وأضجعني بين أيدي أهل السكاكين من علماء الجراحين،يشقون جلدي،ويقطّعون في أحشائي،حتى وفق الله بعض الأساتذة الكبار من أطباء المسالك البولية فبتروا ما لا أمل في صلاحه،وكل عضو في الجسم أو في الشعب لايؤمل له صلاح فدواؤه أو دواء الجسم منه البتر.ومن هؤلاء الأطباء الدكتور منير شورى الأستاذ في كلية الطب في دمشق،وزميله الأستاذ الطبيب مظهر المهايني،وانتهيت هنا إلى الطبيب العبقري الدكتور عبد الرؤوف الجاروشي.
ماكنت أشكو شيئاً غير هذا،وكنت إلى ماقبل عشر سنوات أشتغل بالرياضة،رياضة السير الطويل أربعين كيلاً(كيلومترا)في اليوم،والحركات السويدية والدانمركية والأثقال والملاكمة وكدت أتتقنها،والمصارعة الرومانية،وكنت أمارس ذلك كله إلى ماقبل عشر سنين أي إلى مابعد بلوغي السبعين(وأنا الآن على أبواب الخامسة والثمانين)ولو استمررت عليه لبقيت قادراً على ممارسته بإذن الله،ولكني انقطعت.وكنت من أيام شبابي أذهب كل سنة إلى طبيب لايعرفني اسأله أن يكشف عليَّ كشفاً كاملاً،على السرير وبالأشعة،وبأنواع التحاليل فإذا انتهى قال لي متعجباً:مابك شىء فلمَ جئت إليّ؟ فأقول: جئت لأسمع منك هذه الكلمة.
كان(ولله الحمد وأسأله الزيادة)كل عضو فيَّ سليماً إلا ماكان عرض للجهاز البولي،لاسيّما القلب،فالقلب للمؤمن،والقلب للشاعر،إن سقم لم يبق له شىء.
القلب الذي فيه الإيمان،وفيه الحب والحنان ليس هذا القلب الذي هو مضخة للدم لانكاد نعرف له في الظاهر عملاً غيره.
هذا القلب الذي ظل يخفق بين جوانحي وكان بحمد الله قوياً جلداً،يحمل عبء السنين التي طالت،لايشكو ولايتذمر،ولا تتعثر خطاه،يبدو أنه أدركه لما أدركتني الشيخوخة من الكلال والوهن ما أدرك جسدي كله فعلاً صوته بالشكوى.
صارت تمر بي لحظات أشعر فيها بما يشعر به الغريق الذي يطلب نفحة هواء فلا يجدها،أحس ضيقاً في نَفَسي ومابي زكام،ولا انسداد في أنفي،ولكنه شىء من الداخل علمت بعد ـ لما أعلمني الأطباء ـ أنه شريان يضيق فلا يوصل إلى القلب مايحتاجه من دم.
وجدت ذلك أول مرة من نحو سنة،فأخذني حفيدي الطبيب مأمون ديرانية إلى مستشفاه مستشفى الملك فهد المدني في جدة،فوجدت طبيباً مصرياً إستشارياً في أمراض القلب هو الدكتور محمد أنور. فأسعفني الله به،وبالدواء الذي سيّرني عليه كما يسيّر من كان شيخاً مثلي على عكازه فإن فقدها تعثر وعجز.
وعاودتني من قريب نوبة أشد من الاولى،فأخذني صهري وولدي زوج ابنتي الأستاذ محمد نادر حتاحت إلى مستشفى الملك فهد ولكن العسكري هذه المرة.
دخلت إليه،فعرفت فيه طبيباً سوري الأصل،وإن أمضى في بريطانيا شطراً من عمره كبيراً..أخذ الكثير من علوم القوم،وماترك لهم والحمد لله قليلاً ولا كثيراً من دينه،ولا من سلائق أمته،ولا من أخلاق أسرته،فإن كنا نرى المرض شراً فإن الخير فيه هو معرفتي بهذين الطبيبين،أذكرهما وأشكرهما،ومن لم يشكر المحسن من الناس لم يشكر الله.
أوس بن حارثة ينصح ابنه عند موته( نقلا عن الأمالي للقالي ص102):
“يا مالك! المنيّة ولا الدنيّة،والعتاب قبل العقاب ،والتجلّد لا التبلد،واعلم أن القبر خير من الفقر ،وشر شارب المشتف (أي الذي يشرب الشفافة وهي البقية تبقى في الإناء)،وأقبح طاعم المعتف(أي الأخذ بعجلة)،وذهاب البصر خير من كثير من النظر،ومن كرم الكريم الدفاع عن الحريم،ومن قلّ ذلّ ومن أمر(أي كثر عدوه) فلّ، وخير الغنى القناعه،وشر الفقر الضراعة، والدهر يومان فيوم لك ويوم عليك،فاذا كان لك فلا تبطر،وإذا كان عليك فاصبر فكلاهما سينحسر “.
(وقيل أن أوس بن حارثة تنسب له الأوس).
عبد الله بن المقفع (الأدب الكبير ص66): “وأصل الأمر في صلاح الجسد ألا تحمل عليه من المآكل والمشارب والباه إلا خفافا،ثم إن قدرت على أن تعلم جميع منافع الجسد ومضاره والانتفاع بذلك كله فهو أفضل “.
قال الأصمعي: “ثلاثة ربما صرعت أهل البيت عن آخرهم : الجراد،ولحوم الإبل،والفطر وهو الفقع ،ويقول أهل الطب إن أردأَ الفطر ماينبت في ظلال الشجر ولا سيما ظلال الزيتون فإنه قتال”.
جاء في الكشكول للعاملي (ج3 ص96): “إذا أُشرِبَ القلب حُبّ الدنيا لم تنجع فيه كثرة المواعظ ،كما أن الجسد إذا استحكم فيه الداء لم ينجع فيه كثرة الدواء” .
ابن القيم:حدود الأخلاق (من كتاب الفوائد):
للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدواناً،ومتى قصرت عنه كان نقصاً ومهانة.
ـ فللغضب :حد هو الشجاعة المحمودة والأنفة من الرذائل والنقائص،وهذا كماله.فإذا جاوز حدّه تعدى صاحبه وجار،وإذا نقص عنه جبن ولم يأنف من الرذائل.
ـ والحرص:له حد هو الكفاية في أكور الدنيا وحصول البلاغ منها،فمتى نقص عن ذلك كان مهانة وإضاعة،ومتى زاد عليه كان شرهاً ورغبة فيما لاتحمد الرغبة فيه.
ـوللحسد:حد وهو المنافسة في طلب الكمال والأنفة أن يتقدم عليه نظيره.فمتى تعدى ذلك صار بغياً وظلماً يتمنى معه زوال النعمة عن المحسود ويحرص على إيذائه،ومتى نقص عن ذلك كان دناءة وضعف همة وصغر نفس.
ـ وللشهوة:حد وهو راحة القلب والعقل من كدّ الطاعة واكتساب الفضائل والاستعانة بقضائها على ذلك،فمتى زادت على ذلك صارت نهماً وشبعاً والتحق صاحبها بدرجة الحيوانات،ومتى نقصت عنه ولم يكن فراغاً في طلب الكمال والفضل كانت ضعفاً وعجزاً ومهانة.
ـ وللراحة:حد وهو إجمام النفس والقوى المدركة والفعالة للاستعداد للطاعة واكتساب الفضائل في توفرها على ذلك بحيث لا يضعفها الكد والتعب ويضعف أثرها،فمتى زاد على ذلك صار توانياً وكسلاً،وإضاعة وفات به أكثر مصالح العبد،ومتى نقص عنه صار مضراً بالقوى موهناً لها وربما انقطع به كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
ـ والجود:له حد بين طرفين فمتى جاوز حدّه صار إسرافاً وتبذيراً،ومتى نقص عنه كان بخلاً وتقتيراً.
ـ وللشجاعة:حد إذا جاوزته صار تهوراً،ومتى نقصت عنه صار جبناً وخواراً.
ـ والغيرة:لها حد إذا جاوزته صارت تهمة وظناً سيئاً بالبرىء،وإذا قصرت عنه كانت تغافلاً ومبادىء دياثة.
ـ وللتواضع: حد إذا جاوزه كان ذلاً ومهانة،ومن قصر عنه انحرف إلى الكبر والفخر.
ـ وللعز: حد إذا جاوزه كان كبراً وخلقاً مذموماً،وإن قصر عنه انحرف إلى الذل والمهانة.
ابن القيم في زاد المعاد(ج3 ص74):
“ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطبّ النبّوة فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول،واعتقاد الشفاء به،وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان،فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور من أدوائها،بل لا يزيد المنافقين إلا رجساً ومرضاً إلى مرضهم ،وأين يقع طب الأبدان منه؟ فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة،كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية،فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الإستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع،وليس ذلك لقصور في الدواء،ولكن لخبث الطبيعة،وفساد المحل وعدم قبوله” .
ابن القيم(الفوائد ص79):
“جعل الله بحكمته كل جزء من أجزاء ابن آدم،ظاهرة أو باطنة،آلة لشىء إذا استعمل فيه فهو كماله.فالعين آلة النظر.والأذن آلة للسماع.والأنف آلة للشم.واللسان للنطق.والفرج للنكاح.واليد للبطش.والرجل للمشي.والقلب للتوحيد والمعرفة.والروح للمحبة.والعقل آلة للتفكر والتدبر لعواقب الأمور الدينية والدنيوية وإيثار ما ينبغي إيثاره وإهمال ما ينبغي إهماله”.
ابن القيم(الفوائد ص90):
“فيا من ضيّع القوة ولم يحفظها،وخلط في مرضه وما احتمى،ولا صبر على مرارة الاستفراغ لا تنكر قرب الهلاك فالداء مترام إلى الفساد.لو ساعد القدر فأعنت الطبيب على نفسك بالحمية من شهوة خسيسة ظفرت بأنواع اللذات وأصناف المشتهيات.ولكن بخار الشهوة غطى على البصيرة،فظننت أن الحزم بيع الوعد بالنقد.يا لها من بصيرة عمياء،جزعت من صبر ساعة،واحتملت ذل الأبد.سافرت في طلب الدنيا وهي عنها زائلة،وقعدت عن السفر إلى الآخرة وهي إليها راحلة”.
عيون الاخبار ابن قتيبة كتاب الطعام: “قال الاحنف بن قيس: جنّبوا مجلسنا ذكر النساء والطعام فإني أبغض الرجل أن يكون وصّافاً لبطنه وفرجه،وإن من المروءة أن يترك الرجل الطعام وهو يشتهيه”.
وقال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : “من كان همه ما يدخل جوفه كانت قيمته ما يخرج منه”.
وقال الحسن البصري: ” تعلموا العلم للأديان،والنحو للسان،والطب للأبدان” .
سأل رجل الشعبي: هل يجوز للمحرم أن يحك بدنه ،قال :نعم،فقال الرجل مقدار كم؟!قال: حتى يبدو العظم!!”.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا عزّى امرءاً قال له: “ليس مع العزاء مصيبة،ولا مع الجزع فائدة،والموت أشدّ مما قبله وأهون مما بعده،فاذكر من عظم مصابه على مصابك تهن عليك مصيبتك” .
عيون الأخبار ابن قتيبه (كتاب العلم والبيان ص220): “من أبعد من البرء من مريض لا يؤتى في دائه إلا من جهة دوائه ولا في علتة الا من قبل حميته” .
ابن القيم : “أنزل الله على المسلمين يوم أحد النعاس أمنةً منهُ،والنعاس في الحرب وعند الخوف دليل من الأمن وهو من الله،وفي الصلاة ومجالس الذكر والعلم من الشيطان” .
علي الطنطاوي( من كتاب مع الناس ص 164): “وليس يظهر هذا التبدل من أول يوم بل يحتاج إلى الزمن الطويل إنه مرض في النفس ،شأنه شأن الأمراض كلها لابد لها من زمان تفرخ فيه جراثيمها وتنمو وتسيطر فترى الرجل تحسبه صحيحا وهو سقيم”.
البيان والتبيين للجاحظ: “قالوا عشر خصال في عشرة أصناف من الناس أقبح منها في غيرهم:الضيق في الملوك،والغدر في الأشراف،والكذب في القضاة،والخديعة في العلماء،والغضب في الأبرار،والحرص في الأغنياء،والسفه عند الشيوخ،والمرض في الأطباء،والزهو في الفقراء والفخر في القراء” .
احمد حسن الزيات( وحي الرساله ج1 ص 228) يتكلم عن إحدى القرى في مصر وما يصيب سكانها من إمراض:
“اصطلحت على دمائهم الفقيرة جراثيم الملاريا والبلهارزيا والانكلستوما فغدوا كواسف الوجوه،خواسف الجسوم،خوائر القوى،يعالجون المرض بالصبر،ويخنقون الألم بالتسليم، ويدافعون الموت بالتعاويذ،ويسيئون الظن بالمستشفيات التي لا تقبلهم إلابالشفاعه ولا تعاملهم إلابالفظاظه،ولا تحسن علاجهم إلا بالمال في العيادات الخاصة” .
الزمخشري (أطواق الذهب ص61 المقاله 53 الصبر على الامراض والبلايا):
“وثقتك بقول الطبيب مرض أشد من مرضك وأبعد لك في الإنتهاء إلى غرضك،فإن مرضت فابدأ بصبرك وثن بالشكر على حُلّوك ومُرّك،فان استعزَّ بك الوصب أي اشتدّ بك المرض واستفّزك النصب أي غلب على عقلك التعب،فارفع يديك إلى من يداويك ولا يداويك إلا من يدويك أي يمرضك وإنما يشفيك التحني له والخشوع ،ليس يوحنا وبختيشوع،مالطبيب إلا تابع تجربته وبائع مافي أجربته وربما أدبرت بك تدابيره أي أخرت مرضك وعقرتك عقاقيره فدع الأطباء غير الالباء فأكثرهم اما عبد الطبيعة واما عابد الصليب في البيعة” .
ابن القيم:
“اللذة المحرمة ممزوجة بالقبح حال تناولها،مثمرة للألم بعد انقضائها،فإذا اشتدت الداعيه منك إليك ففكر في انقطاعها، وبقاء قبحها وألمها،ثم وازن بين الأمرين،وانظر مابينهما من التفاوت” .
ثمار القلوب (الثعالبي ص55) أبو الخطاب الصابي كتب إلى عز الدولة أبو منصور بختيار على سبيل المطايبه وأمره أن يتخّير من أطايب ما يقرب اليه،ولا يتعذّر هضمه،ولا يبطئ استمراؤه،وأن يعتمد صدور الدجاج وخواصر الحملان،ويتجنّب شحوم الكلي فانها تمنع من الإمعان ،وان يحاكي حوت يونس في جودة الالتقام، وثعبان موسى في سرعة الإلتهام،ويبادر الطرف باستراطها لبلع ،ويسبق النفس بازدراده”.
البصائر والذخائر التوحيدي (ج1 ص 188) اعتلَّ ذو الرياستين الفضل بن سهل بخراسان مدة طويله ثم أبلّ واستقلّ فجلس للناس ودخلوا عليه يهنئونه بالعافية،فأنصت لهم حتى تقضّى كلامهم ثم اندفع فقال : إن في العلل لنعما لا ينبغي للعقلاء ان يجهلوها،منها تمحيص الذنب،والتعرض لثواب الصبر،والإيقاظ من الغفلة،والإذكار بالنعمة في حال الصحة،واستدعاء التوبة والحض على الصدقة،وفي قضاء الله وقدره بعد الخيار” .
الأدبُ العربي المعاصر في سوريا سامي الكيالي( ص 34) يصف خليل مردم بك أدب ما بعد الحرب العالمية الأولى:
” أدبنا اليوم أشبه بمريض ألحّت عليه العلل والأمراض حتى أمضّته،أما علاجه فهو لايعدو أحد قسمين لا يجوز التفريق بينهما وان اختلفا،تعهد جسمه الناحل الضاوي بالتقوية والثاني نفي الأوضار التي علقت ببدنه وكان منها بؤرة جراثيم خارت لها عزائمه فعلى من يتصدى لمعالجته أن يكون بانيا وهادما وطبيبا وجزارا، ونعني هدم ما تداعى من الفاسد وبناء المصالح مع حياطة المتين منه”.
البصائر والذخائر( ج2 ص899):أشد من كرب الشوق،وأفظع من حُرق الفراق،ماتضّمنه صدر من لاتساعده دموعه،ولا يطاوعه لسانه، فترى الزفرات تترّدد في أحشائه،والغموم تتلظّى تحت جوانحه،ولو انطلقت عبرته وأسمح لسانه لطفئ بعض ما يعانيه” .
البصائر والذخائر( ج2 ص 97) يقول العتبي:”إ ذا تناهى العمر انقطع الدمع،وما الدليل على ذلك أنك لا ترى مضروبا بالسياط،ولا مقدما لضرب العنق يبكي” .
سئل ابن عباس عن الغضب والحزن أيهما أشدّ ؟فقال :مخرجهما واحد واللفظ مختلف، فمن نازع من يقوى عليه أظهره ويسمى غضبا،ومن نازع من يعجز عن كتمه ويسمى حزنا”. ( نقلا عن الكشكول للعاملي ج3 ص366).
البصائر والذخائر( ج2 ص99) قيل لفيلسوف :الحزن أشد أم الخوف؟ فقال :بل الحزن وإنما صار الخوف مكروها لما فيه من الحزن،وكما أن السرور غاية كل محبوب،فكذلك الحزن غاية كل مكروه”.
البصائر والذخائر (ج1 ص48)كان أحد الوعاظ يقول: يا أوعية الأسقام وأغراض المنايا الى متى هذا التهافت في النار؟!”.
ثمار القلوب للثعالبي (ص691) :”معترك المنايا هو مابين الستين الى السبعين من أعمار الناس لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال أكثر أعمار أمتي مابين الستين الى السبعين ولما أنافت سنو عبد الملك بن مروان على الستين وسئل عن مبلغ عمره قال في معترك المنايا” .
عمر الفاروق رضي الله عنه : “الراحة للرجال غفلة وللنساء غلمة”(المستطرف للاْبشيهي).
قيل لأيوب عليه السلام : أي شيئ كان عليك في بلائك أشد؟ قال: شماتة الأعداء” .
خليل مردم بك في احدى رسائله: “لكننا لم نيأس بعد من الشفاء،والعثور على الدواء وان أزمن الداء فرحمة الله أوسع،وهو بنا أشفق وأرأف” .
زهر الآداب للقيرواني (ج3و4 ص928): “هو شورى بين أمراض أربعة :صداع لا يخف،وحُمَّى لاتغبّ،وزكام لا يجف، وسعال لايكف”.
(والإغباب في الحمى :أن تزور يوماً وتترك الزيارة يوما)
البيان والتبيين للجاحظ:” قال أزدشير: احذروا صولة الكريم اذا جاع ، واللئيم إذا شبع”
البيان والتبين للجاحظ: “قال أبو ذر الغفاري: “تخضمون ونقضم والموعد لله”.
( الخضم :الأكل بجميع الفم)
البيان والتبيين للجاحظ: “جاء في زبور داوود من بلغ السبعين اشتكى من غير علة” .
عمرو بن العاص: ” إذا حككت قرحة أدميتها “.
عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: إذا أصبحت فلا تنتظر المساء،وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح ،وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك” .
العقد الفريد (ج7 ص 193) “سهل بن هارون: ” وقد أحيا الله بالسُّم،وأمات بالدواء،وأغصّ بالماء”.
أحدهم :”الغني يشكو التخمة،والفقير يشكو المخمصة،وفي علة هذا برء ذاك”.
عبد الله بن المقفع (في الأدب الكبير) : “أربعه أشياء لايستقل منها :قليل النار،والمرض ،والعدو والدَّين “.
وقال أيضا( ومن نفس المرجع ص 56) : “من أُبتلي بمرض في جسده لايفارقه،أوبفراق الأحبّة والإخوان،أو بالغربة حيث لايعرف مبيتا،ولامقيلا،ولايرجو إياباً،أوبفاقة تضطره إلى المسألة، فالحياة له موت،والموت له راحة” .
ابن المقفع : ” من لم يقبل من نصائحه ما ينقل عليه مما ينصحون له لم يحمد رايه،كالمريض الذي يدع ما يبعث له الطبيب ويعمد إلى مايشتهيه” .
مصطفى السباعي( في هكذا علّمتني الحياة) : “نعم بلسم الجراح الإيمان بالقضاء والقدر”.
وقال أيضا: ” المرض مدرسة تربوية لو أحسن المريض الإستفادة منها لكان نعمة لا نقمة”.
العقد الفريد: “من كتم السلطان نصيحته،والأطباء مرضه،والإخوان بثّه، فقد أخلَّ بنفسه” .
العقد الفريد( ج7 ص263): قال عمر الفاروق رضي الله عنه: “لاتزالون أصّحاء مانزعتم ونزوتم”.
( يريد مانزعتم عن القسي ونزوتم على ظهور الخيل وإنما أراد الحركة).
مصطفى السباعي( في هكذا علمتني الحياة): “اثنان لا تخالف رأيهما أبداً: الطبيب الحاذق حين يعالجك،والحكيم المجرّب حين ينصحك”.
وقال ايضاً: العيون الجائعة أشدّ ضراوة من البطون الجائعة،هذه إذا شبعت اكتفت،وتلك كُلّما أكلت جاعت”.
وقال أيضاً: العاقل يغذي صحته بماله،والأحمق يغذي ماله بصحته”.
وقال أيضاً: أربعة أشياء تكشف أخلاق الرجال :”السفر، والسجن، والمرض، والمخاصمة”.
علي ابن أبي طالب رضي الله عنه:”وأبردها على كبدي،قالوا:ياأمير المؤمنين وما ذاك ؟قال: أن يسأل الرجل عما لا يعلم فيقول الله أعلم”.
مصطفى السباعي: ” تفكير الصحيح أصّح من تفكير المريض إلا أن يكون للمريض اُنسٌ بربه”.
وقال أيضاً: ” إذا ضقت ذرعاً بمرضك فاذكر أن هنالك مرضى يتمنون ما أنت فيه لعظم ما أصابهم من الأمراض،وبذلك تهدأ نفسك،وترضى عن ربك”.
العقد الفريد( ج1 ص64):عمر الفاروق رضي الله عنه: ” فإياك يا عبد الله أن تكون كالبهيمة همُّها في السمن،والسمن حتفها”.
نهج البلاغة: ” قال علي بن ابي طالب رضي الله عنه: “ما المبُتلى الذي قد اشتدَّ به البلاء بأحوجَّ إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء”.
عمر الفاروق رضي الله عنه: ” من كثر ضحكه قلّت هيبته،ومن مزح أُستخفّ به،ومن أكثر من شيئ عُرِفَ به، ومن كثر كلامه كثر سقطه،ومن كثر سقطه قلّ حياؤه،ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه”.
مصطفى السباعي:” من لم يمتنع بإختياره عمّا يضره من لذّة فسيضطر إلى مايكرهه من دواء”.
العقد الفريد (ج3 ص85):قال ابن شبرمه: ” إذاكان البدن سقيماً لم ينجع فيه الطعام ولا الشراب،وإذا كان القلب مغرما لم تنجع فيه الموعظة”.
وقال أحدهم : “رُبَّ محسود على رخاء هو شقاؤه،ومرحوم من سقم هوشفاؤه ،ومغبوط بنعمة هي بلاؤه”.
العقد الفريد (ج3 ص169):معاوية بن أبي سفيان في النساء:”ما مرّضَ المرضى ولا ندبَ الموتى مثلهن”.
عبد الله بن المقفع :” ولم نر شيئاً قطّ إلا قد اُتي من قبل الصغير المتهاون به،قد رأينا الملك يؤتى من العدو المحتقر به،ورأينا الصحة تؤتى من الداء الذي لايُحفل به،ورأينا الأنهار تنبثق من الجدول الذي يستخف به”.
البصائر والذخائر (ج2 ص 125):قال بعض السلف:” كلوا اللحم فإنه يزيد السمع والبصر وما تركه امرؤ أربعين صباحا إلا ساء خلقه”.
البصائر والذخائر (ج2 ص143): “قهر البطن أعظم الحلم،فكن له رباً مالكاً وإلا صار عليك والياً قاسطاً”.
عبد الله بن مسعود : “الدنيا كلها هموم وغموم فإن اتفق فيها سرور فهو ربح”.
المستطرف للأبشيهي (ص 156):قال الخليفة المأمون للحسن بن سهل:نظرت في اللذّات فوجدتها كلها مملولة سوى سبعة،قال وما السبعة يا أمير المؤمنين ؟فقال:”خبز الحنطة،ولحم الضان والماءالبارد،والثوب اللين،والفراش الوطئ،والرائحة الطيّبة،والنظر إلى الحسن من كل شيئ.
قال :فأين أنت يا أمير المؤمنين من محادثة الرجال؟ قال :صدقت وهي اُولاهن “.
البصائر والذخائر (ج2 ص195):قال مكحول في مرضه الذي قضى فيه: ” اللحاق بمن يُرجى عفوه خير من البقاء مع من لا يؤمن شره”.
البصائر والذخائر( ج2 ص201):قال شعيب بن الحبحاب: ” الحزن ينضو كما ينضو الخضاب ولو بقي الحزن على أحد لقتله”.
قالوا: ” ثلاثة لا عار فيهن: المرض، والفقر، والموت،وثلاثة ليس فيهن حيلة:فقر يخالطه كسل،وعداوة يداخلها حسد، ومرض يمازجها هرم”.
وقالوا: ” ستة لا تفارقهم الكآبه: ” الحقود، والحسود ،وفقير قريب العهد بالغنى،وغني يخشى الفقر،وطالب رتبة يقصر عنها قدره”.
سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب:”أترك الطعام حتى أشتهيه،فإذا اشتهيته أكلته
وقال: إياكم وإدامة اللحم، فإن له ضراوة كضراوة الشراب”.
عبد الله بن عباس:” يا صاحب الذنب لا تأمن عاقبة ذنبك،واعلم أن مايتبع الذنب أعظم من الذنب نفسه”.
عيسى عليه السلام: “كما ينظر المريض إلى طيبّ الطعام فلا يلتذّ به من شدة الوجع، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذّ بالعبادة ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حبّ الدنيا “.
وقال أيضاً: “إن الدابة إذا لم ترُكب وتُمتهن تصعبّت وتغيّر خلقها ،كذلك القلوب إذالم ترقق بذكر الموت ويجهدها داب العبادة تقسو وتغلظ”.
عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود أحد فقهاء المدينه السبعة: “أرايتم المصدور إذا لم ينفث أليس يموت “.
عمر الفاروق رضي الله عنه: ” تمعددوا واخشوشنوا واقطعوا الركب وانزوا على الخيل نزوا”.
( تمعددوا: أي تقشفوا).
وقال أيضا: ” لا تخورقوة ما كان صاحبها ينزو وينزع” .
( اي ما دام ينزع في القوس وينزو في السرج لا يسنعين بركابه)
وقال أيضاً: ” الراحة عقلة وإياكم والسمنة فإنها عقله”. ا
الحسن البصري: “يا ابن أدم طاء الارض بقدمك فإنها عما قليل قبرك،واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك مذ سقطت من بطن أمك”.
ذو النون المصري :”سقم الجسد في الإوجاع، وسقم القلوب في الذنوب،فكما لا يجد الجسد لذةالطعام عند سقمه ،كذلك لا يجد القلب حلاوة العبادة مع الذنوب”.
الخليفة المأمون: “الإخوان ثلاث طبقات :طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه،وطبقة كالدواء يُحتاج إليه أحيانا،وطبقة كالداء لا يحُتاج إليه أبدا”.
مصطفى السباعي:”إ نما تُحمد اللذة إذا أعقبت طيب النفس،فإن أعقبت خبثا كانت سما”.
وقال أيضا: ” اللذة والألم ينبعثان من تصور النفس لحقيقتهما فكم من لذة يراها غيرك ألماً،وكم من ألم يراه غيرك لذة”.
قال الأستاذ محمد لطفي الصباغ:”إن المريض عندما يحس بمرضه،ويعاني من أثر الألم،يذهب إلى الطبيب ويتناول الدواء لينعم بالشفاء،ومن هنا كان الألم والإحساس به أمراً له إيجابيته،إن العضو المصاب بالشلل لا يحس بالوخز ولا بالحرق.فالخطوة الأولى للوصول إلى الشفاء والتخلص من المرض هي الإعتراف بالمرض… أما إذا كان المريض يَدّعي أنه صحيح ولا يصنع شيئاً،فإنه يترك للمرض أن يأتي على جسمه ويقضي عليه وهذا كله في مرض الأجسام … ومرض القلوب مثل ذلك وأشدّ…”
احمد حسن الزيات (وحي الرسالة ج2 ص254):
“أقعدني “الروماتزم” شهراً بالسرير لا أتورك ولا أتحرك. وكانت دنياي في هذه الفترة الفاترة قد انحصرت في غرفة المرض كما تنحصر دنيا الطائر السباح في القفص،أوحياة المُخاطر الطماح في السجن : فالنشاط الحيوي الجياش بالعمل والأمل ينقلب في المريض والسجين نوعاً من الهدوء الفلسفي الصوفي يردُّ كل ثورة إلى السكون،ويروض كل رغبة على الرضا،ويزيل عن البصر والقلب غشوات الباطل،فيرى المرء كل شئ على طبيعته ، ويدرك كل معنى على حقيقته.
ويتابع:”وجدتني بعد هذا الجهاد المجهد على سريري كما يكون الميت في نعشه ! غير أن الميت فقد الحس والوعي فلا يتألم ولا يتكلم،أما أنا فكنت قوي الشعور بالألم شديد الرغبة في الكلام،أبصر في كل صباح حواجب الشمس تنفذ إليّ من خلال الزجاج رخية لينة،فتغمرني بالدفء وتشيع فيّ سر الحياة،وتسكت عني صوت المرض،ثم تتركني لتعطي الدنيا الكبيرة ما أعطته دنياي الصغيرة،وأظل أنا محدود الآمال،مردود المطامع،لا يصلني بحياة الناس غير صنف مقابل تتمثل عليه طول النهار صباحة الشباب في أفواف الربيع . والشباب الجميل لا يعنيه إلا أن يعجب ويجذب ويلذ.
ويتابع:”تلك هي حياتنا الدنيا ! أراها من وراء المرض على لونها الأصيل ووضعها الحق : ظاهرة متغيرة من ظواهر الطبيعة المتجددة مثلها في الإنسان كمثلها في الحيوان،تعيش بالغذاء إلى أمد مأمود،وتبقى بحفظ النوع إلى أبد محدود.
ويتابع:”في المرض يزداد يقين المرء بأن الدنيا زائلة ! فهو يأسى على ماجنى،ويندم على ما جمع ولكنه حين يَصّح تمتد آماله وتتشعب مطامعه ويعود عبداً للطبيعة يعمل لأنها تريد،وينفذ لأنها تحكم! فليت شعري إذا عقل كل الناس فعمل كل امرئ ما يلزم،وقنع بما يقوت،وكّف عما لا يحل،فبماذا يشتغل قضاة المحاكم وقواد الجيوش وصناع الأسلحة ورؤساء الأحزاب؟
زهر الاداب (ج3و4 ص932): “العاقل يترك ما يحب ليستغنى عن العلاج بما يكره”.
علي بن ابي طالب رضي الله عنه: ” امش بدائك مامشى بك”.
( أي لا يقعدك الداء عن العمل وقيل إنها لشريح القاضي)
المنفلوطي: “الألم هو الينبوع الذي تتفّجر منه جميع عواطف الخير والإحسان في الارض،وهو الصلة الكبرى بين أفراد المجتمع الانساني،والجامعة الوحيدة التي تجمع طبقاته وأجناسه،بل هو معنى الانسانية وروحها وجوهرها،فمن حرمه حرم كل فضيلة من فضائل النفس،وأصبح بالصخرة الصلدةأشبه منه باإنسان الناطق” .
ويقول الدكتور أحمد حسن الزيات (وحي الرسالة ج2 ص108):
“ولعل المرض كان العرض الملازم الذي يميز الشقاء المصري من كل شقاء في العالم.وإن أثره في تاريخنا الاجتماعي كان كأثر الزلازل والبراكين والحروب في تاريخ البلاد الأخر. فقد كانت الأوبئة تفد إلى مصر عاماً بعد عام فتجتاح نصف السكان وتصيب النصف الأخر بعاهات تدعه كالشجر اليابس لا للظل ولا للثمر.والعلّة الأصلية في ذلك أن أبانا النيل منذ شقّه الله يجري فيكون الخصب والغضارة والحياة ثم يركد فيكون الجدب والذبول والموت.وفيضانه ونقصانه يتعاقبان تعاقب الجديدين. فإذا فاض أنعش الذاوي وجدّد البالي وأحيا الموات. وإذا نقص تخلّفت بقاياه في أجواف المصارف وأطراف الترع ومناقع الأرض فتكون مزارع خصبة لجراثيم التيفود وبعوض الملاريا وقواقع البلهرسيا وديدان الأنكلستوما،وبنو النيل الدائبون البررة لا ترتفع أيديهم من مائه،في حالي نقصه ووفائه،فخيرهم منه لا يزال مشوباً بالشر،ووجودهم لاينفك مهدداً بالعدم.فإذا أضفت إلى ذلك أن الجهل يستوجب فساد العيش وترك الوقاية،وأن الفقر يستلزم سوء الغذاء ونقص العلاج,فقد اجتمعت لك أسباب المرض التي جعلت الكثرة الكاثرة منا مذبذبين بين الدور والقبور لاهم في الأحياء ولاهم في الموتى”.
زهر الآداب( ج3و4 ص934):”خير من الحياة ما لاتطيب الحياة إلا به،وشرّ من الموت مايتُمنى الموت له”.
وفي نفس المرجع ص932: “قال جالينوس: “مجالسة الثقيل حمى الروح”.
قال بختيشوع: “أكل القليل مما يضّر أصلح من أكل الكثير مما ينفع ”
قال أحدهم :”ثلاثه يجب مداراتهم: السلطان، والمريض، والمرأه ،وثلاثة يُعذرون على سوء الخلق :المريض والمسافر والصائم”.
قال أعرابي:”الهرم يعدم الأطيبين، ويحُدث الأخبثين،والأطيبان هما:النوم والنكاح،والأخبثان :السهر والبخر، وفي رواية:السهو والنجو”.
وقالوا : “أقلل طعامك تحمد منامك “.
البصائر والذخائر (ج3 ص 32): قال معاوية بن ابي سفيان: ” ألذّ الأشياء صحة استولت على بدن،وقدرة اشتملت على أمل،وسلطان ملكه حزم “.
البصائر والذخائر( ج3و4 ص57):قالوا ثلاثة تُضني: سراج لا يضيئ، ورسول بطيئ، ومائدة يُنتظر عليها من يجيئ”.
الكشكول للعاملي( ج2 ص227):كما أن الذباب يتبع موضع الجروح فينكأها،ويجتنب المواضع الصحيحة،وكذلك شرار الناس يتبعّون معائب الناس فيذكرونها، ويدفنون المحاسن”.
الإمام علي رضي الله عنه :”ما من غريم أحسن تقاضياً من جوع مهما دفعت إليه قبل”.
البصائر والذخائر (ج2 ص164):قال الأصمعي سمعت أعرابياً يقول لرجل: جنّبك الله الآمرّين،وكفاك شرّ الأجوفين،وأذاقك البردين” (الأمرّان :الفقر والعري،الأجوفان: البطن والفرج، والبردان :برد الغنى وبرد العافية).
أحمد امين( المقتبس من فيض الخاطر ص 105):
“كل شيئ في الحياة يجاهد،الجسم يجاهد الميكروبات حوله وفيه،والصحة لا تعتمد الوقاية وحدها،وإنما خيرمن الوقاية الحيوية بالرياضة، والعمل والحركة والنشاط وما إلى ذلك”.
وقال أيضا (في المقتبس من فيض الخاطر ص 86):
“وصحة الأمم كصحة الأفراد، فالمرض ينتاب من الأجسام أنعمها وأكثرها إخلاداً للراحة،والصحة لا تنُال إالا بالاعمال الرياضية الشاقة، وبذل الجهد المضني،ولا لذة للراحة الا بعد التعب،ولا لذة للماء إلا بعد العطش، ولا للأكل إلا بعد الجوع”.
عبد الله بن المقفع (من كتاب كليله ودمنة):”إ ن الرجل الذي في باطن قدمه قرحة إن هو حرص على المشي فلا بد أن تنكأ قرحته،والرجل الأرمد العين إذا استقبل بها الريح تعرض لأن تزداد رمدا،وكذلك الواتر إذا دنا من الموتور فقد عرّض نفسه للهلاك.
(والموتور من قتل له قتيلا فلم يدرك بدمه)
المستطرف للأبشيهي:قال الحجاج بن يوسف الثقفي لطبيبه أخبرنا بجوامع الطب؟ فقال:لا تنكح إلا فتاة،ولا تأكل من اللحم إلا فتيا،واذا تغديت فنم، واذا تعشيت فامش ولو على الشوك،ولا تدخل بطنك طعاما حتى تستمري ما فيه،ولا تأو إلى فراشك حتى تدخل الخلاء، وكل الفاكهه في إقبالها وذرها في إدبارها”.
الحكيم أبو الحسن البسطامي: ” اجتنب ثلاثة وعليك بأربعة ولا حاجة لك إلى الطبيب،اجتنب الغبار والنتن والدخان،وعليك بالحلو والدسم والحمّام والطيب مع الإقتصاد”.
وقال أيضا: راحة الجسم في قلة الطعام،وراحة الروح في قلة الكلام ،وراحة العقل في قلة الإهتمام”.
بهجه المجالس( ج2 ص87):لقمان لإبنه:يابني إياك وكثرة النوم والكسل والضجر،فإنك إذا كسلت لم تؤد حقا،وإذا ضجرت لم تصبر على حق”.
كتب عمر الفاروق رضي الله عنه إلى بعض عماله:بلغني أنك لا تقيل وإن الشياطين لا تقيل”.
ثابت بن قرة الحرّاني: ” ليس شيئ أضرّ بالشيخ من أن يكون له طباخ حاذق،وامرأة حسناء،لأنه يستكثر من الطعام فيسقم،ومن النكاح فيهرم”.
قالت الحكماء: “إياك وشرب الدواء ما حملتك الصحة”.
الأمالي للقالي( ص 130):أعرابي يذم رجلا فقال:” تسهر والله زوجته جوعاً إذا سهر شبعا ( يعني من شدة الكظة والامتلاء) ثم لا يخاف مع ذلك عاجل عار ولا أجل نار كالبهيمة أكلت ما جمعت ونكحت ما وجدت”.
عبد الله الأنطاكي: ” خمسة هنّ دواء القلب:مجالسة الصالحين،وقراءة القرآن،وخلاء البطن،وقيام الليل،والتضرع عند الصباح”.
جاء في الزبور أوحى الله تعالى إلى داوود عليه السلام إن العاقل الحكيم لا يخلو من اربع ساعات،ساعة يناجي فيها ربه، وساعة فيها يُحاسب نفسه، وساعة يمشي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه، وساعة فيها يخلي بين نفسه وبين لذاتها الحلال”.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه إذا عزّى رجلا قال له:ليس مع العزاء مصيبة،ولا مع الجزع فائدة، الموت أشد مما قبله وأهون مما بعده،اذكروا فقد رسول الله صلى الله عليه وسلم تهن عندكم مصيبتكم صلى الله على محمد وعظم الله أجركم”.
المستطرف للأبشيهي ص33:”لا يغرنّك صحة نفسك،وسلامة أمسك،فمدة العمر قليلة وصحة النفس مستحيلة”.
مصطفى السباعي: ” ستة لا تتحّسر على ما فاتك منها: جاه أعقبه مذلة، ومعصية أعقبها ندم، وأخ لم يعرف حق إخائك،ونعمةجلبت لك الغصص والمشكلات،وصحة لم تؤد فيها واجبا،وزوجة جعلت حياتك جحيما”.
وقال أيضا: ” ما أجمل المرض من غير ألم،إنه راحة للمرهقين والمتعبين”.
وقال أيضا: ” إلهي نسألك سلامة القلب وإن مرض الجسم،وصحة الروح وإن اعتلّت الجوارح، ونشاط النفس وإن عجزت الأعضاء”.
جبران خليل جبران: ” أشد الناس كآبه من لا يعرف سبب كآبته”.
وقال ايضا: “زرعت أوجاعي في حقل من التجلّد فنبتت افراحا”.
قالوا :أ ربعة أنصاف فيها هلاك العباد:أنصاف الأطباء لأنهم يتلفون البدن،وأنصاف الفقهاء لأنهم يزيفون الأديان،وأنصاف المسلمين لأنهم يستلون الإيمان، أنصاف الحكام لأنهم يفرطون بالبلدان”.
قالوا :”النهمون يحفرون قبورهم بأسنانهم”.
وقال الشيخ علي الطنطاوي ( مع الناس ـ الوعد الشرقي ـ ):
“والطبيب يعلن أن العيادة في الساعة الثامنة ولا يخرج من داره إلى العاشرة،وتجيئه في الموعد فتجده قد وعد خمسة من المرضى مثل موعدك،واختلى بضيف يحدثه حديث السياسة والجو والكلام الفارغ،وتركهم على مثل الجمر أو على رؤوس الإبر،ينتظرون فرج الله،حتى يملوا فيلعنوا الساعة التي وقفوا بها على باب الطبيب ويذهبون يفضلون آلام المرض على آلام الانتظار،ويؤثرون الموت العاجل المفاجئ على هذا الموت البطئ المضني
الأمالي للقالي( ج2 ص160):يقولون نعوذ بالله من الأيمه،والعيمه،والغيمه، والكزم، والقرم (الأيمه: أي الخلو من النساء،والعيمه :شهوة اللبن ،والغيمه :العطش،والكزم: البخل أو الأكل الشديد،والقرم: شهوة اللحم).
عمرو بن العاص: ” الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع ،وإن أكثرت منه قتل”.
الأحنف بن قيس :”الداء الذي أعيا الأطباء اللسان البذئ والعقل الردئ”.
عمر الفاروق رضي الله عنه :”علموا أولادكم السباحة والرمي وركوب الخيل،ومروهم فليثبوا على الخيل وثبا،ورووهم ما يجمل من الشعر”.
وقال الفاروق رضي الله عنه : “إنَّ الغلام ليحتلم لأربعَ عشرة وينتهي طوله لإحدى وعشرين وعقله لسبعٍ وعشرين، وأما تجاربه فإنها لا تنتهي”. (نقلاً عن جمهرة الأمثال للعسكري ج1 ص278).
ومن دعائه رضي الله عنه:”اللهم كبرت سني،وضعفت قوتي،وانتشرت رعيتي،فاقبضني إليك غير مضيّع ،ولا مفرّط”.
أبو بكر الوراق: ” إذا غلب الهوى أظلم القلب،وإذا أظلم القلب ضاق الصدر، وإذا ضاق الصدر ساء الخلق، وإذا ساء خلق المرء أبغضه الخلق وابغضهم”.
البصائر والذخائر (ج1 ص59):”بنات الدهر: المكاره؛بنات الصدر:الفِكَرْ؛بنات الليل: النجوم، بنات طَبق: الدواهي “.
ابن الجوزي :”إن اللذائذ المحرمة تذهب ويبقى عقابها،وألآم الطاعة تذهب ويبقى ثوابها”.
عمرو ابن العاص: ” استراح من لا عقل له”.
العقد الفريد (ج7 ص223):”قالوا أصحاب المعادن والحفائر إذا هجموا على نفق من بطن الارض أو مغارة قدّموا شمعة في طرف قناة فإن عاشت النار وثبتت دخلوا في طلبها وإلا أمسكوا”
بهجه المجالس ( ج2 ص452):قال عبد الله بن المقفع: ” ثلاثة لا آراء لهم: صاحب الخف الضيق، وحاقن البول،وصاحب المراة السليطة”
بهجه المجالس( ج2 ص 457):من طلب الرخصة من الإخوان عند المشورة،ومن الفقهاء عند الشبهة،ومن الأطباء عند المرض، أخطا الرأي وحمل الوزر وازداد مرضا “.
مصطفى السباعي : “اذا أمرضك فأقبلت عليه فقد منحك الصحة، وإذا عافاك فأعرضت عنه فقد أمرضك”.
وقال أيضاً:”رأيت الناس بين مريضٍ في جسمه،سليم في قلبه،وبين صحيح في جسمه مريض في قلبه،وقل أن رأيت صحيح الجسم والقلب معاً”.
وقال أبو يوسف صاحب أبي حنيفة :”رؤوس النعم ثلاثة :أولها نعمة الإسلام التي لا تتم النعمة إلا بها،ونعمة العافية التي لا تطيب الحياة إلا بها،ونعمة الغنى التي لايتم العيش إلا بها (نقلاً عن ضحى الإسلام أحمد أمين ج2 ص199).
البصائر والذخائر (ج3 ص128 ):”ثلاثة تورث الهزال :شرب الماء البارد على الريق،والنوم على غير وطاء،وكثرة الكلام برفع الصوت”.
البصائر والذخائر (ج3 ص133):شكا المأمون إلى طبيبه علةً فقال : اجتنب اثنتين :الرُّطب والماء البارد،فقال لولاهما لما احتجنا إليك “.
مر المهلب بن أبي صفرة على مالك بن دينار (أحد سادة التابعين) متبختراً،فقال له مالك: أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين ؟ فقال المهلب :أما تعرفني ؟ قال : بلى،أوّلك نطفة مذرة،وأخرك جيفة قذرة، وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة ؛فاتكسر وقال : الأن عرفتني حق المعرفة”.
وقال مالك بن دينار :”اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لبطن ولا فرج”.
قيل للحسن البصري :ألا ترى كثرة الوباء؟ فقال :أنفق ممسك،واقلع مذنب ،واتعظ جاحد”.
وقالوا :”إذا كان سقم النفس بالجهل كان الموت شفاؤها”.
وقالوا : “من تداوى بدائه،لم يصل إلى شفائه”.
وقالوا: “بعد الشفاء يصبح كل مريض طبيبا”.
وقالوا :”إذا فزع الفؤاد ذهب الرقاد”.
وقالوا: ” لا يعدل المال عندي صحة الجسد”.
مصطفى السباعي: ” مهما اشتدّت آلامك لفوات ما تحب من صحة،أومال،أو خير،فإنمابقي لك من نعم الله عليك رأس مال كبير لمسرات لا تنتهي”.
وقال ايضاً: ” أشدّ الآلام على النفس آلام لايكتشفها الطبيب، ولايستطيع أن يتحدث عنها المريض”.
وقال أيضاً: ” خفقة قلب من أب أو أم على ولدهما الصغير المحموم،وقطرة دمعمن عيونهما على ولدهما الوجع المكروب ربما كانت أكبر عند الله وأثقل في الميزان من عبادة سنوات وسنوات”.
جمهرة الأمثال للعسكري (ج2 ض424):ثلاثة أقبح من ثلاثة: البخل من ذوي الأموال، والفحش من ذوي الإحسان ،والعلة في الأطباء”.
وجاء في جمهرة الامثال للعسكري( ج1 ص164):وكل أمر تُفكِرُ فيه ليلاً حتى أُبرم فقد بُيتّ وإنما خُصَّ الليل لأن البال بالليل أخلى،والفكرُ أَجمع ونحوه قوله تعالى :{إنَّ ناشئةَ الليلِ هيَ أشدُّ وطأةً وأقوَمُ قيلا} [المزمل 6]
جاء في الأمالي للقالي (ص128):” الذَّفَر: يكون في النتن،ومنه قيل للدنيا أُمُ َّ ذَفْر”.
جلال الدين الرومي : “كيف يضحك المرج إن لم يبك السحاب،وهل ينال الطفل اللبن بغير بكاء”.
قالوا: ” من جرّعك دواء لتبرأ أشفق عليك ممن أطعمك الحلو لتسقم”.
يقولون:” هان على الصحيح أن يقول للمريض لا بأس عليك،وهذا دليل قلة اهتمام الرجل بصاحبه”.
وقالوا : “ليس الإنسان إلا القلب واللسان”.
وقالوا : “من يعرف البلاء يصبر عليه”.
وقالوا: ” الصحة داعية السقم،والشباب داعية الهرم”.
مصطفى السباعي: ” المريض المتألم كالنائم يهذر ويرفث ولكنه لا يحاسب”.
وقال أيضاً: ” لا تهمل العناية بصحتك مهما كانت وجهتك في الحياة،فإن كنت عاملاً أمدّتك بالقوة،وإن كنت طالباً أعانتك على الدراسة،وإن كنت عالماً ساعدتك على نشر المعرفة،وإن كنت داعية دفعت عنك خطر الإنقطاع،وإن كنت عابداً حببّت إليك السهر في نجوى الحبيب نفسك مطيتك فارفق بها”.
وقال أيضا: ” لا تلهيّنك العناية بصحتك من أداء رسالتك،قليل من الوقت تعنى
به في صحتك يوفر عليك كثيرا من الوقت في أداء رسالتك”.
وقال أيضا :”لا تؤجل تناول العلاج إلى انتهائك من العمل فقد تنقطع عن العمل
وتفوت فرصة العلاج”.
وقال أيضاً: ” قد تغيب أبسط مبادئ المعالجة عن أذهان كبار الأطباء”.
وقال أيضاً:” أيها البخيل نفقة الإعتناء بصحتك أقلّ من نفقة العلاج من مرضك”.
عبد الله بن المقفع : “على الأقل أن لا يكون راغباً إلا في إحدى ثلاث:تزود لمعاد،أو مرمه لمعاش أو لذة في غير محرم”.
الحسن البصري لعمر بن عبد العزيز: ” كن كالمداوي جرحه،صبر على شدّة الدواء مخافة طول البلاء”.
الكامل للمبرد (ج1 ص264):إنَّ الحزين والمغيظ والمتأسف يعضّ أطراف أصابعه جزعاً،يقول تعالى:{عضّوا عليكم الأنامل من الغيظ} [آل عمران 119].
ابن القيم:فرّغ خاطرك لله بما أمرت به،ولا تشغله بما ضمن لك،فإن الرزق والأجل قرينان مضمونان،فما دام الأجل باقياً كان الرزق أتياً،وإذا سَدَّ عليك بحكمته طريقاً من طرقه فتح لك برحمته طريقاً أنفع لك منه،فتأمل حالة الجنين يأتيه غذاؤه وهو الدم من طريق واحدة وهو السرة فلما خرج من بطن الأم وانقطعت تلك الطريق فتح له طريقين اثنين ،وأجرى له فيهما رزقاً أطيب وألذ من الأول لبناً خالصاً سائغاً،فإذا تمت مدّة الرضاع وانقطعت الطريقان بالفطام فتح طرقاً أربع أكمل منها طعامان وشرابان،فالطعامان من الحيوان والنبات،والشرابان من المياه والألبان وما يضاف إليهما من المنافع والملاذ،فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة،لكنه سبحانه فتح له إن كان سعيداً طرقاً ثمانية هي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء”.
وقال ابن القيم: دافع الخطرة فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافع الفكرة فإن لم تفعل صارت شهوة فحاربها، فإن لم تفعل صارت عزيمة وهمة، فإن لم تدافعها صارت فعلاً ، فإن لم تتداركه بضده صارت عادة فيصعب عليك الانتقال عنها”.
وقال ابن القيم أيضاً:
“أصول الطب ثلاثة : الحمية،وحفظ الصحة،واستفراغ المادة المضرة .وقد جمعها الله تعالى في ثلاثة مواضع من كتابه:فحمى المريض من استعمال الماء خشية من الضرر فقال تعالى : {وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً}[النساء 42]. فأباح التيمم للمريض حمية له كما أباحه للعادم .
وقال في حفظ الصحة : {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة 181] . فأباح للمسافر الفطر في رمضان حقظاً لصحته لئلا يجتمع على قوته الصوم ومشقة السفر فيضعف القوة والصحة .
وقال في الاستفراغ في حلق الرأس للمحرم : {فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} [البقرة 196] . فأباح للمريض ومن به أذى من رأسه وهو محرم أن يحلق رأسه ويستفرغ المواد الفاسدة والأبخرة الرديئة التي تولد عليه القمل ،كما حصل لكعب بن عجرة ،أو تولد عليه المرض (زاد المعاد ج1 ص 164).
أحمد أمين (في كتاب حياتي ص31) :
“وحدث مرة أن أخذني والدي إلى المسجد بجوار بيتنا لنصلي ،ولم يكن بالمسجد غيرنا ، فخلع والدي جُبته وجوربه وشمّر أكمامه وذهب إلى “الميضأة” ليتوضأ ،والميضأة حوض ماء نحو ثلاثة في ثلاثة يُملأ بالماء من حين لأخر،وفي العادة يُملأ من بئر بجانبه رُكبت عليه بكرة وعلق فيها حبل في طرفيه دلوان ينزل أحدهما فارغاً ويصعد الأخر ملأن . ومن أراد أن يتوضأ من الميضأة جمع الماء بين كفيه وغسل وجهه ويديه … ثم يعيد الماء إلى الميضأة بعد الغسل كما أخذ ،وكانت هذه الميضأة مصدر بلاء كبير،فقد يتوضأ المريض بمرض مُعد كالرمد ونحوه فيتلوث الماء ويُعدي الصحيح ،هذا إلى قذارته ،فالمتوضئ يغسل وجهه بعد أن غسل من قبله رجليه،ولكن الاعتقاد الديني يغطي كل هذه العيوب والأخطار ،فلما دخل القاهرة نظام جري الماء في الأنابيب ،لم تعد حاجة إلى الميضأة ،وأصبحت الحنفيات أنظف وأصح ،ولكن إلف الناس للقديم جعلهم يحزنون لفراق الميضأة ،ولذلك كان ما أخذه الشيخ محمد عبده وعيب عليه أن أبطل ميضأة الأزهر وأحل محلها الحنفيات وهكذا يألف الناس القديم الضار ويكرهون الجديد النافع ويدخلون في الدين ماليس من الدين “.
أحمد أمين (كتاب حياتي-ص41 )يتحدث عن سكان الحارة التي ولد فيها :
“فالحالة الصحية أسوأ ما يكون،لا عناية بنظافة ماء ولا بنظافة أكل ،وهم لا يعرفون طبيباً،وإنما يمرض المريض فيعالجه كل زائر وزائرة،كل يصف دواء من عند العطار،جربه فنجح ،والمريض تحت رحمة القدر،وقد يصاب أحد بالحمى فيزوره كل من أراد ،ويسلم عليه ويجلس بجانبه طويلاً، ويحدثه طويلاً ، فتكون العدوى أمراً سهلاً ميسوراً، ولذلك كان كثيراً ما يتخطف الموت أصدقائي من الأطفال حولي :
لا تعجبن من هالك كيف ثوى بل فاعجبن من سالم كيف نجا
د. زكي مبارك (رسالة الأديب –ص248):
“إن فضائل الأعياد الموسمية أوضح من أن تحتاج إلى شرح ،فتفضلوا بسماع كلمة وجيزة عن الأعياد اليومية ،والأعياد التي تواجهنا في كل يوم ،لو عرفنا كيف نروض النفس على إدراك الخفايا من نعم النعم الوهاب،وهي نِعم تتجدد في كل لحظة ،فنحن بها كل يوم في عيد . تشرق الشمس والعافية في بدنك ،والزاد في دارك ،فيومك يوم عيد ،تغرب الشمس وحولك أهلك ،والنوم يداعب جفونك ،فليلتك ليلة عيد . قد تطوف بك أحزان تثير دموعك ، وهذا يقع من وقت إلى وقت ،ولكنه شاهد على أنك في عيد ،فالدموع في عيون الباكين أدوية ربانية تصنع في طب العيون ما يعجز عنه أطباء العيون ،والأحزان في صدور المكروبين مراهم روحية تصنع ما يصنع المرهم الواقي في شفاء الجرح البليغ . هل تعرف حكمة الله في الألم ؟ إن الألم نعمة نفيسة ،فهو بشير العافية ،لأنه ينبه إلى المرض ،والتنبه إلى المرض يدعو إلى العلاج وهو باب الشفاء . والآفة الخطيرة هي انعدام الاحساس بالألم ، فإن تالمت فاعرف أنك في حيوية ،وتذكر حكمة الله في الألم ،لتعرف أنك في عيد . الحزن علامة قوة لا علامة ضعف ،لأنه يشهد بإدراكنا لقيمة ما نفقد ولا تكون كذلك إلا ونحن أصحاء ،فإن حزنت فاعرف أنك بعافية وأنك في عيد . وكيف تكون العاقبة لو عشنا بلا أحزان ، وبلا دموع . إن الأحزان والدموع كانت ولا تزال من أنصبة الموهوبين ،والحزن العظيم لا يكون إلا من نصيب الرجل العظيم ،ولو كان البكاء عيباً لنزه الله الأنبياء عن البكاء ، فلم يبك يعقوب على يوسف ،ولم يبك محمد صلى الله عليه وسلم على إبراهيم(ابنه)، فإن بكيت فاعلم أنك بخير وأنك في عيد “.
مصطفى صادق الرافعي والآلام:-(الحديقة محب الدين الخطيب):
“تريدين أن أكتب أوصاف الآلام وفلسفتها؟ألا فاعلمي أن آثارك في هي كتابي إليك..لا لا بل سأتكلم عن أخر آمثالك هي … هي الحياة. أكثر تكاليف الحياة في ألمها وتعبها كأكثر أمراض الحياة ،فهل من هذا إلا أن كل إنسان مريض – مادام حيا – بأنه حي..؟ونعيش بين الأشياء والمخلوقات ،ومنها ما يسرنا كأنه أجزاء في وجودنا قد زيدت علينا، ومنها ما يؤلمنا كأنه أجزاء قطعت منا. فهل يؤخذ من هذا إلا أن الإنسان ما دام مضطراً فهو مريض بأنه مضطر..؟فأين إذن يلقي الحي آلامه،وفي جسمه مرض يخلقها مندفعة منه،وحول جسمه مرض آخر يردها إليه؟وما أشبه آلام الإنسان بألم الطفل المدلل،تراه يحزن لكثرة مايفرح، ويحول ابتسامة دموعاً في عينيه فيتغير في صورته دون أن يتغير في معناه،فيضحك باكياً.ويشكو، فتكون شكواه طريقة مرح في غير شكلها، ويكون في نفسه معنىً واحد، ولكن وجهه الغض الآن يضع لهذا المعنى أساليب مختلفة،هي أنواع من ألعاب الطفولة”.
طه حسين يتكلم عن مرض فرانز كافكا(المجموعة ـ المجلد السادس ـ ص 636):
“وهي محنة المرض،المرض الذي لا يظهر فجأة،ولا يثقل على المريض ثقلاً طويلاً،وإنما يداوره،ويناوره،ويسعى إليه سعياً خفيّاً بطيئاً متلكئاً،يدنو منه لينأى عنه،ويلمّ به ليفارقه،ويقفه من الحياة موقفا غريباً،لا هو باليأس الخالص،ولا هو بالأمل الخالص،وإنما هو شىء بين ذلك.يملأ القلب حسرة ولوعة،ويملأ النفس شقاءً وعناء،حتى إذا استبان أنه قد أنهك فريسته،وكلّفها من الجهد أقصاه،ولم يبق فيها قدرة على المقاومة،أنشب فيها أظفاره،وصبَّ عليها آلاماً ثقالاً،وأهوالاً طوالاً،ثم قضى عليها الموت في ساعة من ساعات الليل أو من ساعات النهار”.
عباس محمود العقاد(الرسالة العدد723):
كان الحديث عن آفاك الأرمني الذي قيل إنه طبيب روحاني يشفي من الأمراض المستعصية ويلمس المريض مرة أو مرتين فينهض سليماً معافى.
وكان المتحدث رجلاً يصدق من الغرائب والمفارقات بمقدار ما فيها من مفاجأة الناس ومصادمتهم بالمستبعد المستغرب من الأمور..له في الحديث لازمة هي كلمة (لا) النافية.
يقولها عشرين أو ثلاثين مرة في الجلسة الواحدة،ويقولها لمن يوافقه ومن يعارضه،ولمن يقبل كلامه على علاته ومن يرفضه(على طول الخط) كما يقولون.ويخيل إليك وأنت تستمع إلى حديثه أنه يفضل إنكارك كلامه على موافقتك وتأمينك.لأن الإنكار يفتح باب الجدل والاستماع بتلك الكلمة المحبوبة لديه،البغيضة إلى الناس أجمعين،وهي كلمة(لا) النافية ومرادفاتها في اللغة العربية.
قال: إن أفاك شفى مشلولاً كسيحاً لا ينهض على قدميه.
قالها والتفت إلي متوقعاً أن أنكر منه هذا الخبر،وأجزم باستحالته أو استبعاده.
فخيبت ظنه وقلت: يحصل.نعم يحصل في الزمن القديم وفي هذا الزمن.وقد حصل على أيدي الأطباء الذين لا ينتحلون لأنفسهم قدرة روحانية ولا كرامة من كرامات الأولياء.وحصل في عهد العباسيين قبل هذا العهد الحاضر الذي عرف الناس فيه علم العلاج النفساني وسلكوه في عداد العلوم الطبيعية.وذكرت قصة الجارية التي كان الرشيد يحبها فرفعت يدها ذات يوم فبقيت منبسطة لا يمكنها ردها،وعولجت بالتمريغ والدهن فلم ترجع يدها إلى حركتها.فلما استدعى ابن بختيشوع لعلاجها قال الرشيد:إن لم يسخط على أمير المؤمنين فلها عندي حيلة:تخرج الجارية إلى ها هنا بحضرة الجميع حتى أعمل ما أريده،فأمر الرشيد بالجارية فأحضرت،أسرع إليها الطبيب وأوثق يدها الطليقة وأمسك ذيلها وكأنه يريد أن يكشفها.فانزعجت الجارية وبسطت يدها المعتقلة إلى أسفل.وكان ذلك شفاؤها.
هذا وأشباهه جائز في الطب مُشاهد في الواقع،والمعمول فيه على استفزاز القوى الحيوانية من طريق المؤثرات النفسانية”.
عباس محمود العقاد(المجموعة الكاملة ـ الجزء 24 ـ ص59):
“المرض،ألا قوتل المرض من عدو لدود العداء للإنسان.
عرفنا السلاح للسباع وعرفنا كل فتاك مثله لكل عادية مثلها إلا المرض…
نعم تقول الطب والأطباء.ولكن هؤلاء لا يسعفون إلا في الانحرافات التي نبالغ بتسميتها أمراضاً.أما في العلل المتمكنة التي إنما يدعى الطبيب لمثلها فهؤلاء الذين تقول عنهم ـ ولست أعمم ـ يقفون حيارى لا يمدون يداً إلا إلى قبض الريال بعد الريال إلى أن يكلّ المريض من العطاء أو يملون من الأخذ وقد يموت أقصرهما عمراً قبل أن يسأم الآخر.
كنت أظن كل داء من المرض له دواء من الطب.وأن الطبيب إذا فاته علاج الداء فلما أقل من أن يضبط تشخيص أعراضه.
أحوجتني الضرورة إلى الأطباء وكنت أحسبني أغنى الناس عنهم فطرقت أبواب عدة عيادات.وكنت إذا دخلت العيادات اطمأنت جوانحي وسرى عني ما بنفسي فأشعر بين جدرانها كأني قد لذت بحرم الطب المقدس من أعدائي وما أعدائي إلا الآلام التي تطاردني في الليل والنهار.
ثم أخرج منها مزوداً بنصائح في الطعام ونظام المعيشة لا أحيد عن حرف منها.وفي يدي زجاجة أحسب أن فيها السم القاضي على تلك الآلام.ثم لا تلبث أن تمر بضعة أيام فأراني كأني لم أستشر طبيباً ولم أتناول دواء.فأدعو إلى طبيب آخر يفحصني فحص زميله مع تنويعات وزوائد عرضية ولكنها كانت تبعث عندي الرجاء في طبيب بعد طبيب.
ثم أنصرف منه بدواء في لونه مغاير لدواء الأمس،وآخذ في طعام غير ذلك الطعام،ونظام في المعيشة غير ذلك النظام.ولكن على غير جدوى.
كنت أسمع من الواحد منهم بعد الآخر بهيئة تليق بمن كان يبيع الصحة بل الحياة بالمقدار:
أتريد أن تعرف الحقيقة؟
إن بك ضعفاً في المعدة والأمعاء يزول بقليل من العلاج.
يقول ثان:إن معدتك كأحسن مايكون ولكن الذي تشكو منه في الحقيقة هو فقر الدم.
ويقول ثالث:إن جسمك ليس يفتقر إلى نقطة من الدم وأنت لا يحق لك أن تشكو إلا من السوداء.
ويقول رابع:لولا اختلال الكبد وهياج الصفراء لما كنت تتألم من شىء الآن.
ويقول خامس:إن كل ما بك أن كليتيك لا تؤديان وظيفتهما تمام الأداء وليس ماعدا ذلك إلا أثر يزول بزوال ذلك المؤثر البسيط.
ويقول سادس:لاتصدق شيئاً مما يقال لك.فكل أعضائك سليمة صحيحة وليس هذا الذي تشعر به إلا من مخلفات ضعف في جهاز الاتنفس يرجى أن يزول.
وكان هذا الطبيب يقول لي:عليك بالدسم والنشويات وذاك يقول: إياك والدسم والنشويات.أسمع من هذا أن ادمان استعمال الأدوية مؤذ بالجوف وأن الأفضل الامتناع عن تعاطيها.وأسمع من ذلك أن ترك الداء بلا دواء قد يتخلف عنه خطر جسيم.هذا يقول:استلق على ظهرك طول يومك وابتعد عن كل ماينبه أعضاءك.ويقول لي الآخر:يجب أن تعين لك وقتاً تشغله يومياً بالفلاحة أو تمشّ على قدميك بعد كل رساعتين نصف ساعة.
طبيب ينهى عن الاستكثار من السوائل وطبيب يأمر بأن لا أتناول إلا اللبن وأن لا أتناوله إلا ممزوجاً بضعفيه من ماء فيشي،إلى مثل ذلك من الوصايا المتناقضة.ولو كانت هذه الوصايا موجهة إلى عشرين شخصاً لما كان في الأمر مايدعو إلى الحيرة ولكنها موجههة لشخص واحد وهذا الشخص ليس له مع الاسف قدرة الجن على التطور بعدة أشكال في وقت واحد.
فرأيت أني لو عملت بجميع تلك الوصايا لما ذقت طعاماً وحرت في الأمر فإما أن أكون مصاباً بكل تلك الأمراض في آن واحد،أو لا أكون مصاباً بواحد منها.ووجدت أني لو تركت ونفسي لما خرجت عن تلك التجارب والتخمينات مهما تعسفت في التوصيف والتشخيص إلا إذا افترضت الداء حالاً بعضو غير تلك الأعضاء التي ذكروها ولا أعلم لأن جسم الإنسان يشتمل على غيرها.
وبعد أن أفرغت في جوفي صيدلية من الأجزاء والعقاقر نقطة بعد نقطة رأيت أن صناعة الصيادلة ليست أنفع بالنسبة إليَّ من صناعة السقائين وأنه لا توجد صناعة لم يتقنها أربابها كصناعة الأطباء وعلمت أن التحسن البطىء الذي شعرت به لا يمكن أن يدعي علم الطب أي فضل فيه.بل ربما لم أحصل عليه إلا خلسة من الطب والاطباء.
إن هذا الخلط داء مزمن بعلم الطب ـ وأقصد منه على الخصوص طب العقاقير ـ يجب أن يعنى الأطباء بمعالجته قبل أن يجعلوا أجسام المرضى جثثاً يجربون بها أصناف الادوية والعلاجات”.
عبد العزيز البشري في مقال بعنوان:أولادنا:
وإن أشد الناس جبناً وفَرَقاً ليرى ولدّه في خطر أو مُستهدفاً لخطر،فلا تراه إلا ينصَبُّ لإستنقاذه انصباباً ما يبالي ما يصيبه،بل ما يبالي أهَلكَ معه أم هلكَ دونه!
وهذا ولدي يمرض،فهذه كبدي تسيل مَسا لانوها أنا ذا أجن ولكنني لا أغفل عن المكروه غفلة المجانين،ولا أجد ما يجدون من رضى بحالهم وارتياح،وهذا حسّي يضطرب اضطراباً شديداً بين الرحمة والألم،والحنان والخوف،والإشفاق والجزع،وإن وراء هذا كله ليئاً هائلاً بشعاً يتراءى لي شَبحهُ من بعيد،فأغمض عيني دونهُ حتى لا أراه ولا أتبينه،بل إني إذا خلوتُ إلى نفسي لأطلبهُ وأتفقدّه،فإذا تمثّل لي بكيتُ حتى استعبرت،فأجد لهذا البكاء راحةً مما يَغمز على كبدي ويُحرق صدري تحريقاً،با إني لأتمنى على الله أن يَنقُلَ ما بهِ إليَّ،فإذا كان ثَمّة حدثٌ لا بد من أن يجري به القدر،ودِدتُ جاهداً مخلصاً لو أنني أكون أسبقَ الإثنين.
وإني لأذكر في هذا المقام أنني احتسبتُ ولداً لي كان وحيداً،فَجُنَّ جنوني،وفعل بي الأسى الأفاعيل،وقد انتهى إلى أبي رحمة الله عليه بعض ما أصنع أو بعض ما يصنعُ الوجد بي، فدعا بي وقال:بلغني أن الجزع قد بلغَ منك إلى أنك تفعل كيت وكَيت،أفلا آثرت الإحتمال وتجملّت بالصبر على هذا كما احتملتُ أنا وكما صبرتُ؟فسكتُّ لأنني لم أُصبْ قولاً أقوله ،فأقبل عليَّ رحمه الله وأخذ يدي كلتيهما في يديه،وقال:اسمع يا ولدي،إذا كنت قد جزنتَ لموت فلان مرة فلقد حزنتُ لموته مرتين! فرفعت وجهي إليه وقلت له في شىء من الدعة والرفق يخالطهما كثير من الدَّهش:وكيف هذا؟فقال في لوعة شعرتُ بما يُعاني في مجاهدتها:لأنه إذا كان ابنكَ مرة فإنه ابني مرتين!ورأيت الدمع يترقرق في عينيه ولكنه لا يأذن له في أن يتجاوز المحجرين،ووالله لقد سرّى هذا الكلام عني كثيراً إذ قد علمتُ أنني في هذه المصيبة صاحب أضعف السهمين!.”.
عبد العزيز البشري في مقال بعنوان”لاصحة إلا في المرض”(مجلة المصور نيسان 1935):
“لست أدري لماذا لا نتذوّق صحة الأبدان ولا نستشعرها ما دمنا فيها؟أتُرى لأنها شىء سلبيٌّ لا يُذاق ولا يُحسُّ؟أم لأنها كسائر نِعم الحياة قلَّ أن يَقدر المُتقلِّب فيها قَدرها،أو يُعظم المُتمكّن منها خَطرها؟أم أنَّ ما تُجِدٌُّ الأيام من أشغال الدنيا وهمومها ومطالبها مما يحولُ بين المرءِ وبين تذَوُّق الصحة والالتذاذ بالعافية؟
اللهم إنني لا أقطع في هذا بشىء من وجوه التعليل البتة،ولكن الذي أقطع به ولا أراني أتحوّل عنه أن الإنسان لا يرى أن هناك نعمةً أجلَّ وأعظم من نعمة العافية يوم يضربه المرض ويسلبهُ السقامُ هذه العافية،بل إنَّ بحسبه أن يرى امرءاً مُعافىً في بدنه ليُقدّر له من الشعور بالسعادة والإحساس باللذة ما لا يتعلق به وصفُ واصف،ولا يتصوّرُ مبلغهُ إلا هؤلاء الأصحاء!.
لقد كنتُ في العافية فما قدرتُ لها قطُّ قَدراً إلا إذا ذكرتُ المرض وأوزاره،وإني لأكره بالطبع أن يتداخلني السقم،وينتابني الوجع والألم،وأن يَكُفَّني هذا عن ولاية عملي ،ويُثقل بشأني أهلي وولدي،ويحول بيني وبين الإصابة من متاع الدنيا إذا كان في الدنيا متاع!.
ويتابع:”ما لكم يا أهل العافية لا تطربون ولا تمرحون ولا تطولون الجبال الشامخة من تَتايه ومراح؟إنه ليخيل إليَّ أنكم تجاهدون في كظم أفراحكم أشد الجهاد!.
فلو خلعتم عليَّ شيئاً مما تجدون من العافية؟إذن لرأيتم أنه لا يتسع لمراحي كل ما بين الأرض والسماء.
الصحة،الصحة وحدها،ففيها عن كل عَرض غَناء.
ما عَزَبت عن الإنسان نعمةٌ من نِعم الدنيا إلا اقتصرَ حسُّه على ألم فقدانها والحرمان منها،أما فقدُ الصحة فإن يُشعر الحرمانَ من كل شىء،وقد صدق من قال:”يا اهل العافية لا تستقلُّوا النِّعم”.
الأستاذ منصور فهمي في مقال بعنوان:أنت أنت نشره عام 1927م:
“وإذا ما اشتد السقم بمن أحاطته عناية الأطباء،وسهر الأوفياء،ونام بين آمال المخلصين ودعوات المحبين،ثمّ ضعفت حيلة الطبيب،ولم ينفع وفاء الحبيب،واستحال الرجاء إلى بلاء،إذ ذاك تظهر جالساً على عرش عظمتك،والنواصي خاشعة،والنفوس جازعة،والأيدي راجفة،والقلوب واجفة لتقول: أنا قضيت،ويقول الطبيب والقريب والحبيب:لك الأمر أنت أنت الله”.
أمثال طبية
حنين الإبل: “العرب تقول لا أفعل ذلك ماحنّت الإبل وما أطت الابل” .
ومن أمثالهم” أحنّ من شارف”،وهي الناقه المسنة لأنها أشد حنينا إلى ولدها من غيرها”.
ومن العرب من يصف الإبل بالرقة والحنين كما قال متمم بن نويرة:
فما وجد أظار ثلاث روائم رأين مجرا من حوار ومصرعا
يذكرن ذا اللبث الحزين ببثه اذا حنت الأولى سجعن لها معا
بأوجع مني يوم فارقت مالكا وقام به الناعي فأسمعا
(الأظار: ج ظئر وهي العاطفة على ولد غيرها المرضعة له،الروائم :ج رائم المحبات ذوات العاطفة،الحوار: ولد الناقة ).
وتقول العرب أيضاً:حَرِّك لها حُوارَها تحنّ ومعنى هذا :ذكّره بعض أشجانه تهيج له،وهذا المثل قاله عمرو بن العاص لمعاوية حين أراد أن يستنصر أهل الشام.
وقع القوم في سَلا جمل :ومعناه بلوغ الشدة منتهى غايتها، وهو شيئ لا مثل له لان السَلا إنما يكون للناقة ولا يكون للجمل،قال اللحياني: السَلا ماتلقيه الناقة اذا وضعت،والوليد يتشحّط في السلا: أي يضطرب، قال النابغة الذبياني:
ويقذفن بالأولاد في كل منزل تشحط في أسلائها كالوصائل
وقال غيره :”سلا الجمل كما يقال لبن الطير ومخ الذر وحلم العصفور ” كل هذا يضرب مثلا لما لا يكون ولا يوجد.
شره الاسد:تقول العرب في أمثالها أشره من الأسد، وذلك أنه يبتلع البضعة العظيمة من غير مضغ، وكذلك الحية لأنهما واثقان بسهولة المدخل وسعة المجرى .(نقلا عن ثمار القلوب للثعالبي ص 415).
ذَّماء الضب: يضرب المثل في الطول بذَّماء الضب،كما يضرب بذَّماء الأفعى،والذَّماءبفتح وتشديد الذال:مابين القتل وخروج النفس،وقال أخر الذَّماء :حركه القتيل إلى أن يسكن،وقال أخر الذماء :بقية النفس وشدّة النزع بعد الذبح أو هشم الرأس ( نقلا عن ثمار القلوب للثعالبي ص415).
ألذُّ من إغفاءة الفجر:يضرب بها المثل قال ابن طباطبا:
أقول وقد أوقظت من سنة الهوى بعذل يحاكي لذعه لذعة الهجر
دعوني وحلم اللهو في ليلة المنى ولا توقظوني بالملام وبالزجر
فقالوا لي استيقظ فشيبك لائح فقلت لهم طيب الكرى ساعة الفجر
(نقلا عن ثمار القلوب للثعالبي ص645).
ليس له أصل ولا فصل:قال ثعلب:الأصل الوالد والفصل الولد .(نقلا عن البصائر والذخائر ج1 ص20).
سمّت العاطس وشمّته:فاما السمت:فمن السمت بتشديد السين،كأنه قال جعلك الله على السمت الحسن،واما الشمت فمن قولك تشمتت الإبل إذا اجتمعت في المرعى فكأن المعنى سألت الله أن يجمع شملك هكذا قال ثعلب، وقال ابن دريد الأزدي :الشوامت :اليدان والرجلان وأطراف الرجل فكأنه قال حفظ الله أطرافك، (نقلا عن البصائر والذخائر ج1 ص21).
يقال في الدعاء: لا ترك الله له شفرا ولا ظفرا، أي عينا ولا يدا. (البصائر والذخائر ج1 ص48).
لا هَمّ إلا هَمّ الدَّين ولا وجع إلا وجع العين، الدّين بتشديد الدال أي القرض.
من دعاء العرب: رماه الله بالحِّرة تحت القِّرة،وهما العطش والبرد،قال القالي: الحرة حرارة الجوف من العطش.
ويقولون :ماله وَرَاه الله بفتح الواو والراء،والورى :سعال يقيئ منه دما وقيحا،والعرب تقول للبغيض إذا سعل : وريا وقحابا فالقحاب اي السعال،وتقول للحبيب إذا عطس عمرا وشبابا.
وتقول العرب أيضاً: “أعلم بها من غصَّ بها”
إياكم وخضراء الدِّمَن :بكسر الدال وتشديدها، وهو النبت ينبت على البعر فيروق ظاهره وليس في باطنه خير، ويضرب مثلا للمرأة الحسناء في منبت السوء،وكره ذلك لأن عرق السوء ينزع، ومثله قول العرب:” إياكم وعقيلة الملح: ” يعنون الدرة وهي تكون في الماء المالح،( نقلا عن جمهرة الأمثال للعسكري ج1 )وقيل أيضا: الدِّمنة: الموضع الذي تبرك فيه الإبل فتبول أو تبعر فيه فلا ينبت شيئا فاذا أصابه الماء انبت، يقول زفر بن الحارث:
وقد ينبت المرعى على دِّمن الثرى وتبقى حزازات النفوس كما هيا
والمعنى:” المكان الذي لا ينبت في الأصل قد ينبت،أما الحزازات فتبقى كما هي “.
مثل: أنفُكَ منك وإن كان أذَنَّ (الذَيّن ما يسيلُ من الأنف من المخاط)
يقال بمثلي ينكأ القرح : أي بمثلي يُداوى الشر والحرب( عن مجمع الأمثال للميداني).
ويقال:إذا حككتُ قَرْحةًأدميتُها:يضرب مثلاً للرجل المُصيب بالظنون،فإذا ظنَّ فكأنه رأي ،والمثل ينسب لعمرو بن العاص،(العسكري ج1 ص144).
يقال: إنه لشديد جفنِ العين :”يضرب مثلا لمن يقدر أن يصبر على السهر”.
يقال:” إذا جاء الحَين حارت العين :أي إذا جاء القدر عمي البصر.
يقال :إن الدواهي في الأفات تهترس:أي اشتداد المحن والفتن (عن مجمع الأمثال للميداني).
يقال: إنّ بنييّ صبية صيفيون:يقال أصاف الرجل إذا ولد له على كبر سنه وولده صيفيون، يضرب في التندم على ما فات
إنّ بنيّ صبيةُ صيفيون أفلح من كان له ربعيون
أي إذا ولد له أولاد في شبابه (نقلا عن مجمع الأمثال للميداني).
يقال: إنكّ ريانُ فلا تعجل بشربكَ:يضرب لمن أشرف على إدراك بغيته فيؤمر بالرفق (الأمثال للميداني).
يقال :أنتَ بين كبدي وخـِلبي:يضرب للعزيز الذي يشُفق عليه،والخلب الحجاب الذي بين القلب والبطن (الامثال للميداني).
يقال بَرَدَ على ذلك جِلدهُ:أ ي استقر واطمأن، وبرد هنا بمعنى ثبت( الأمثال للميداني).
يقال: بهِ الورى وحُمى خيبرى: أي أكل ُ القيحِ الجوفَ( الامثال للميداني).
يقال: البطنُ شرُّ وعاءٍ صِفراً وشرُّ وعاءٍ ملآن ( الميداني)
يقال : تركتُهُ صـَريمَ سَحْرٍ:السحْر الرئة،أي تركته ميؤساً منه . (الميداني)
يقال: تضّرعْ إلى الطبيب قبل أن تمرض (الميداني)
يقال: ثُكْلٌ أرأمها ولداً:مات لأم عدة أبناء وبقي واحدا فعطفت عليه.
يقال :أكلَ عليه الدهر ُوشرب: يضرب لمن طال عمره،يريدون أكل وشرب دهراً طويلاً، قال النابغة الجعدي :
كم رأينا من أناس هلكوا شرب الدهر عليهم وأكل
(نقلاً عن الكامل للمبرد ج1 ص285).
يقال: إنّ المناكحَ خَيرُها الأبكار.
يقال: أجوعُ من ذئبٍ:لأنهُ دهرهُ جائع ،ويقولون في الدعاء على العدو “رماه الله بداء الذئب” أي بالجوع وقيل بالموت وذلك أن الذئب لا يصيبه من العلل إلا علة الموت،ولذلك يقولون في مثل أخر أصَحُّ من الذئب( الميداني)
يقولون: قد يَضرِطُ العَيرُ والمِكواةُ في النار:وأصله أن مسافر بن عمرو بن أمية بن عبد شمس أراد تزُوجّ إمرأة وكان قد أملق،فخرج إلى النعمان بن المنذر يسأله معونة فأكرمه النعمان وأنزله، فقدم قادم من مكة فأخبره أن أبا سفيان بن حرب تزوجها،فمرض واستشفى فدُعي له بطبيب فأشار عليه بالكيّ فقال له : دُونكَ فجعل يُحَميّ مكاويه ويجعلها على بطنه وقريبٌ منه رجلٌ ينظر اليه ويضرِط من الفزع فقال مُسافر قد يضرط العَيرُ والمكواةُ في النار ،قال العُديل بن فَرخ:
أصبحتُ من حَذرِ الحجاج منُتَحِباً كَالعَيرِ يَضرِطُ والمكواة في النارِ
قَرْمٌ أغَرُّ إذا نالت أظافرهُ أهلَ الشّناءِ عاموا في الدّمِ الجاري
(جمهرة الامثال للعسكري ج2 ص123).
يقولون :قبْلَ النّفاسِ كنتِ مُصْفَرةٍ ،ومثله: قبل البكاءِ كان وجهُكِ عابساً:يضرب مثلاً للبخيل يعتّلُ بالإعسار فيمنعُ وهو في اليسار مانع،وأصله أن المرأة تكون مصفرة من خِلقة فإذا نُفِستْ تزعمُ أن صُفرَتها من النفاس،والرجل يكون عابساً من غريزةٍ فيه فيزعمُ أن عُبوسهُ من البكاء (العسكري ج2 ص124).
يقال: جَرَحَهُ حيثُ لا يضعُ الراقي أنفهُ:يضرب مثلا للشيئ لا دواء له (العسكري ج1 ص365)،وجاء في الأمالي للقالي ج1 ص151 يراد به :أن ذلك لا يُقرّب ولا يُدنى منه وكأنهم يرون أن أصل ذلك أن ملسوعاً لُسع في إسته فلم يقدر الراقي أن يُقرّب أنفه مما هناك ويقال : ليستغنْ أحدكم ولو بِضَوْزِ سِواكه أي بمضغه،وجاء في مجمع الأمثال للميداني ص160:جَرَحَهُ حيث لا يضعُ الراقي أنفه :قالته جَندلة بنت الحارث وكانت تحت حنظلة بن مالك وهي عذراء وكان حنظلة شيخاً،فخرجت في ليلةٍ مطيرة فبصر بها رجل فوثب عليها وافتَضَّها،فصاحت، فقال لها رجل مالك؟ فقالت :لُسِعتُ ، قال أين ؟ قالت :حيث لا يضع الراقي أنفه،يضرب لمن يقع في أمر لا حيلة له في الخروج منه.
يقولون: أخلَفُ من شُربِ الكَمونِ:لأن صاحبهُ يراه أخضرَ أبداً فيؤخر سقيه، قال الشاعر:
فأصبَحتُ كالكَموّنِ ماتت عروقُهُ وأوراقُهُ ممّا يُمَنونَهُ خُضْرُ
يقال :أصْنَعْهُ صَنعَةَ من طبَّ لمن حَبَّ :أي أصنعه صنعة حاذق لمن يحبه،وطَبب يارجل، وطَبِبت أي حَذِقت ،قال الفرزدق:
فأرسَلَ في عَينيه ماءً علاهما وقد علموا أني أطَبُّ وأعْرَفُ
والطِبُّ أيضاً الداء قال أبو تمام :”وما إن طِبُّها إلا اللُغُوبُ” أي مابها داء إلا الإعياء(العسكري ج1 ص91).
يقال: ” أبصَرُ من نسر: تزعمُ الفرس أنهُ إذا حلّقَ أبصرَ الجيفة من مسافة أربعمائة فرسخ
يقال :”أعطَشُ من النَقَاقة، أي الضفدع وذلك لأنه إذا فارق الماء مات،ويقال للإنسان إذا جاع “نَقَت ضفادعُ بطنه وصاحت عصافير بطنه”.
يقال:” المصدور أنفَث “يضرب في عذر شكاية الرجل بثه وحزنه
يقال:” شَجيَ برِيقه :إذا غَصَ بريقه ،يضرب لمن يؤتى من مأمنه
يقولون أفواهُها مَجَاسُّها :يضرب مثلاً للأمر يدل ظاهرهُ على باطنه، وذلك أن الإبل إذا أحسنت الأكل أُكتفي بذلك في معرفة صحتها وسلامتها عن جَسِّها (العسكري ج2 ص77).
يقولون: كلُّ أَزبَّ نَفُورٌّ: يضرب مثلا للرجل ينفر من كل شيئ، والأزَبُّ من الإبل الكثير شعر الوجه حتى يشرف على عينيه فكلما رآهُ ظن أنه شخص يطلبه فينفر من أجله فهو دائم النفار (العسكري ج2 ص154 والعقد الفريد ج3 ص67).
يقال: كُلُّ ضَبٍّ عندَهُ مِرداية :أ ي لا تغتر بالسلامة فإن الأحداث والآفات معَدَّة، والمِرداة الحجر الذي يُردى بِه،يعني أن من أراد الضَبَّ في أي موضع رآه وجد حجراً يرميه به، وقيل أن الضَبّ سيئ الهداية فلا يتخذُ حِجرَه إلا عند حَجَرٍ يجعله علامةً له فإذا خرج أخذَ طالبهُ الحجر فرماه به.
يقولون :”الإيناسُ قبل الإبساس: ومعناه أن يُؤنسَ الرجل ويُبسط ثمَّ يُكلف ويُسأل،وأصلهُ في الناقة تُداريها وتمسحُها وتَبِسُّ بها لِتُفاجَّ للحلب”أي تباعد بين عرقوبيها” ،والإبساس أن تقول لها بس بس لتسكن، وناقة بسوس إذا كانت تدر على الإبساس ( العسكري ج1 ص196).
يقولون: مات حتف أنفه: ” يقال إن أول من تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم وتحقيقه: كان حتفه بأنفه أي بالأنفاس التي خرجت من أنفه عند نزوع الروح لا دفعة واحدة،ويقال خُصَّ الأنف بذلك لأنه من جهة ينقضي الرمق ( نقلاً عن شرح الحماسة للمرزوقي ص177)،ويقولون قضى نحبه أي قضى نفسه ومعناه أنه مات والنّحْب أيضاً الخطر العظيم،وفي القران الكريم”فمنهم من قضى نحبه” (نقلاً عن جمهرة الأمثال للعسكري ج2 ص129).
يقولون في المثل : لأَفُشَّنَك فشَّ القطب: ” يقوله الرجل للأخر إذا رآه مٌنتَفِخاً من الغضب، أي لأذُهبنَّ انتفاخك (نقلاً عن أمالي القالي).
يقال: يَشجُّ ويأسو: ” وذلك للضار والنافع،ومنه اشتقاق الإسوة ،والأُسوة مداواة الجرح،وإن استعمل في موضع الإصلاح( نقلاً عن الحماية للمرزوقي ص107)
يقال : أصَمُّ عما ساءَهُ سميعٌ : “يضرب مثلاً للرجل يتغافل عما يكره، وقيل العاقل الفَطِن المتُغافل، وقال الأحنف وجدتُ الحلمَ أنصرَ لي من الرجال (نقلاً عن جمهرة الامثال للعسكري ).
يقال: طبُّ عيسى : “يضرب به المثل لأنه كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى يإذن الله، ومن أمثال العرب فلان يتطبب على عيسى بن مريم، قال المتنبي:
فآجَرَك الإلهُ على عليلٍ بعثتَ الى المسيحِ به طبيبا
وقال الخُوارزمي:
وما كُنتُ في تركيكَ إلا كتاركٍ طَهوراً وراضٍ بعدَهُ بالتيممِ
وراوى كلامٍ يقتفي إثرَ باقلٍ ويترك قَسّا جانبا وابن أهتمِ
وذي علةٍ يأتي طبيباً ليشتفي به وهو جارٌ للمسيح بن مريمِ
(نقلاً عن ثمار القلوب للثعالبي ص60).
يقال : ثريدة غسان: كان القوم ملوكاً يختصون من بين العرب بالطيبات ولهم الثريدة التي يضرب بها المثل وهي التي أجمعت العرب على أنه ليست أطيب منها لا من طعام العامة ولا من طعام الخاصة فصارت مثلاً في أطايب الأطعمة كمضيرة معاوية وفالوذج ابن جُدعان “، والمضيرة :من مضر اللبن مايطبخ منه ” وذكر بعض الرواة أنها كانت من المخّ والمح ولا أطيب منهما ( نقلاًعن ثمار القلوب للثعالبي ص122_123).
يقال : شربة أبي الجهم:يضرب مثلاً للشيئ الطيب اللذيذ الردئ العاقبة،وكان أبو الجَهم عيناً لأبي مسلم الخراساني على أبي جعفر المنصور يُراعيه ويُداخله ويحفظ أنفاسه والمنصور يستثقله ويتبرم به ويترصد الغوائل له،فبينما هو ذات يومٍ عنده إذ عطش فاستسقى فقال المنصور : ياغلام اسقهِ سَويق اللوز بالطَّبرزد فجاءه يقدح منه وفيه سمٌ سريع القتل فشربه أبو الجهم ولم يلبث أن حرك بطنه فقام،فقال المنصور :إلى أين يا أبا الجهم ؟ فقال : إلى حيث وجهتني يا أبا جعفر ورجع إلى منزله وقذف كل شيئ في بطنه وتلف لوقته فقيل فيه:
تجَّنبْ سَؤيقَ اللوز لا تشربنه فشربُ سَويق اللوز أردى أبا الجهم
(نقلاً عن ثمار القلوب للثعالبي ص153).
العرب تقول : الرَّشفُ أنقع:أي إن الشراب الذي يُتَرَشف رويداً رويداً أقطعُ للعطش وإن طال على صاحبه.
يقال :ما فلانٌ بِخَلٍ ولا خمر :أي ليس عنده خير ولا شر (البصائر والذخائر ج1 ص122).
يقال : به داءُ ظبي:أي أنه لا داء به ،أي أنه لا يمرض إلا إذا حان موته (مجمع الأمثال للميداني ص93 )قال الشاعر:
لا تجهمينا،أمّ عمرو ،فإنما بنا داءُ ظَبيٍ، لم تَخْنهُ عواملهْ
قال أبو عمرو:معناه ليس بنا داء كما جاء في لسان العرب لإبن منظور (ج1 ص79)،وجاء في جمهرة الأمثال للعسكري (ج1 ص:214): “لا تخلو الظِّباء من الأدواء كسائر الحيوان ولكن لما رأتها العرب تفوت الطالب ولا يقدر على لحاقها المجتهد،نسبوا ذلك إلى صحة أجسامها فقالوا : لا داء بها.
ويقولون أيضاً: ما به قلبة: أي مابه داء . وأصله في الدابة يكون في باطن حافرها داء فيقلبه البَيطار، وينظر إليه يداويه.
يقال : بِجَنبِهِ فلتكن الوَجْبة:أي السقطة،يقال عند الدعاء على الإنسان أي رماه الله بداء الجَنْب وهو قاتل فكأنه دعاء عليه بالموت (الميداني ص93).
يقال : بِبَطنهِ يعدو الذكر:يقال أن ذكر الخيل أكثر عدواً من أنثى الخيل لأنه يأكل أكثر
يقال : بألمٍ ما تُختَتنَّ:لا يكون الختان إلا بألم ولا يدرك المعروف إلا باحتمال مشقة (الميداني للأمثال).
يقال : بلغ الله بكَ أكلأ العمر:أي بلغَّك الله أطول العمر وآخرَه( الميداني ص110).
يقال : أبغَضُ من الطلياء:أ ي الناقة الجرباء المطلية بالهناء، ذلك أنه ليس شيئ أبغض الى العرب من الجرب لأنه يعدي.
يقال : بين البلاء والبلاء عوافي _ج عافية_
يقال: تجوعُ الحرَّة ولا تأكل بثدييها :أول من قاله الحارث بن سليل الأسدي ( الميداني ص122).
يقال : تمَنَّعي أشهى لك:أي مع التأبي ّيقع الحرص،وأصله أن رجلاً قال لأمرأته تمنعي اذا غازلتكِ ليكن أشهى،أي ألذ
يقال :ثؤلولُ جَسَدهِ لا يُنزَعْ:يضرب لمن يعجز عن تقويمهِ وتهذيبهِ ( الميداني ص154).
يقال : أثبتُ من قُرادٍ:لأنه يلازم جسد البعير فلا يفارقه ( الميداني ص157).
يقال :هَمَّكَ ما أهَمَّك: أي أذابك ما أحزنك (الأمالي للقالي ص114).
يقال : المنايا على الحوايا:قاله عبيد بن الأبرص للمنذر بن ماء السماء يوم لقيه يوم بؤسه،وهو مثل لمن يسعى إلى هلاكه بيده “والحوايا ما احتواه بطن الإنسان “،وقال له المنذر : ما أشدَّ جزعك من الموت؟ فقال له عبيد:لا يرحل رحلك من ليس معك،أي لا يعاني مشقة رحلتك من لم يسافر معك.
يقال :أطَّبّ من ابن حذيم: جاء في مجمع الأمثال للميداني أن ابن حذيم التيمي كان يضرب به المثل في خبرته ومهارته بالطب.
يقال : لا آتيك سِن الحِسل:والحسل هو ولد الضب، أي لا آتيك أبداٍ، لأن الضب لا تسقط له سن (نقلاً عن عيون الأخبار ابن قتيبة).
يقال : ما أشدَّ فطام الكبير.
يقال : من العَناء رياضة الهَرم
يقال :لا يخلو مَسْكُ السوء من عَرف السوء:أي لا يكن جلد رزل الا والريح المنتنة موجودة فيه (نقلاً عن العقد الفريدج3 ص30).
يقال :أبصر من زرقاء اليمامة:زرقاء اليمامة:وتسمى زرقاء بني نُمير :امرأة كانت باليمامة تُبصر الشعرة البيضاء في اللبن،وتنظر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام،وكانت تُنذر قومها الجيوش إذا غزتهم،فلا يأتهم جيش إلا وقد استعدوا له،حتى احتال لها بعض من غزاهم،فأمر أصحابه فقطعوا شجراً أمسكوه أمامهم بأيديهم،ونظرت الزرقاء فقالت:إني أرى الشجر قد أقبل إليكم،قالوا لها قد خرفت ورقَّ عقلك وذهب بصرك،فكذبوها،وصّبحتهم الخيل وأغارت عليهم وقتلت الزرقاء قال :فقوروا عينبها فوجدوا عروق عينيها قد غرقت في الإثمد من كثرة ما كانت تكتحل به (نقلاً عن العقد الفريد لإبن عبد ريه ج3 ص9).
يقال: لا تفش سِرّك إلى أمة، ولا تَبُلْ على أكمه:أ ي لا تبل على مكان مرتفع فتبدو عورتك.
تقول العرب:أناجُذَيلها المَحَكك:قال الأصمعي : الجُذيل: تصغير الجِذْل وهو عود يُنْصب للإبل الجرباء لتحتك به من الجرب، فأراد أن يُشفى برأيه ( العقد الفريد ج3 ص25).
وجاء في مجمع الأمثال للميداني ص160:جِذْلُ حكاك:الجذل : أصل الشجرة ،وربما ينصب في معاطن الإبل فتحتك به الجربى ؛ويضرب للرجل يستشفي برأيه وعقله.
يقولون: لا يدري المكروب كيف يأتمر:يراد أن المكروب يُغَطي عليه الشأن فلا يدري كيف ينفد أمره ( الأمالي للقالي ج1 ص157).
يقال : نوم الضُحى مخلفةٌ للفم :يقولون:خَلَف فُوه يخلف خُلوفاً: إذا تغيرت رائحته وقال الأصمعي : خَلَفت نفسه عن الطعام تخلف خلوفاً إذا أضربت عنه من مرض ( الأمالي للقالي ج1 ص158).
يقولون:أهونُ هالكِ عجوزٌ في عام سَنَةٍ: وهو مثل للشيئ يستخف بهلاكه.
يقال : استأصل الله شأفته: الشأفة:قرحة تخرج في القدم فتكوى فتذهب( أدب الكاتب ابن قتيبة ص40).
يقال : أصْرَدُ من عَنْزٍ جرباء : يضرب مثلاً للرجل يجد البرد
يقال :لم يُحرَم من فُصِدَ له:معناه أنهم كانوا إذا لم يقدروا على قرى الضيف فصدوا له بعيراً وعالجوا دمه بشيئ حتى يمكن أن يأكله (العقد الفريد ج3 ص58).
ومنه قول العامة:إذا لم يكن شحمٌ فَنَفسٌ .وأصل هذا أن امرأةً لبست ثياباً، ثم مشت وأظهرت البَهر في مشيتها بارتفاع نَفَسِها،فلقيها رجل فقال لها :إني أعرفك مهزولة ،فمن أين هذا النَفَس؟ قالت :إن لم يكن شَحمٌ فَنَفس، قال أبو نواس:
قال لي: ترضى بوعدٍ كاذبٍ قلت:إن لم يكُ شَحمٌ فَنَفس
أول من قُرعت له العصا:سعد بن مالك الكِناني،ثمّ قرعت لعامر بن أبي الظرب العدواني، وكان حكم في الجاهلية،فكبر حتى أنكر عقله، فقال لبنيه :إذا أنا زغت فقوّموني ، وكان إذا زاغ قرعت له العصا ،فينزع عن ذلك ( العقد ج3 ص26).
يقولون : وحمَى ولا حَبَل:أي لا يذكر شيئ إلا اشهاه ، كشهوة الحُبلى الوحمى.
تقول العرب:شرُّ السير الحقحقة: أي شدة السير، قال المرّار:
نُقَطعُ بالنزول الأرضَ عنَّا وطولُ الأ رض يُقَطعهُ النُزول
(العسكري ج1 ص60).
يقال :قَرَّت عينه:قال الأصمعي : قَرَّت عينه من القُرّ وهو البرد:أ ي جمدت فلم تدمع،وهو بحذار سخنت عينه (نقلاً عن الكامل للمبرد ج1 ص75).
ويقول ابن القيم في زاد المعاد:إن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ودمعة الحزن حارة والقلب حزين، ولهذا يقال لما يُفرح به هو قرَّة عين وأقرَّ الله عينه، ولما يحزن هو سخينتة العين وأسخن الله عينه.
يقال :هِيضَ العظم :إذا جُبِرَ ثمَّ أصابه شيئ يُعنته فآذاه،كسره ثانية أو لم يكسره ،وأكثر ما يستعمل في كسره ثانية . ويقال :عظم مَهيض وجناح ٌ مهيض في هذا المعنى (الكامل للمبرد ج1 ص15).
يقال : أُعتبط الرجل: إذا مات شاباً من غير مرض،والعبيط الطري من كل شيئ (الكامل للمبرد ج1 ص99).
تقول العرب للجبان : انتفخ والله سَحْرهُ:اي رئته.
يقال :إلى الله أشكو عُجَري وبُجَري: اي أشكو أُموري كلها ماظهر منها وما بطن
حالَ الحريض دون القريض:لما لقي النعمان بن المنذر بن ماء السماء في يوم بؤسه عَبيد بن الأبرص قال له أنشدني فقد كان شعرك يعجبني فقال له عبيد :حال الحريض دون القريض وبلغَ الحِزام الطّبيين ،الحريض:الريق اليابس في الفم من غمٍ أو خوف،وهو أيضاً الغصّة واختلاف الفكين عند الموت.
يقال :عَيٌّ أبأس من شلل:كانت العرب تعتمد القول وجزالته،وعلى حسن البيان،وكانوا يعدون العَيّ أشدُّ عليهم من المرض المزمن( نقلاً عن قول على قول للكرمي ج3 ص173).
العرب تقول:شرُّ النساء الحُميراء المحياض،والسويداء الممراض (نقلاً عن البصائر والذخائر ج2 ص92).
يقولون:متى عَهدُك بأسفلِ فِيك؟قال الأصمعي: يقال ذلك في الأمر يُرى أنه كان قديماً ومعناه : متى أثغرت؟ (العسكري ج2 ص288).
يقولون:نَجَّذتهُ الأمور:وأصله من الناجذ،وهو أقصى الأسنان،ويقال للرجل إذا أسنَّ وجرَّب الأمور : قد عضَّ على ناجذه ،قال سُحيم بن وثيل:
أخو خمسينَ مجتمِعٌ أشُدِّي ونَجَّذني مُداورة الشؤون
(العسكري ج2 ص309).
يقولون:مِلْحُه على رُكبتيه:يقال ذلك للرجل السيئ الخُلُق الذي يغضب من كل شيئ ،والمراد أن أدنى شيئ يُغضبه ،كما أن الملح إذا كان فوق الركبة بدَّده أدنى شيئ ، قال مسكين الدارمي:
لا تَلُمها إنها من نِسوةٍ ملحها موضوعةٌ فوقَ الرُّكَب
(العسكري ج2 ص232).
يقولون: مايشبعُ طائرُه:وذلك إذا وصفَ بشدة الهزال، قال الشاعر:
سَناماً ونِحْضاً أنبتَ اللحمُ فاكتستْ عظائمُ امرئ ما كان يشبعُ طائرهْ
يقول: بلغ من هُزاله ما لو وقع عليه طائر وهو ميت لم يشبع منه، ويقال أيضاً: ما عليه من اللحم ما يشبعُ عصفوراً ( العسكري ج2 ص238).
يقال:جَرَى منهُ مجرى اللَّدود:يقال ذلك للخُلُقْ الذي لا يفارقه الإنسان،كأنه لُدَّ به واللدود : الدواء الذي يُلَدُّ به الإنسان، وهو أن يُصَب في شِدْقِ فمه ( العسكري ج1 ص 311)،وفي مجمع الأمثال للميداني ص160:وهو ما يُصب في أحد شَقّي الفم من الدواء،ويضرب لمن يبغض ويكره.
يقال:أسرعُ من عدوى الثُّوباء:لأن من رأى أخر يتثاءب لم يلبث أن يتثاءب( العسكري ج1 ص526).
يقولون: استراح من لا عقلَ له:قاله عمر بن العاص،وقيل للحسن : مالنا نراكَ واجماً؟ فقال غَميّ مُكْتَسَبٌ من عقلي ولو كنتُ جاهلاً لكنتُ في دَعة من عيش.
وقيل أيضاً: استراح الصبي الذي لا عقل له فهو لا يفكر في مستقبل العيش ،ورأى الحسن صبياناً يلعبون فقال:مُذْ فارقناكم لم نرَ يوماً طيباً (العسكري ج1 ص147).
من أمثال العرب:فلان عينه دولاب فم أكيله:يريدون أنه يلاحظ أكيله عند الأكل وهو من أعظم العيوب عندهم (نقلاً عن الكشكول للعاملي ج3 ص105).
يقولون:أمٌ سقتك الغَيْل من غير حَبَل:يضرب لمن يدنيك ثم يجفوك ويبعدك من غيرذنب، والغيل : اللبن يرضعه الرضيع والأم حامل وذلك مفسدة للصبي ( مجمع الأمثال للميداني ص68)
يقال : أكلَ رَوْقَهُ :يضرب لمن طال عمره وتحاتّت أسنانه،والرّوق : طول الأسنان والرجل أروق.
الفرزدق: إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فلتذبح _قالها في امرأة قالت شعراً _
يقال : أثقل من قَدَح اللبلاب على قلب المريض، ومنه قول ابن بسام :
يا بغيضاً زاد في البغض على كل بغيض
يا شبيهاَ قدح اللبلاب في قلب المريض
(الميداني ص158).
يقال : أصفر سُليم: كان سُليم صيدلانيا بالبصرة،وقد عجن دواء أصفر لكل ما شُرِب له ، فكان يستشفي به كل مبرود ومحرور ، فسار مثلاً في البركة وحسن الموقع ،وقد قيل فيه غير هذا والله تعالى أعلم (نقلاً عن ثمار القلوب الثعالبي ص1).
الداء.. محنة..ومنحة..وابتلاء
بسم الله الرحمن الرحيم
المرض ابتلاء :
يقول الله تعالى في كتابه العزيز في سورة البقرة : {ولنبلونّكم بشيءٍ منَ الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين}[البقرة 155] ،ويقول الله تعالى في سوره العنكبوت {ألم * أحسبَ النّاس أن يتُركوا أن يقولوا آمنّا وهم لا يفُتنون}[العنكبوت 1 ـ 2]،ويقول الله تعالى: “{ولنبلونّكم حتى نعلمَ المجاهدين منكم والصابرين ونبلوَ أخباركم} [سورة محمد31].
فالحقُّ عزَّ وجَلّ بينَّ أن الإنسان في الحياة الدنيا قد كُتِبَ عليه البلاء،والحكمه من الابتلاء:هي التمحيص وكشف معدن الإيمان، لأن الدنيا ليست دار قراربل هي ممر للآخرة حيث لايُصاب بها المؤمن بأي مرض أو وَصب، وأحد أشكال الإبتلاء أن يُصاب الإنسان في جسمه بالمرض والداء،وهذه الإصابه ليست نقمة من الله على عبده بل هي نِعمة يمتحن الله عبده فإن صَبر ظَفر،وإن احتسب كفَرَّ عنه سيئاته ،وأما إن جزع فإنه لا يناله الثواب ولابد من مراجعة نفسه وتقوّية إيمانه.
والمرض إن ترافق مع الصبر والاحتساب يُكفِّر السيئات،ويقترن بالحسنات يقول صلى الله عليه وسلم في حديث رواه الشيخان عن أبي سعيد الخدري أبي هريرة رضي الله عنهما:”ما يُصيب المسلم من نَصب ولا وَصب ولا هَمّ ولا حزن ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يُشاكها إلا كَفرّ الله بها من خطاياه “.
يقول الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله في” فتح الباري “:
النَصب : التعب،الوَصب: المرض،الهَمّ: ينشأ عن الفكر فيما يتوقع حصوله مما يتأذى به،الغَمّ: كرب يحدث للقلب بسبب ما حصل،الحزَن: يحدث لفقدان ما يشقّ على المرء فقده .
وفي حديث آخر: “يبُتلى الرجل على حسب دينه،فإن كان دينه صلبا اشتدّ بلاؤه، وان كان في دينه رقة أبتليعلى حسب دينه ،فما يبرحُ البلاءُ بالعبد حتى يتركه يمشي على الارض ماعليه خطيئة”[ رواه الترمذي عن سعد ابن أبي وقاص رضي الله عنه وهو حديث حسن صحيح ].
وفي حديث أخر رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُوعك ،فقلت يارسول الله : إنك تُوعك وعكاً شديدا ؟ قال أجل إني أوعك كما يُوعك رجلان منكم. قلت: ذلك أن لك أجرين قال: أجل كذلك،ما من مسلم يُصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كَفرّ الله بها سيئاته وحَطّت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها”.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “من يُرد الله به خيرًا يُصب منه “ [رواه البخاري] .
وفي حديث اخر رواه مسلم عن صهيب بن سنان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن،إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له،وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له “.
وجاء في فتح الباري لإبن حجر العسقلاني: المرض: مرض البدن،وقد يطلق على مرض القلب إما للشبهة كقوله تعالى :{في قلوبهم مرض}[البقرة 10]، وإما للشهوة كقوله تعالى: {فيطمع الذي في قلبه مرض}[الأحزاب 32].
وأما الكّفارة : صيغة مبالغة من التكفير،وأصله التغطية والستر،والمعنى هنا أن ذنوب المؤمن تتغطى بما يقع له من ألم المرض. وأما المصيبة: الأصل الرمية بالسهم،ثم استعملت في كل نازلة ،وقال الراغب الأصفهاني: أصاب يستعمل في الخير والشر. قال تعالى: {إن تُصبكَ حسنةٌ تسؤهُم وإن تُصبك مصيبة}[التوبة 50] ،وقيل الإصابة في الخير مأخوذة من الصَوب : وهو المطر الذي ينزل بقدر الحاجة من غير ضرر،وفي الشر مأخوذة من إصابة السهم .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مثل المؤمن كمثل الزرع لا تزال الريح تميله ولا يزال المؤمن يصيبه البلاء ،ومثل المنافق كمثل شجرة الأرز لا تهتز حتى تستحصد ” [رواه الشيخان واحمد والترمذي].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مثل المؤمن كمثل خامة الزرع من حيث أتتها الريح كفاتها فاذا سكنت اعتدلت وكذلك المؤمن يكفا بالبلاء،ومثل الفاجر كالأرزة صماء حتى يقصمها الله تعالى اذا شاء ” [متفق عليه].
وعن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مثل المؤمن مثل السنبلة تستقيم مرة وتخر مرة،ومثل الكافر مثل الأرزة لا تزال مستقيمة حتى تخر ولا تشعر” [رواه احمد].
ثبت في الصحيح أنه لما نزل قوله تعالى: { ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يُجزَ به ولا يجدْ له من دون الله ولياً ولا نصيراً} [النساء 123]،هرع كثير من الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيهم أبو بكر الصديق وقالوا للمصطفى عليه السلام: ما الخلاص بعد اليوم يا رسول الله أي ما منّا إلا من ارتكب وزراً وما منّا إلا وقع في خطيئة، فإن لم يكن هنالك عفو ولا مغفرة فكيف يكون الخلاص إذن ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : “غفر الله لك يا أبا بكر ألست تمرض ،ألست تنصب،ألست تحزن،ألست تُصيبك اللاواء؟ قال: بلى ،قال: فهو مما تجزون به “.
وروى مسلم والترمذي والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما نزلت الآية” {من يعمل سوءا يُجز به} ” شقَّ ذلك على المسلمين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “سدّدوا وقاربوا فإن كل ما يُصاب به المسلم كفارة حتى الشوكة يُشاكها والنكبة ينكبها والمريض الذي يموت بمرضه قد يحسب شهيدا”، تقول كتب السيرة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار الصحابي جبر بن عتيك في مرض أصابه فقال قائل من أهله إنا كنا لنرجو أن تكون وفاته شهادة له في سبيل الله ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “إن شهداء أمتي إذاً لقليل،القتيل في سبيل الله شهيد ،والمبطون شهيد والمطعون شهيد،والمرأة تموت بكرا شهيدة، والحريق شهيد ،والغريق شهيد ،والمجنوب شهيد “
وجاء في الصحيح ” من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره “ [رواه الترمذي ]
(ومعنى الحديث أنه من أصيب بداء البطن وصبر ولم يجزع واحتسب ناله الأجروالثواب) .
وعن أبي سعيد وأبي هريره رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :”من قال لا أله إلا الله واللهأكبر صدقه ربه فقال لا إله إلا أنا وأنا أكبر،واذا قال لا إله إلا الله وحده قال لا إله إلا أنا وحدي،وإذا قال لا إله إلا الله لا شريك له قال الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي، وإذا قال لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال لا إله إلا الله ولا حول ولا قوه إلا بالله قال لا إله إلا أنا ولا حول ولا قوة إلا بي ،وكان يقول من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه النار “[ رواه الترمذي بسند صحيح] .
كما أن المريض يُكتب له ثواب وأجر ما كان يواظب عليه وهو صحيح معافى،جاء عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إذا مرض العبد أو سافر كتب له بمثل ما كان يعمل مقيما صحيحا “ [رواه البخاري ].
وروى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فقال: “إن بالمدينة لرجالا ماسرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم المرض ” وفي روايه “إلا شركوكم في الاجر “.
وروى الإمام البخاري عن أنس رضي الله عنه قال رجعنا من غزوه تبوك مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: “إن أقواماً خلفنا في المدينة ماسلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر “.
الآداب التي يجب ان يتحلى بها المريض:
يجب على المريض عند مرضه وإصابته أن يتحلى بآداب مُعينة حتى يكون المرض له طَهورا ومُكّفرا عن سيئاته وينال به الأجر. ومن هذه الآداب:
أولاً: الإسترجاع عند المصيبة:
وهو أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون قدّر الله وماشاء فعل .
روى الإمام أحمد رضي الله عنه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أتاني أبو سلمة يوماً من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعت من رسول الله قولاً سررت به “لايصيب أحد من المسلمين مصيبة فيسترجع عند مصيبته ثم يقول الّلهُمَّ أجرني على مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا فعل ذلك به “.
وعندما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم دمعت عيناه وبكى رحمه له وقال: “إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا ابراهيم لمحزونون ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بك يا ابراهيم لمحزونون ” [اخرجه الشيخان واحمد وأبو داود عن أنس رضي الله عنه].
وجاء في صحيح البخاري لما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الى سعد بن عباده يعوده في مرضه وقد غشي عليه فبكى وبكى معه أصحابه وقال:” إن الله لا يؤاخذ بدمع العين ولا بحزن القلب وانما يؤاخذ بهذا وأشار إلى لسانه” .
وعن ابي بكرة الثقفي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال :“دعوات المكروب الَّلهُمَّ رحمتك أرجو فلا تكِلني إلى نفسي طرفة عين،وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت” [حسّنه الألباني ].
وجاء في سنن أبي داوود ولما اعتلّ جعفر الصادق قال اللهم اجعله أدبا ولا تجعله غضبا .
ثانيا: عدم لعن الداء وسبّ الحُمّى :
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال: مالك يا أم السائب او المسيب تزفزفين ـ أي ترتعدينـ ؟ قالت: الحُمّى لا بارك الله فيها فقال: “لا تسبي الحُمّى فإنّها تذهب خطايا بني أدم كما يذهب الكير خبث الحديد” [رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه] .
وروى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضا يتلّوى من شدّة الحُمّى فقال له مواسيًا ومشجعاً: طَهور،فقال الأعرابي: بل هي حُمّى تفورعلى شيخ كبير لتورده القبور، قال فهي اذن “.
ولكن يجوز للمريض إذا سئل عن حاله أن يخبر بما يجده من غير سخط ولا برم وأن يقول قدّر الله وما شاء فعل،الحمد لله على كل حال،قل لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا” يقول ابن المعتز” ومازالت الشكوى تعرب عن لسان البلوى ومن اختلّت حالته كان في الصمت هلكته ،وقد كان الصبر ينصرني على ستر أمري حتى خذلني “( زهر الآداب ص227).
ثالثاً : الإكثار من الدعاء:
أن يكثر من الدعاء،وأن يرضى بالقضاء،وخاصه الأدعية المأثورة،ومنها دعاء النبي أيوب عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم: {وأيُّوبَ إذ نادى ربَّهُ أنِّي مسّنيَ الضرُّ وأنتَ أرحمُ الرَّاحمين * فاستجبنا له فكشفنا مابهِ من ضُرٍّ} .[الأنبياء 83 ـ 84].
قال صاحب الكشاف : “الضَّر: بالفتح : الضرر في كل شئ،وبالضم : الضررفي النفس من مرض وهزال. وقال ألطف أيوب في السؤال حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة،وذكر ربه بغاية الرحمة ولم يصّرح بالمطلوب”.
وفي الحديث الذي رواه مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بن ابي العاص لما اشتكى إليه وجعاً يجده في جسده. “ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا وقل سبع مرات أعوذ بعزة الله وقدرته من شرّ ما أجد وأحاذر “.
رابعاً : أن يحسن الظن بالله تعالى:
وأن يكون على يقين أنّ ما أصابه كان ابتلاء له،وأنه سبحانه واسع المغفرة،وأنّ رحمته وسعت كل شئ،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يموتنَّ أحدكم إلا وهو يُحسن الظن بالله عز وجل “ [رواه مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه] .
ومهما اشتدَّ به المرض فلا يتمنى الموت لأن المسلم لا يزيده عمره إلا خيراً ،عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا يتمنيَّن أحدكم الموتَ لضرٍّ نزلَ به،فإن كان لابدَّ متمنيَّاً للموت فليقلْ: الَّلُهمَّ أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني إذا كانت الوفاةُ خيراً لي ” [رواه الشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي ].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “لا يتمنى أحدكم الموت،ولا يَدْعُ به من قبل أن يأتيه . إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله،وإنه لا يزيد المؤمن من عمره إلا خيراً “ [أخرجه أحمد والشيخان والنسائي والبيهقي] .
وعن أم الفضل أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على العباس وهو يشتكي فتمنى الموت قال: يا عباس يا عم رسول الله .لا تتمنى الموت إن كنت محتسباً تزداد إحساناً إلى إحسانك خير لك،وإن كنت مسيئاً فإن تؤخَر تَستَعتب خيراً لك فلا تتمنى الموت ” [أخرجه أحمد والطبراني والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين] .
وعن قيس قال : أتيت خباباً وقد اكتوى سبعاً قال : لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن أن ندعو بالموت لدعوت به . [رواه الشيخان].
وقد جاءت عدة أحاديث في فضل طول العمر مع حسن العمل: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه أن رجلاً قال : يا رسول الله أيُّ الناس خير؟ قال: “من طال عمرُه وحَسن عمله” قال فأي الناس شر؟ قال من طال عمره وساء عمله “ [رواه أحمد والترمذي وقال حسن صحيح].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ألا أنبئكم بخيركم ؟ قالوا: نعم يارسول الله ، قال: “خياركم أطولكم أعماراً،وأحسنكم أعمالاً ” [رواه أحمد وغيره بسند حسن].
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله، قيل : وكيف يستعمله ؟ قال : يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه [رواه أحمد والترمذي والحاكم وابن حبان] .
وإن كان المرض هو مرض الموت فليقبل على الله طامعا بثوابه،راجياً مغفرته ورحمته .
حدّث المزني قال دخلت على الشافعي رحمه الله في مرض موته فقلت: كيف أصبحت قال: أصبحت عن الدنيا راحلاً ،وللإخوان مفارقًا ،ولكأس المنية شارباً ،وعلى الله وارداً،ولا والله ما أدري روحي تصير إلى الجنة فا أهنئُّها،أو إلى النار فأعزيّها ثم بكى وانشد:
فلما قسا قلبي وضاقت مذاهبي |
| جعلت رجائي نحو عفوك سُلما |
تَعاظمني ذنبي فلما قرنته |
| بعفوك ربي كان عفوك أعظما |
وقال مكحول في مرضه الذي قضى فيه : “اللحاق بمن يرُجى عفوه خير من البقاء مع من لا يؤمن شره”.
ويقول التابعي الجليل طاووس بن كيسان: ” مامن شيء يتكلم به ابن أدم إلا أحصي عليه حتى أنينه في مرضه “.
خامساً : الإحتساب
أي أن يحتسب ذلك عند الله تعالى،عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى: “ما لعبدي المؤمن عندي من جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة”. [رواه البخاري].
وعن أنس رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “إنّ الله عزّ وجلّ قال: “إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضّته منهما الجنه “[ رواه البخاري] (ويريد بهما عينيه )
عندما فقد عبد الله بن عباس عينيه وعرف أنه سيقضي مابقي من عمره مكفوف البصر محبوسا وراء الظلمات عن رؤيه الحياة والأحياء لم ينطو على نفسه ليندب حظه العاثر بل قبل القسمة المفروضة، ثم اخذ يضيف إليها مايهون المصاب ويبعث على الرضا فقال:
إن يأخذ الله من عيني نورهما |
| ففي لساني وسمعي منهما نور |
قلبي ذكي وعقلي غير ذي دَخل |
| وفي فمي صارم كالسيف مأثور |
وانظر البون الشاسع بين كلام ابن عباس وبين ماقاله صالح بن عبد القدوس لما عُمي:
على الدنيا السلام فما لشيخ |
| ضرير العين في الدنيا نصيب |
يموت المرء وهو يُعدّ حياً |
| ويخلف ظنه الأمل الكذوب |
يمُنيني الطبيب شفاء عيني |
| وما غير الإله لها طبيب |
اذا ما مات بعضك فابك بعضاً |
| فإن البعض من بعض قريب |
(عن جدد حياتك للغزالي ص 158).
وجاء في الحديث الشريف الذي أخرجه الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مايكن عندي من خير فلن أدخره عنكم،ومن يستعفف يعفه الله،ومن يستغن يغنه الله،ومن يتصّبر يصبره الله ،وما أعطي أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر”.
وعن عطاء بن أبي رباح قال لي ابن عباس رضي الله عنهما : ألا أريك إمرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى ،قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع،وإني اتكشف فادع الله تعالى لي، قال : إن شئت صبرت ولك الجنه، وإن شئت دعوت الله تعالى لك أن يعافيك ،فقالت: أصبر، فقالت: إني اتكشف فادع الله ألا اتكشف فدعا لها ” [متفق عليه].
وجاء في الكشكول للعاملي (ج3 ص178):
روي أن عيسى عليه السلام مرَ برجل أعمى وأبرص،مقعد، مضروب الجنبين بالفالج وقد تناثر لحمه من الجذام،وهو يقول: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى كثيراً من خلقه. فقال له عيسى عليه السلام: ياهذا وأي شيء من البلاء أراه مصروفاً عنك؟ فقال : ياروح الله أنا خير ممن لم يجعل الله في قلبه مما جعل في قلبي من معرفته . فقال : صدقت ،هات يدك. فناوله يده،فإذا هو من أحسن الناس وجهاً،وأفضلهم هيئة، قد أذهب الله عنه ماكان،فصحب عيسى عليه السلام ولم يزل معه .ويروى أن عروة بن الزبير أحد فقهاء المدينة السبعة شكا مرضا في رجله فكان لابد من قطعها وعرضوا عليه الخمر ليسكروه فلا يحس بألم القطع، فقال: لا أستعين على قدر الله بمعصية الله، فأرادوا أن يُشربوه المرقد أي البنج، فقال: لا فإني لا أحب أن أسلب عضوا من أعضائي وأنا لا أجد ألم ذلك لا احتسبه عند الله “.
وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى ميمون بن مهران: “كتبت تُعزّيني في عبد الملك ـ ابن الخليفة وقد مات شاباً ـ وهذا أمر لم أزل أنتظره ،فلما وقع لم أُنكره”.
وجاء في البيان والتبيين للجاحظ( ج2 ص56):
“دخل عيسى بن طلحة بن عبيد الله على عروة بن الزبير وقد قطعت رجله فقال له عيسى: والله ماكنا نعدك للصراع ولقدأ بقى الله لنا أكثرك ،أبقى لنا سمعك وبصرك ولسانك وعقلك ويديك وإحدى رجليك فقال عروه :والله ياعيسى ماعزاّني أحد بمثل ماعزيتّني به “.
إن النفوس قد تصبر على مايُصيبها مُكرهة،لأنه لا حيلة لها في دفع المصيبة ،وفي هذا يستوي المسلم وغير المسلم،ولكن الرّضى والتسليم الكامل والإيمان بأن ماعند الله خير وأبقى،وأن الباقيات الصالحات خيرٌ ثواباً وخيُر أملاً،هذه فقط من صفات عباد الله الصالحين، فالمؤمن الحقّ يسارع الى احتساب النازلة وهو مطمئن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه،وإن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وهذا أمر صعب المنال إلا لمن أعانه الله على مجاهدة نفسه بأن لا تكون الدنيا أكبر همه،ولا مبلغ علمه .
يروى عن النبي داوود عليه السلام :” اللهم لا مرضاً يُضنيني، ولا صحة تنُسيني، وكن بين ذلك”. (كما جاء في كتاب الزهد للإمام ابن حنبل ). ومن دعاء سيد التابعين الإمام الحسن البصري عند مرضه ” الَّلهُمَّ لا تجعلني ممن إذا مرض ندم ،وإذا شفي فتن، وإذا افتقر حزن، واكفني اللَّهُمَّ،وعافني في حياتي وبعد مماتي “.
روى الإمام مالك في الموطا عن عطاء بن يسار رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إذا مرض العبد بعث الله تبارك وتعالى إليه ملكين فقال انظرا ماذا يقول لعواده فإن هو إذا جاؤوه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك الى الله عز وجل وهو أعلم فيقول لعبديعلي إن توفيته أن أدخله الجنة،وإن أنا شفيته أن أبدله لحما خيرا من لحمه ودماً خيراً من دمه وأن أكفّر عنه سيئاته “.
ويروى عن التابعي الجليل محمد بن واسع الأزدي والناس حوله على فراش الموت أنه كان يستغفر ربه ويدعوه قائلا : اللهم إني أستغفرك من كل مقامِ سوءٍ قمته،ومن كل مَقْعدِ سوءٍ قعدته،ومن كل مَدْخلِ سوءٍ دخلته،ومن كل مخرج سوءٍ خرجته،ومن كل عمل سوءٍ عملته،ومن كل قول سوءٍ قلته. اللهم إني أستغفرك من ذلك كله فاغفره ل، وأتوب لله منه فتب علي. ثم نظر إلى صاحبٍ له قائلاً: أخبرني بالله عليك ما يُغني هؤلاء عني إذا أُخذَ بناصيتي وقدمي غداً وأُلقيت في النار؟ ثم تلا الأية الكريمة”{يُعرفُ المجرمونَ بسيماهُم فيؤُخذُ بالنَّواصي والأقدام}[الرحمن 41] ثمَّ فاضت روحه الطاهره.
ويروى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه دخل عليه أصحابه وهو على فراش الموت فقالوا: ماتشتكي ؟ قال: ذنوبي، قالوا: وما تشتهي ؟ قال: عفو ربي .ثم قال لمن حوله لقنوني لا إله إلا الله محمد رسول الله ،فما زال يُرددها حتى فارق الحياة.
وكان الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله ورغم ما يعانيه من الآلام التي تنوء بها الجبال الراسيات يقول لمن يطلب منه أن لا يُحَمِلَ نفسه مالا تطيق وأن يرتاح إشفاقاً عليه لما يعلم منه من شدّةِ الآلام التي كانت لا تفارقه في مرضه الأخير كان يقول لهم: خير لي أن أموت وأنا أقوم بواجبي نحو الله، من أن أموت على فراشي، فالآجال بيد الله وإنَّ ألمي من حرمان الطلاب من دروس التوجيه أشدُّ وأقسى من آلامي الجسديه ،وحسبي الله وعليه الإتكال” (نقلاً عن كتاب مصطفى السياعي رجل فكر وقائد دعوة لعبد العزيز الحاج مصطفى ص25).
وقال رحمه الله لأحدٍ كان يعوده في المستشفى وأراد أن يواسيه فقال له بعد أن قضى ليلة في آلام مضنية: “أشكرك على حسن مواساتك ،لكنك لو كنت تعلم كم أنا راضٍ بحالي لما أشفقت علي شفقتك التي تبدو عليك إني بخير نعمةٍ من الله،وتابع: قد تجد قولي غريباً لكني أقول الحق وسأفسر ذلك،إني مريض أتألم ليس في ذلك ريب،وإنك لتشاهد الآلام على وجهي وعلى يدي وفي حركتي ،لكن أُنظر إلى حكمة الله في . إنَّ الله قدير على أن يشل حركتي ،وقد شلَّ بعض حركتي فأنظر ماذا شلّ. لقد شلّ طرفي الأيسر وأبقى لي طرفي الأيمن ،فما أعظم النعمة التي أبقاها لي : أكنتُ أستطيع أن أخطَّ بالقلم لو شلّ اليمين مني؟إنَّ الله قديرٌ على أن يأخذ يصري وأنا محتاج إلى بصري أكثر من أي شيء آخر،لكنه أبقاه لي فهل أكثر من هذا لطفاً. إنَّ الله قدير على أن يُخمد قريحتي،لكنه أبقى لي قدرة الفكر والعقل فما ألطفه بي. إنَّ الله قدير على أن يشلَّ لساني فيمنعني عن الكلام، ولكنه أكرمني ببقاء قدرتي على الكلام، أفليس ذلك مِنَّةً منه وعفواً…..فما أكثر لطف الله وكرمه ومنته ونعمته، أفيحق لي يعد ذلك أن أشكو وأن أتذمر؟ أولا يجب عليَّ أن أشكر الله على نعمائه؟ (نفس المرجع السابق ص129 )
وقد قالوا أربع من كنوز الجنة: ” كتمان الحاجة،وكتمان الصدقة، وكتمان المصيبة، وكتمان الوجع” ويمكن للمريض أن يشكو وجعه وألمه لله لا يتبرم ولا يسخط جاء في العقد الفريد ج3 ص137 ـ كتاب البلاء إ ذا نزل: سمع الفضيل بن عياض رجلا يشكو بلاء نزل به فقال ياهذا تشكو من يرحمك إلى من لا يرحمك وقال من شكا مصيبة نزلت به فكانما شكا ربه”
وفي نفس المرجع ص138: “قال الشيباني أخبرني صديق لي قال سمعني شريح وانا أشتكي بعض ماغمّني الى صديق فأخذ بيدي وقال يابن اخي اياك والشكوى الى غير الله فإنه لا يخلو من تشكو اليه أن يكون صديقا،أو عدوا ،فأما الصديق فتحزنه ولا ينفعك،وأما العدو فيشمت بك انظر الى عيني هذه واشار إلى إحدى عينيه، فوالله ما أبصرت بها شخصا ولا طريقا منذ خمس عشره سنه وما أخبرت أحداً الى هذه الغاية ،أما سمعت قول العبد الصالح “{إنما اشكو بثي وحزني الى الله}” فاجعله مشكاك ومحزنك عند كل نائبه تنوبك فإنه أكرم مسؤول وأقرب مدعو .
وقال شريح القاضي “إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمد الله إذ لم يكن أعظم منها ،وأحمد الله إذ رزقني الصبر عليها،وأحمد الله إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو من الثواب،وأحمد الله إذ لم يجعلها في ديني “.
وجاء في المستطرف للأبشيهي: “قيل لسعيد بن عمرو في مرضه: إن المريض يستريح إلى الأنين وإلى شرح ما به إلى الطبيب، فقال: أما الأنين فهو جزع وعار،واللهِ لا يسمعُ الله مني أنيناً فأكون عنده جزوعاً،وأما وصف مابي إلى الطبيب،فوالله لا يحكم غير الله في نفسي، إن شاء أمسكها وإن شاء قبضها ”
وقال ذو الرياستين الفضل بن سهل بعد أن أبلَّ من مرضه إنّ في العلل لنعما لا ينبغي للعقلاء أن يجهلوها،منها تمحيص الذنب، والتعرض لثواب الصبر،والإيقاظ من الغفلة والاذكار بالنعمة في حال الصحة ،واستدعاء التوبة، والحضّ على الصدقة،وفي قضاء الله وقدره بعد الخيار.
وقال الفضيل بن عياض (كما جاء في البيان والتبيين للجاحظ ): “إن الصبر يورث البرء،وإن الجزع يورث السقم ،وبالسقم يكون الموت،وبالبرء تكون الحياة”.
وقال الحسن البصري (كما جاء في البصائر والذخائر للتوحيدي ج1 ص16) “اللَّهُمَّ لا تجعلني ممن إذا مرض ندم،وإذا استغنى فتن ،وإذا افتقر حزن ”
ويقول الشيخ مصطفى السباعي من كتاب” هكذا علمتني الحياه : “إذا اشتكيت إلى إنسانٍ مرضك أو ضائقتك،ثم لم يفعل من أجلك شيئا إلا أن يقول لا حول ولا قوه إلا بالله فلا تشتك إليه مره أخرى، فلو كان أخاً حميماً لارّقهُ ألمك،ولو كان رجلًا شهماً لبادر ألى معونتك فوفر حظك من الشكوى لمن كان له حظ من المروءه ”
ويقول ايضا ” الآلآم طريق الخلود لكبار العزائم وطريق الخمول لصغارها ”
وقال أيضا” إذا ضقت ذرعاً بمرضك فاذكر أن هنالك مرضى يتمنون ما أنت فيه لعظم ما أصابهم من الأمراض وبذلك تهدأ نفسك وترضى عن ربك”.
اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحيتنا واجعله الوارث منا وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم،والحمد لله رب العالمين.
علُ هُبلْ
بسم الله الرحمن الرحيم
أعْلُ هُبَلْ
لقد عرفت الأرض جاهليات كبيرة وكثيرة،عرفتها في دورات تاريخية متكررة،وها نحن اليوم ـ ولسوء حظ العالم والبشرية ـ نعيش دورة جديدة من دورات التاريخ،تتحكّم في العالم قوّةٌ جاهلية عظمى،تسمى أمريكا!!!وها نحن اليوم،وفي كل أنحاء المعمورة،نسمع ونرى،نحسّ ونشعر،بما يرزح به العالم من أقصاه إلى أقصاه تحت نير الطاغوت الجديد وجبروته.
نعم،لقد أصبح للعالم اليوم قوّة واحدة منفردة،تتحكّم في مصائره ومستقبله،وتتحكّم في طاقاته ومقدراته،وتتحكّم في حكامه ومحكوميه،وتتحكّم حتى في لقمة الخبز وزجاجة الحليب…قوة طاغية تحمل من صنوف الشرّ…الكثير الكثير..وتحمل من معاني الخير…القليل القليل…قوّةٌ قامت منذ نشأتها على العنصرية والإستغلال،وعلى الإستكبار والإستذلال،استولت على الأرض باستئصال السكان الأصليين،واستولت على القيادة باستعباد الآخرين…ونشأ نظام جاهلي جديد،يعتمد القوة كأساس دون كل قوة أخرى من القوى الإنسانية،نظام يوجه مصائر العالم والشعوب،وهو في داخله وضمن كيانه مُنقسم أشدّ الانقسام،وكيف لا،وهو قائم على نظام جائر،ومجتمع منحرف مُكابر:
ـ فهو نظام قائم على القلة الحاكمة المُستغِلة،والكثرة المحكومة المُستغَلَة،وعلى مجتمع يخرج السيدُ العبدَ فيه من زمرة الآدميين،والعبد فيه يمقت السيد مقت الموت فيلحقه بالآبالسة والشياطين.
ـ وهو نظام قائم على الإفراط في الملذات حتى السآم من الحياة،والإفراط في الشقاء والجحيم حتى النقمة على الحياة،فرَّ فيه السادة إلى الترف والمتعة،وغرقوا في بحور الخمر والمخدرات والضلالات،وفرّ فيه العبيد إلى الشقاء والهوان،وعاشوا حياة دون حياة أدنى الحيوان،ففسدت حياة هؤلاء وهؤلاء.
ـ وهو نظام قائم على المظاهر والتفاخر،وعلى الزينة والأبهة،وعلى مناظر المشردين والمحرومين الذين يقفون في الطوابير الطويلة من أجل صحن حساء…فيلتحفون السماء أو صفائح القصدير في ليالي الصيف والشتاء.
ـ وهو نظام قائم على أُناسٍ خربوا باطنهم وزيّنوا ظاهرهم،ولهثوا وراء القشور وزخارف الحياة،وانغمسوا في الملذات وفي الحطام وادّعوا أنهم سادة البشر،وهناك من جانب آخر ناس آخرون لهثوا وراء لقيمات الخبز،وانغمسوا في ذلّ الحياة والإستعباد ونسوا أنهم من جنس البشر،فسادت بينهم الشحناء والبغضاء.
والعدل عندهم تمثال مقدس!ولكن قد كُمّم فوه،وعُصبت عيناه،وغُلّت يداه،وسلسلت قدماه!!!
والمساواة عندهم رمز مقدس!وفي الكليات والمدارس تُدرس!ولكن لاتجد في عالم الواقع تطبيقاً أو تنفيذاً،ولا تجد في عالم الضمائر قبولاُ أو تأييداً،ولاتجد في عالم القضاء إلا تفرقةً وتمييزاً!!
والأمن عندهم أمنان،وله صورتان ،فأما أمن الكبار فقد تعهده ورعاه مجموعة من أجهزة المخابرات “العريقة”والحرس الخاص المدربين،وأما أمن الصغار فهو مضمون ومكفول،ولكن بشرط حمل السلاح،وإطلاق الرصاص عند أدنى الشبهات وأضعف الظنون،ويستحسن بل يُحذر من مغادرة المنزل عند حلول المساء،فالقوم قد قسموا أيامهم بينهم قسمة ضيزى،فالنهار قد تعهد به رجال الأمن والشرطة،والليل قد تعهد به رجال العصابات ومثيرو الفوضى!!
هذه القوة الكبرى بما تحمله من سلبيات تتحكّم في مصائر العالم في هذه السنوات الحالكات،ويا بؤس هذا العالم!!
يقول الأستاذ الحبيب عصام العطار:”ما أتعس البشرية إذا كانت أمرها ومصائرها بأيدي أفرادٍ أو دول يملكون القوة ولا يملكون الوعي أو لا يملكون الضمير”.
ويا بؤس العالم الذي يستمد أخلاقياته ومبادئه ومُثُله من خلال”رامبو”و”دالاس”و”رعاة البقر”.
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله:
“أمريكا تصلح أن تكون”ورشة العالم” فتؤدي وظيفتها على خير مايكون،أما أن يكون العالم كله أمريكا،فتلك هي كارثة الإنسانية بكل تأكيد”. ويتابع رحمه الله:”وأنا شديد الإشفاق على الإنسانية أن تؤول قيادتها إلى هذا الشعب،وهو فقير من تلك القيم الإنسانية جميعاً”.
إن هذه القوة،تستطيع أن توجه ضرباتها متى،وأنّى،وأين شاءت،ويتم ذلك تحت ستار من “الشرعية الدستورية الدولية وموافقة الأمم المتحدة”!!!ولا يملك الجميع شرقاً أو غربًا،بيضاً أو صفراً،حُمراً أو سوداً،إلا الإمتثال والإنصياع،بل الأنكى من ذلك لابدّ أن يباركوا أعمال الشرّ هذه،ويغلفونها بغلاف الخير والعدل،ولابدّ للجميع أن يطوفوا حول”البنتاغون”يتبركون ويتوسلون بأبطال حرب كوريا وفيتنام،وأبطال العراق والصومال،هاتفين،مرددين ومنادين:أُعلُ هُبَلْ…أُعلي أمريكا!!!
والعالم كله يدور حول محورها،وخبراته وثرواته تصب في خزائنها،والويل الويل لمن يعارض هذه القيادة الحكيمة!والثبور الثبور لمن يُندّد بهذه السياسة الرشيدة!فليس أمام العبيد حكاماً كانوا أو محكومين،مهما توزعت بلادهم،ومهما اختلفت مشاربهم ومآكلهم،ومهما تعددت دياناتهم ومعتقداتهم،ليس لهم إلا الخضوع والركوع،والطواف حول البيت الأبيض،والتوجه للزعيم الكبير في “الغرفة البيضاوية”مُحيين ومرددين:أُعلُ هبل…أُعلي أمريكا!!!
إننا نخاطب المخدوعين بهذه الحضارة الوهمية،ونخاطب عُبّاد الآلهة المزيفة والقيم الفانية،ونقول لهم:لا تنخدعوا وأفيقوا من سباتكم،وعودوا إلى رشدكم،فحضارة القوّة والبغي لم يتجاوز عمرها عشرات السنين،وثقوا تماماً أن من علا على أعناق الشعوب،وارتاد سُلم المجد فوق عشرات الآلاف من الجثث والضحايا فأحرى به أن يسقط مهما استمر علوه وطال بقاؤه.
ونقول لهم:لقد ظلت راية الإسلام مرفوعة مئات السنين،لأن حضارة الإسلام قامت على المنهج الرباني،وأعمدته العدل والمساواة والخير لكل البشر،ولم تقم على الشر والعدوان والعنصرية والعصبية واستغلال الآخرين واستعبادهم.
ونقول لهم:يا من تبتغون العزّة والسؤدد والمجد،عند من لايملك أن يدفع عن نفسه إعصاراً أو زلزالاً أو طوفاناً أو فيضاناً أو عاصفةً أو حريقاً،عودوا إلى كتاب الله واقرؤوا قوله تعالى:{فَكُلاً أخذنا بِذنبهِ فَمنهم مَّنْ أرسلنا عليهِ حَاصباً ومِنهُم من أخذتهُ الصَّيحةُ ومِنهُم من خَسفنَا بهِ الأرضَ ومِنهُم من أغرقنا وما كانَ اللهُ لِيظلِمَهُم ولكنْ كانوا أنفُسَهُم يظلمون}[العنكبوت 40].
ونقول لهم اقرؤوا قوله تعالى:{قُلِ الَّلهُمَّ مَالِكَ المُلك تُؤتي المُلكَ مَنْ تَشاءُ وتَنزِعُ المُلكَ ممَّنْ تَشاءُ وتُعِزُّ من تَشاءُ وتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيدِكَ الخيرُ إنَّكَ على كلِّ شيءٍ قدير}[آل عمران 26]
ونقول لهم:ثقوا تماماً بأن الإسلام هو الوحيد القادر على أن يخرج البشرية إلى برِّ الأمل والنجاة،وهو الذي يستطيع أن يمسح القنوط من قرارة الوجدان،ويُشيع الحبور في كل مكان وزمان،ويحكم العالم بأعدل القوانين وبأفضل القيم والمثل،ولن يحكم العالم بصلصلة القيود،ووسوسة الأغلال،وسوط الإستكبار.
ونقول لهم:إن الحضارة التي قامت على القوة والسطوة،سوف تنتهي بها هذه القوة إلى حيث انتهت إليه قوى الشر الأخرى،وليست روما وأثينا عن أمريكا ببعيد!!
نعم،إن القوّة قد تغلب الحقّ أحياناً،ولكن الحق يصنع القوة التي يغلب بها الباطل ويكفه عن عدوانه.
(نشرت هذه المقالة في مجلة الرائد العدد160 بتاريخ نيسان عام 1994).
ملاحظة:الإسلام الذي ندعو له هو الإسلام القائم على الحب والعدل والرحمة والمساواة،هو الإسلام الذي تمثل في سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة فاتحاً وقال لأهلها الذين ناصبوه العداء عشرات السنين ولقي منهم كل أشكال الأذى ومع ذلك قال لهم”اذهبوا فأنتم الطلقاء”،وهو إسلام عمر الفاروق القائم على العدل والمساواة والذي قال لأمير مصر عمرو بن العاص بعد أن اعتدى ابنه على أحد الأقباط فاقتص عمر الفاروق للقبطي من “ابن الأكرمين” وقال له قولته الخالدة المأثورة”متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً”،وهو إسلام الفاتح صلاح الدين الأيوبي والذي أبدى كل التسامح مع نصارى أوروبا بعد فتح القدس وذلك بشهادة الأوروبيين قبل شهادة المسلمين،وهو إسلام التسامح الخالي من العصبية والتفرقة والذي ساد في اسبانيا لثمانية قرون وبنى حضارة رائعة جميلة وعاش فيها أصحاب الديانات السماوية الثلاثة وبدون عداء أو خصومة أو عصبية…
وأما ما نشاهده اليوم من وجود بعض الحركات والتي تسمي حالها “إسلامية” وهي بعيدة كل البعد عن الإسلام وروح الإسلام وتعاليم الإسلام والتي تقوم على العنف والإرهاب والعصبية القذرة والتفرقة…فإنها لاتمثل الإسلام والإسلام منها براء وهي إلى زوال لأنها باطل،والباطل غثاء،ولابد أن تجرفه السيول وتمحقه الأيام”.
إنَّ نصرَ الله قريب
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ نصرَ الله قريب
منذ عدّة شهور ومأساة ـ بل مجزرة ـ البوسنة والهرسك لاتجد لها نهايةً أو حلاً.وهذه المجزرة قاربت ـ بل تجاوزت ـ في شدّتها وقسوتها ووحشيتها ما ارتكبه كل من الدكتاتور ستالين في الإتحاد السوفييتي سابقاً،والدكتاتور هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية من مجازر ومذابح.
والأنكى من هذا والأشدّ أن العالم”الحر” وقف يومئذ ضد هتلر وستالين،أما العالم”الحر” اليوم،فأنه يُشاهد ولا يَنفعل،ويَسمع الصريخ ولا يصخي السمع،ويسمع الصراخ ولا يُصغ السمع،بل ربما بارك أعمال المُعتدي وأيدّها معنوياً ومادياً،وهذا مايجعل وقع الماسأة على النفوس أشدُّ إيلاماً وأكثر تبريحاً.
إنّ هذه الماساة تركت،ولا بُدّ أن تترك انعكاسات قريبة وبعيدة على المستوى المحلي،والإسلامي،والعالمي.
ـ على المستوى المحلي:
إنّ هذه المأساة أدّت إلى ضياع أراضي المسلمين،واغتصاب حرياتهم وحرماتهم،وهتك أعراض نسائهم وفتياتهم وبناتهم،وهدم مساكنهم ومساجدهم،وذبح رجالهم وأطفالهم،والتنكيل بشيوخهم،وتشريد أطفالهم.ويقوم بتنفيذ هذه الجرائم جنود الصرب الذين عرفهم التاريخ بوحشيتهم وعنصريتهم،ويقف من ورائهم قوى دولية وعالمية ودينية،يُباركون خطاهم جهاراً نهاراً،أو من وراء الكواليس وخلف الأبواب المغلقة.
هذا هو الجانب المظلم من المأساة،ولكن هناك جانب آخر تظهر من خلاله خيوط الضياء والإشراق،فالشعب المسلم في البوسنة والهرسك الذي كان ارتباط معظم أفراده ـ قبل المأساة ـ ارتباطاً رمزياً،وارتباط الأعراف والتقاليد،شعر هذا الشعب المسلم بأن العالم كله قد تخلّى عنه،وسلّم عنقه لمدية الجزار،ليقطع أوداجه،ويفصد دماءه،وسلّمه للذئب الصربي الجائع ينهش لحمه،ويدّق عظامه،فإذا بهذا الشعب المسلم يزداد ارتباطاً بالإسلام،ويرى فيه الحل الوحيد للخروج من هذه المأساة،وإذا بنا نسمع ونرى كيف تحولّت شعلة الإيمان في القلوب إلى أعمال بطولة وتضحية وشجاعة،وحب للجهاد،يعجز اللسان عن وصفها،والقلب عن تصديقها،ووجدنا رجالاً مثال الشهامة والبطولة والرجولة،يدافعون عن الأرض شبراً شبراً،ويحمون أعراضهم ولو على حساب أرواحهم،ويقفون موقف العزّة والبطولة والرفض لقرارات الذل والإستسلام،رغم التهجير والتذبيح،ورغم قلّة الموارد والمساعدات،ورغم قسوة الظروف وندرة السلاح.
إنه الإيمان صانع المعجزات،وإنه الارتباط بالله القويِّ العزيز الذي لا يُعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
نعم،لقد خسرنا بقعة أرض،ولكننا شهدنا مولد شعب،وأيّ شعب!!
ـ على المستوى العربي والإسلامي:
لقد كانت صدمة العرب والمسلمين بحكامهم صدمة كبيرة،لقد أدركوا أن أكثر من خمسين دولة مسلمة عاجزة عن تقديم أبسط يد العون والمساعدة لإخوانهم الذين يُذبحون ذبح النعاج،ولأخواتهم اللاتي يُغتصبن على قارعة الطريق بالأفواج،ولأطفالهم الذين شُردوا في كل البلاد والفجاج،وأدركنا جميعاً أن معظم هؤلاء الحكام هَمهم الوحيد البقاء في كراسي الحكم،مهما كان الثمن وأنهم أحرص الناس على حياة،ولو كانت حياة مقترنة بالذل والتبعية والهوان،ولو أنها كلّفتهم أن يكونوا خونةً لأمتهم ولأمانتهم!!
نعم،اجتمع هؤلاء الحكام،وياليتهم لم يجتمعوا!!
اجتمعوا وخرجوا بقرارات وتوصيات،وما أكثر قراراتهم وتوصياتهم!!…ولكنها قرارات مكتوبة بمداد من ماء الخيانة،وتوصيات لا تحقن الدماء بل تزيدها!!
وأطلقوا النداءات تلو النداءات،ولكنها نداءات لا تصغي لها الآذان،ولا تستجيب لها القلوب،بل هي صدى يتردد بين الجبال الصامتة،ويضيع في مهبّ الرياح العاصفة!!
نعم، هم حكامٌ ….ولكنّهم محكومون…
وعودهم لأبناء المسلمين…وعيد وتهديد
ووعيدهم لأعداء المسلمين…وعود وورود
نتاج أعمالهم…قبض الرياح وحصاد الهشيم
ووسائل علاجهم…تُودي بالصحيح فكيف الحال بالسقيم!!
ولكن من خلال هذا الوضع المأساوي الذي يعيشه العالم الإسلامي بسبب ظلم حكامه،وذلِّ أبنائه،تظهر حركات البعث الإسلامي في كل أنحاء الأرض الإسلامية تريد أن تعود بالإسلام إلى ينابيعه الأصلية،وإلى جذوره المُستمدة من الكتاب والسنة.
ـ على المستوى الدولي والعالمي:
لقد بان الصبح لكُلِّ ذي عينين،وتبيّن للمسلمين خاصة،وللعالم أجمع دخائل النفوس وخبايا الضمائر لساسة الغرب،وما تحمله من ذبذبة الضمائر،وتقلبات المشاعر،تارة تظهر بكل وضوح وصراحة،وتارة أخرى في خفاء ومواربة،وتبيّن للجميع أن لسان حال هؤلاء الساسة لا يعكس لسان أفعالهم،وأنهم يتحركون بين هذا وذاك جيئة وذهاباً بين النقيضين المتباعدين،مُحكّمين في ذلك أهواءهم ومصالحهم،وتبيّن للمسلمين أن هذا العالم”المتحضر”الغربي كما يقول عنه الأستاذ الحبيب عصام العطار:”يتحرك بمنافعه ومصالحه أكثر مما يتحرك بعقله وضميره،وكم داس هذا العالم أسمى المبادىء والقيم من أجل أحقر المنافع والمصالح(كتاب كلمات ص65].
نعم، تبيّن للمسلمين أن الإيمان بهذا الغرب”الصديق” إن هو إلا وهم يتبعه وهم،وحلم لا تفيق منه إلا على حلم،وأن من يشكو إليهم آلامه وأوجاعه من المسلمين كالجريح الذي يشكو آلامه وجراحه إلى الرُّخم والعقبان!!
ومع هذا فقد ظهرت في هذا الغرب الظالم نداءات وانتقادات واحتجاجات على المستوى الشعبي والرسمي،وتبيّن لعدد ليس بالقليل من عقلاء الغرب وحكمائه أنهم أمام ساسة يقيسون الأمور بمقياسين،ويزنون الأمور بميزانين،ولكن وللأسف فإن هؤلاء القلّة من العقلاء عاجزون أن يقتحموا هذه الأسوار العالية التي أقامتها هذه الحضارة الغربية حول عقولهم وقلوبهم وطاقاتهم،فهم صرعى هذه الحضارة وهم سجناؤها أيضاً.
إن مأساة البوسنة والهرسك لإحدى الفواقر التي تندّك لهولها الجبال،فما أحراك بالأجسام التي كُسيت لحماً وعصباً ودماً،وإنها لمأساة تتفّطر من أجلها القلوب،وتتقرّح لها الجفون،هذا إن كان في الرؤوس عقولٌ تتدّبر،وفي النفوس ضمائرٌ تتذكّر،وفي الصدور قلوبٌ تتفطّر،وفي المحاجر مآق تتأثر!!
ونقول للأخوة في البوسنة والهرسك كما قال الأستاذ عصام العطار مخاطباً كل المعذبين من أبناء المسلمين في كل أرجاء الأرض:”إن دماءكم الجارية تتفجّر من قلبي،وإنّ دموعكم الساكبة تتحدّر من عيني،وإن مآسيكم الفاجعة ترافقني في يقظتي ونومي…وإن الله لبالمرصاد لكلِّ الظالمين من الأعداء السافرين أو المُقّنعين،وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون”(كتاب كلمات ص56).
ونقول لهم:إن هذه المأساة سوف تنتهي إن شاء الله،وسوف يأتي الفرج والنصر الأكيد من الله عز وجل،وإنّ صرخة الألم الشديدة التي تُرافق عُسرة المخاض،وآلام الوضع،وشدّة المعاناة،غالباً ما تنتهي مع سماع صرخة ميلاد أمل جديد،يحمل معه الرجاء والأمل،ويُنهي تباريح الألم…
(نُشرت في مجلة الرائد العدد 154 في آب عام 1993)
الدعاء النبوي في الصحة والمرض
بسم الله الرحمن الرحيم
الدعاء النبوي في الصحة والمرض
من الأحاديث النبوية والأدعية الشريفة التي نتعوّذ بها:
عن ابن عباس رضي الله عنهما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعوّذ الحسن والحسين:”أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة”وكان يقول صلى الله عليه وسلم “إن أباكما ابراهيم كان يُعوّذ بهما اسماعيل و اسحق“صلى الله عليهم أجمعين .[رواه البخاري].
وفي الحديث الشريف ” أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه”.[رواه الترمذي في سننه وأحمد في المسند وقال الألباني:إسناده حسن]
وفي الحديث الشريف:”اللهم إنّي أعوذُ بكَ من الشيطانِ الرّجيم وهمزه ونفخهِ ونفثهِ قالَ همزُهُ الموتةُ ونفثهُ الشعرُ ونفخهُ الكبر”[صحيح ابن ماجه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال الألباني:حديث صحيح].
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم:عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال: يارسول الله مُرني بكلماتٍ أقولهن إذا أصبحت وإذا أمسيت قال:قل:
“الَّلهُمّ عالم الغيب والشهادة،فاطر السموات والارض ربّ كل شيئ ومليكه. أشهد أن لا اله إلا أنت،أعوذ بك من شرّ نفسي،وشرّ الشيطان وشركه،قال:قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت،وإذا أخذت مضجعك”[رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح].
وفي الحديث الشريف:”اللهم فاطرَ السماوات والأرض عالمَ الغيب والشهادة ربَّ كلِّ شىءٍ ومليكهُ ومالكهُ أشهدُ أن لا إله إلا أنت أعوذُ بكَ من شرِّ نفسي ومن شرِّ الشيطانِ وشركهِ وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجرَّهُ إلى مسلمٍ قال قلها إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعك”[حديث صحيح عن زاد المعاد لإبن القيم عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه].
وفي الحديث الشريف:”قل: اللهم فاطرَ السمواتِ والارض،عالمَ الغيبِ والشهادة،ربَّ كلِّ شىء ومليكه،أشهدُ أن لا إله إلا أنت،أعوذُ بك من شرِّ نفسي،ومن شرِّ الشيطانِ وشِركه،قلها إذا أصبحتَ وإذا أمسيتَ،وإذا أخذتَ مضجعك”[حديث صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه والمصدر الجامع الصغير].
وفي الحديث الشريف:”كان أبو صالحٍ يأمرنا،إذا أراد أحدنا أن ينام،أن يضطجع على شقّهِ الأيمن،ثم يقول:اللهم ربَّ السمواتِ وربَّ الأرض وربَّ العرشِ العظيم،ربنا وربَّ كلِّ شىءٍ،فالقَ الحبِّ والنوى،ومُنزلَ التوراة والإنجيل والفرقان،أعوذُ بك من شرِّ كلِّ شىءٍ أنتَ آخذٌ بناصيته،اللهم أنتَ الأول فليسَ قبلكَ شىءٌ،وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدكَ شىءٌ،وأنتَ الظاهرُ فليسَ فوقكَ شىءٌ،وأنتَ الباطنُ فليسَ دونكَ شىء”[صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
ـ وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مامن عبدٍ يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة:“بسم الله الذي لايضر مع اسمه شيئ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم ثلاث مرات،إلا لم يضره شىء“.[رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح].
وفي الحديث الشريف:“إذا استيقظ أحدكم فليقل:الحمد لله الذي ردَّ عليَّ روحي وعافاني في جسدي،وأذنَ لي بذكره”[صحيح الجامع عن أبي هريرة رضي الله عنه وقال الألباني: حديث حسن].
أن جبريل عليه السلام أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:يامحمد اشتكيت؟فقال: نعم قال: :”باسم الله أرقيكَ ،من كل شيئ يؤذيك ،من شر كل نفسٍ، أو عين حاسدٍ، الله يشفيك بسم الله أرقيك”.[أخرجه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه].
وفي حديث آخر:كان إذا اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم رقاه جبريل،قال: باسمِ الله يُبريكَ،ومن كل داءٍ يشفيكَ،ومن شرِّ حاسدٍ إذا حسد،وشرِّ كلِّ ذي عين”[صحيح مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها].
وفي الحديث الشريف:”إذا وجد أحدكم ألماً،فليضع يدهُ حيثُ يجدُ ألمه،ثم ليقل سبع مراتٍ:أعوذُ بعزّة الله وقدرته على كلِّ شىءٍ من شرِّ ما أجد”[حديث صحيح عن عثمان بن أبي العاص ]
وعن قتادة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الرؤيه الصالحة من الله،والحلم من الشيطان، فإذا رأى أحدكم شيئاً يكرهه فلينفث حين يستيقظ عن يساره ثلاثا وليتعوّذ بالله من شرّها فإنها لا تضّره ” [رواه الشيخان].
وعن جد عمرو بن شعيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلمهم من الفزع:
” أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه وشّرِ عباده ومن همزات الشياطين وأن يحضرون فإنها لا تضّره “[رواه ابو داوود والترمذي وابن السني وهو حديث حسن كما جاء في تخريج مشكاة المصابيح].
وصحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:” من قرأ الأيتين من آخر سورة البقرة في ليله كفتاه”.[ الشيخان وصحيح ابن حبان عن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه].
وأخرج مسلم والنسائي وابن حبان والطبراني والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:”بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس وعنده ىجبريل إذ سمع نقيضاً من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال: يا محمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط قال: فأتى النبي فسلم عليه فقال:أبشر بنورين قد أوتيتهما لم يؤتهما نبي من قبلك فاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفا إلا أوتيته”.
وجاء في حديث أبي سعيد بن المعّلى الذي أخرجه البخاري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“أعظم سورة في القرآن الحمد لله رب العالمين “.
وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الحمد لله أم القران وأم الكتاب والسبع المثاني “[قال الألباني:حديث صحيح].
وروى احمد في مسنده والبيهقي في الشعب والسيوطي في الدرر المنثور عن عبد الله بن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :ألا أخبرك بأخيّر سورة نزلت في القرآن ؟ قلت :بلى يارسول الله،قال :فاتحة الكتاب وقال فيها شفاء من كل داء”.
وعن ابي هريره رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :”يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد فإن استيقظ وذكر الله انحلت عقده،فإن توضأ انحلت عقده فإن صلى انحلت عقده، فأصبح نشيطاً طيّب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان” .[رواه الشيخان وابو داوود].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ذُكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل نام ليله حتى أصبح قال ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه “[أخرجه مسلم].
وعن عائشه رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الَّلهُمَّ إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك “[رواه مسلم].
وعند زيارة المريض:
عن عائشه أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى مريضاً أو أوتي له قال:
“أذهِبْ البأس ربّ البأس، اشفِ أنتَ الشافي،لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يُغادر سَقما”.[رواه الشيخان وابن ماجه].
وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له عندما كان يعوده في مرضه:
“ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله ثلاثا،وقل سبع مرات : ” أعوذ بالله وقدرته من شّر ما أجد وأحاذر” [رواه مسلم وأحمد وابن ماجه].
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :قال النبي صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل فقال يامحمد اشتكيت ؟ فقلت: نعم، قال :بسم الله أرقيك من كل شيئ يُؤذيك ومن شّر كل نفس وعين حاسد،بسم الله أرقيك والله يشفيك ” [رواه مسلم وابن ماجه وأحمد.]
وفي الحديث الشريف” الَّلهُمَّ إني أسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذّة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضّراءَ مضّرة، ولا فتنة مضّلة،اللهم زيّنا بزينة الإيمان،واجعلنا هداةً مهتدين”[أخرجه النسائي وأحمد عن عمار بن ياسر رضي الله عنه وصححه الألباني].
وفي الحديث الشريف لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعُ هؤلاء الدعوات حينَ يُمسي وحينَ يُصبح اللهم إني أسألك العفوَ والعافيةَ في الدنيا والآخرة اللهم إني أسألك العفوَ والعافية في ديني ودنيايَ واهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذُ بك أن أُغتالَ من تحتي”.[أخرجه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال الألباني:حديث صحيح].
الأدعيه الشريفه اذا أصاب الانسان الهمّ والغمّ:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:“اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والحَزن،والعجز والكسل،والجبن والبخل،وضَلع الدَّين،وغلبة الرجال“[صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
وقال صلى الله عليه وسلم:”ما يُصيب المؤمن من وصَبٍ،ولا نَصبٍ،ولا سَقمٍ،ولا حَزنٍ حتى الهمِّ يُهَمُّهُ،إلا كُفِّرَ به من سيئاته”[صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما].
وعن مسلم بن أبي بكرة سمعني أبي وأنا أقول اللهم إني أعوذ بك من الهمِّ والكسل وعذاب القبر قال يابني ممن سمعت هذا قلت سمعتك تقولهن قال الزمهنَّ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولهن”[سنن الترمذي وهو حديث حسن صحيح].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”اللهم إني أعوذ بك من الهَمِّ والحَزن،والعجز والكسل،والبخل،والجُبن، وضَلع الدَّين،وغلبة الرجال”[صحيح البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه].
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”ما أصاب أحداً همٌ ولا حزن فقال:
“الَّلهُمَّ إنّي عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حُكمك عدلٌ فيَّ قضاؤُك أسألك بكل اسمٍ هو لك سميتَ بهِ نفسَك أوعلّمتهُ أحداً من خلقك أو أنزلتهُ في كتابك أو استأثرتَ به في علم الغيبِ عندَك أن تجعل القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صدري وجلاءَ حُزني وذهابَ همَّي ، إلا أذهب اللهُ همَّه وحزنهُ وأبدله مكانه فرجا . قال: فقيل: يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال :بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها ” [اخرجه احمد والحاكم وابن حبان والطبراني وصححه الالباني].
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يُقال له أبو أمامة جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة فسأله عن سبب جلوسه فقال هموم لزمتني وديون يا رسول الله قال أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله عز وجلّ همّك وقضى عنك دينك.قال: قلتُ بلى يارسول الله .قال :قل إذا أصبحتَ واذا أمسيت الَّلهُمَّ إني أعوذ بك من الهّم والحَزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل،وأعوذ بك من غَلبة الدّين وقهر الرجال”قال أبو أمامة ففعلت فأذهب الله همّي وقضى عني دَيني فالحمد لله.[رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وقال الألباني:حديث ضعيف].
وقال صلى الله عليه وسلم:”اللهم إني أعوذُ بك من الكسل والهَرَم،والمَغرمِ والمأثم،اللهم إني أعوذُ بكّ من عذابِ النار وفتنة النار،وفتنة القبر وعذاب القبر،وشرِّ فتنة الغنى،وشرِّ فتنةِ الفقر،ومن شرِّ فتنةِ المسيحِ الدّجال،اللهم اغسل خطايايَ بماء الثلج والبَرَد،ونقِّ قلبي من الخطايا كما يُنقى الثوبُ الابيضُ من الدَّنس،وباعد بيني وبينَ خطايايَ كما باعدتَ بين المشرقِ والمغرب”.[صحيح البخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها].
وعن ابن عباس رضي الله عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب “لا إله الا الله العظيم الحليم لا إله الا الله ربّ العرش العظيم لا إله الا الله ربّ السموات السبع وربّ العرش الكريم ” [رواه الشيخان وأحمد].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة:” مايمنعكِ أن تسمعي ما أُوصيكِ به، أن تقولي إذا أصبحتِ وإذا أمسيت:يا حيُّ يا قيومُ برحمتك أستغيث،أصلح لي شأني كلّه،ولاتكلني إلى نفسي طرفةَ عين“”[ رواه البزار والنسائي والحاكم والبيهقي وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ].
عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها قالت :قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا اعلمكِ كلماتٍ تقولينهنَّ عند الكَرب أو في الكرب”الله اللهُ ربي، لا أُشرك به شيئا “[حديث حسن كما في الفتوحات الربانية لابن حجر العسقلاني وقال الألباني:حديث حسن]
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال :سمعت نبيكم صلى الله عليه وسلم يقول:
“من جعل الهموم همّاً واحداً همَّ المعاد كفاهُ الله همَّ دُنياهُ ومن تشعّبت به الهمومُ في أحوال الدنيا لم يُبالِ الله في أيِّ أوديتهِا هلك”.[سنن أبي ماجة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وقال الألباني: حديث حسن]
دعائه عند النوم:
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال:
“أمسينا وأمسى الملكُ لله، والحمد لله لا إله الا الله، وحدهُ لا شريك له له الملكُ وله الحمدُ وهو على كل شيئٍ قدير ،ربِّ أسألكَ خير مافي هذه الليلة وخير مابعدها، وأعوذُ بك من شّرِّ مافي هذه الليله وشّرِّ مابعدها، ربّ أعوذُ بك من الكسل وسُوءِ الكِبر، ربّ أعوذُ بك من عذابٍ في النار وعذابٍ في القبر وإذا أصبح قال ذلك أيضاً:أصبحنا وأصبح الملك لله “[رواه مسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إذا أوى أحدكم إلى فراشه ،فلينفض فِراشهُ بداخلةِ إزاره،فإنه لايدري ما خَلَفهُ عليه، ثم يقول:”بإ سمكَ ربِّ، وضعتُ جنبي، وبكَ أرفعهُ، إن أمسكتَ نفسي فارحمها،وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ ُبه عبادكَ الصالحين “ [رواه البخاري].
وفي الحديث الشريف:”إذا أتيتَ مضجعك،فتوضأ وُضؤُك للصلاة،ثمَّ اضطجع على شِقّكَ الأيمن،ثم قل:
“اللهُمَّ أسلمتُ وجهي إليك، وفوَّضّتُ أمري اليك، وألجاتُ ظهري إليك ،رغبةً ورهبةً إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، اللهم آمنتُ بكتابكَ الذي أنزلتَ، وبنبيكَ الذي أرسلتَ، فإنك مُتَّ من ليلتكَ،فأنتَ على الفطرة، واجعلهنَّ آخر ما تتكلم به[صحيح البخاري عن البراء بن عازب رضي الله عنهما]..
وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خدّه ثم يقول:”الَّلهُمَّ بإسمك أموتُ وأحيا، وإذا استيقظ قال: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا و إليه النشور ” [صحيح البخاري].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل قال: “بسم الله وضعتُ جنبي اللهمَّ اغفر لي ذنبي وأخسىء شيطاني، وفكَّ رهاني وثّقل ميزاني واجعلني في النَّديِّ الأعلى ” [تخريج مشكاة المصابيح عن أبي الأزهر الأنماري وقال الألباني:حديث صحيح] .
ومن الأدعيه الاخرى:
“الَّلهُمَّ إنِّي أ عُوذُ بكَ من جَهْدِ البَلاءِ، وَدَركِ الشَّقاءِ، وسُوءِ القَضَاءِ، وشَماتةِ الأعداءِ” .[صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وسُئل ابن عمر رضي الله عنهما عن جَهد البلاء فقال :قلة المال وكثرة العيال،وقال عبد الله بن علي جَهد البلاء فقر مدقع بعد غنى موسع كما جاء في البيان والتبيين للجاحظ.
وقال صلى الله عليه وسلم:”الَّلهُمَّ إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والهرم والبخل وأعوذ بك من عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ” .[رواه الشيخان عن انس بن مالك] وفي روايه “وضلع الدين وغَلبه الرجال”.
وقال صلى الله عليه وسلم:”الَّلهُمَّ أصْلِحْ لي دِيني الَّذي هُوَ عِصْمةُ أمْرِي، وأصْلِحْ لي دُنيايَ الِّتي فيها مَعاشِي، وأصْلِحْ لي آخِرَتي الَّتي فيهَا مَعادي،واجْعَلِ الحياةَ زِيادةً لي في كُلِّ خَيرٍ، واجْعَلِ الموتَ راحةً لي من كُلِّ شرّ ” .[ رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وعن عائشه رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”الَّلهُمَّ إني أسألك من الخير كله عاجله وآجله ماعلمت منه ومالم أعلم، وأعوذ بك من الشرِّ كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم اعلم، وأسألك الجنة وما قرّب إليها من قول أو عمل وأعوذ بك من النار وما قرّب إليها من قول أو عمل، وأسألك مما سألك به محمد ، وأعوذ بك مما تعوّذ منه محمد، وما قضيت لي من قضاء فاجعل عاقبته رشدا ” [اخرجه البخاري].
عن شكل بن حميد العبسي رضي الله عنه قال :قلتُ يارسول الله علّمني دعاء قال :قل “اللهم إني أعوذ بك من شّر سمعي ومن شرّ بصري ومن شّرِّ لساني ومن شرّ قلبي ومن شّر منيي“[ رواه ابو داوود والترمذي والنسائي وقال حديث حسن].
وقال صلى الله عليه وسلم:”الَّلهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ من البَرَصِ و الجُنُون والجُذَامِ ومن سَيئِ الأسقامِ” “[رواه النَسائي والترمذي وابو داوود واحمد بإسناد صحيح عن انس بن مالك رضي الله عنه].
وقال صلى الله عليه وسلم:”اللَّهْمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنْ مُنكراتِ الأخلاقِ والأعَمالِ والأهواءِ والأدواء” .[رواه الترمذي وابن حبان والحاكم والطبراني عن قطبة بن مالك رضي الله عنه وقال الألباني:حديث صحيح].
وقال” الَّلهُمَّ جنّبني مُنكرات الأخلاق والأهواء والأعمال والأدواء ” .[أخرجه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وصححه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم:“اللَّهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الهَدْمِ ،وأعوذ بك من التّردي،وأعوذُ بك من الغَرَقِ ،والحَرَقِ،والهرم، وأعوذُ بكَ أن يتَخبَّطنيَ الشيطانُ عِندَالموتِ،وأعوذُ بِكَ أن أموتَ في سَبِلِكَ مُدبِراً، وأعوذُ بِكَ أن أموتَ لديغاً ” [أخرجه النَسائي وأبو داود عن كعب بن عمرو وقال المحدث شعيب الأرناؤوط حديث ضعيف] .
وقال صلى الله عليه وسلم:”الَّلهُمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ مِنَ الجُوعِ،فإنَّهُ بِئْسَ الضَّجيعُ،وأعوذُ بِكَ من الخِيانةِ فإنَّها بِئستُ البِطَانة” . [رواه النسائي وابن ماجه وابو داود عن ابي هريره رضي الله عنه وهو حديث صحيح كما قال الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم:”اللهم إني أعوذُ بك من علمٍ لا ينفع،وقلبٍ لا يخشع،ودعاءٍ لا يُسمع،ونفسٍ لا تشبع،اللهم إني أعوذُ بك من هؤلاء الأربع”حديث صحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه]
وقال صلى الله عليه وسلم:” ربِّ أعنّي ولا تُعن عليَّ،وانصرني ولا تنصر عليَّ،وامكر لي ولا تمكر عليّ ،واهدني ويسرِّ الهدى لي،وانصرني على من بغى عليَّ،ربِّ اجعلني لكَ شكاراً،لكَ ذكاراً،لكَ رهّاباً،لكَ مطيعاً،إليكَ مخبتاً،إليكَ أوّاهاً منيباً،رَبِّ تقَبَّلْ تَوبتي، واغْسِلْ حَوْبَتي،وأجِبْ دَعوَتي،واهْدِ قَلبي، وسَدِّدْ لِسَاني،وثبت حجتي ، واسْلُلْ سَخِيمةَ قَلبي” . [رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والحاكم وصححه ووافقه الذهبي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وقال الألباني: حديث صحيح].
(يقول صاحب الأمالي للقالي ج2 ص263 الحوبة: الإثم ، والسخيمة: الحقد وفيه لغات يقال في قلبي على فلان ضغن وحقد وحسد ووترودعث ودحل ووغم ودمنه وسخيمة وحزازه واحنه)
ومن أذكار الركوع:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ركع قال:
“الَّلهُمَّ لك ركعتُ، وبكَ آمنت، ولكَ أسلمتُ، خشعَ لكَ سمعي وبصري، ومُخّي، وعَظمي وعصبي.
وإذا رفع قال:”اللهمَّ ربّنا لكَ الحمدُ ملءَ السمواتِ وملءَ ألأرض،وملءَ مابينهما وملءَ ما شئتَ من شىءٍ بعد”
وإذا سجد قال:
“اللهمَّ لكَ سجدتُ،وبكَ آمنتُ،ولكَ أسلمتُ،سجد وجهي للذي خلقه،وصوّره،وشقَّ سمعَهُ وبصره،تباركَ الله أحسن الخالقين”
ثم يكون من آخر مايقول بين التشهد والتسليم:
“اللهمَّ اغفر لي ما قدّمتُ وما أخرّتُ،وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أسرفتُ،وما أنتَ أعلمُ به مني،أنتَ المُقدِّم وأنتَ المؤخرُ،لا إله إلا أنت”.
[أخرجه مسلم عن الإمام علي كرم الله وجهه].
وكان يقول في سجوده أيضاً:
“اللهمَّ اغفر لي ذنبي كُلّهُ دِقَّهُ وجِلَّهُ ،وأوَّلهُ ولآخره وعلانيتهُ وسرَّهُ”[صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
وكان يقول بين السجدتين:”ربِّ اغفر لي ربِّ اغفر لي“[صحيح ابن ماجه عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وقال الألباني:حديث صحيح].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُكثر أن يقول في ركوعه وسجوده:
“سبحانكَ اللهمَّ ربّنا وبحمدك،اللهم اغفر لي يتأوَّلُ القرآن”[صحيح مسلم عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها].
وفي الحديث الشريف:
من تعارَّ من الليل،فقال:لا إله إلا الله وحده لا شريك له،لهُ المُلكُ ولهُ الحمدُ،وهو على كلِّ شىءٍ قدير،الحمدُ لله،وسبحان الله،ولا إله إلا الله،والله اكبر،ولا حول ولا قوة إلا بالله،ثم قال: اللهم اغفر لي،أو دعا،استجيب له، فإن توضأ وصلى قُبلت صلاته”[صحيح البخاري عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه].
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل كان يُكبر عشراً،ويسبحُ عشراً،ويهللُ عشراً،ويستغفرُ عشراً،ويقول: اللهم اغفر لي،واهدني وارزقني،عشراً،ويقول: اللهم إني أعوذُ بكَ من الضِيقِ يومَ الحساب،عشراً”[تخريج المسند وقال المحدث شعيب الأرناؤوط:حديث حسن].
ومن أدعيته صلى الله عليه وسلم:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“الَّلهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنَ العَجزِ والكَسَل،والجبن والبخل،والهرم، والقسوة،والغفلة،والعيلة،والذلة،والمسكنة.وأعوذ بك من الفقر والكفر، والفسوق والشقاق والنفاق،والسمعة والرياء.وأعوذ بك من الصَمم،والبُكم،والجنون، ،والجذام، والبرص،وسىء الأسقام”[ صحيح الجامع عن أنس بن مالك رضي الله عنه وصححه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم:“اللهم إني أعوذُ بكَ من العجز،والكسل،والجُبن،والبُخل،والهَرم،وعذابِ القبر،الَّلهُمَّ آتِ نَفسِي تَقْواهَا، وزَكِّهَا أنتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا، أنتَ وَليُّهَا ومَولاها، اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع،ومن قلبٍ لا يخشع،ومن نفسٍ لا تشبع،ومن دعوةٍ لا يُستجاب لها”[صحيح مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه].
وعن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت،وهو مُسندٌ إليَّ ظهره يقول:
“اللهمَ اغفر لي وارحمني،وألحقني بالرفيق”[صحيح البخاري].
وكان الرجل إذا أسلمَ،علّمهُ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة،ثم أمرهُ أن يدعو بهؤلاء الكلمات:
“اللهمَّ اغفر لي،وارحمني،واهدني،وعافني وارزقني”[صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي رضي الله عنه].
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
“اللهمَّ اغفر لي ذنبي خَطئي وعَمدي،اللهمَّ إني أستهديكَ لأرشَدِ أمري،وأعوذُ بكَ من شرِّ نفسي”[حديث صحيح عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه].
وفي الحديث الشريف أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاهُ رجل،فقال:يارسول الله،كيف أقولُ حينَ أسألُ ربي؟قال: قل:“اللهم اغفر لي،وارحمني،وعافني،وارزقني ويجمع أصابعه إلا الإبهام فإنّ هؤلاء تجمع لك دنياكَ وآخرتك”.[صحيح مسلم عن طارق بن أشيم الأشجعي]
وكان صلى الله عليه وسلم يدعو:
“اللَّهُمَّ بِعِلمِكَ الغَيبَ وقُدْرَتِكَ على الخَلْقِ، أحْيَّنِي ما علمتَ الحَياةَ خَيرًا لي،وتَوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خَيراً لي،الَّلُهمَّ إنِّي أسألُكَ خَشْيتكَ في الغَيبِ والشَّهادة ،وأسألُكَ كَلِمةَ الحَقِّ في الرِّضا والغَضب،وأسألُكَ القَصْدَ في الغِنى والفَقرِ، واسألُك نَعيماً لا يَنفَدُ،وأسألُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لا تنقطعُ ،وأسألُكَ الرِّضَى بعدَ القَضاءِ ،وأسألُكَ بَرْدَ العَيشِ بعدَ المَوتِ، وأسألُكَ لَذَّةَ النَّظر ِالى وَجْهكَ ،والشَّوقَ إلى لِقائكَ في غَيرِ َضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، ولا فِتنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيّنا بِزينَةِ الإيمانِ،واجعلنَا هُداةً مُهتدين “. [اخرجه النسائي واحمد والحاكم عن عمار بن ياسر رضي الله عنه وقال الألباني:حديث صحيح].
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم بعد الأكل:
عن عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثمان سنين،قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قُرب له طعام قال:
“بسم الله” فإذا فرغ من طعامه قال: الَّلهُمَّ أطعمت وأسقيت ،وأغنيت،وأقنيت، وهديتَ، واجتبيت، فلك الحمد على ما أعطيت “[مسند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن جبير رضي الله عنه وصححه الألباني]
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم:
“الَّلهُمَّ إني أسألك علماً نافعاً ،ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً” [صحيح ابن ماجه عن أم المؤمنين أم سلمى رضي الله عنها وقال الألباني: حديث صحيح].
“الَّلهُمَّ إنِّي أعُوذُ بكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنفَعُ، ومن قَلبٍ لا يَخْشَعُ، ومن نَفْسٍ لا تَشبَعُ، ومن دَعوةٍ لايُستجابُ لها” .[أخرجه مسلم عن زيد بن أرقم رضي الله عنه]
عن طارق بن أشيم رضي الله عنه قال :كان الرجل اذا أسلمَ علّمهُ النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو بهذه الكلمات:”الَّلهُمَّ اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني “.[رواه مسلم ] وفي روايه أخرى عن طارق أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل فقال يارسول الله كيف أقول حين أسأل ربي قال قل:
“اللهم اغفر لي وارحمني وعافني وارزقني فإن هؤلاء تجمع لك دنياك وآخرتك”
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم:
“الَّلهُمَّ إنِّا نسألُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمتِكَ،وعَزائِمَ مَغفِرتكَ، والسَّلامةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ،والغَنيمةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ ،والفوزَ بالجَنَّةِ ،والنَّجاةَ من النَّارِ ” .[ رواه الحاكم وقال الألباني:حديث ضعيف]
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قلّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم ويجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات:
“الَّلهُمَّ اقسم لنا من خشيتك ماتحولُ به بيننا وبين معاصيك،ومن طاعتك ماتُبلغنا به جنتك،ومن اليقين ماتُهّون بهِ علينا مصائبَ الدنيا،الَّلهُمَّ مَتعنّا بأسماعنا، وأبصارنا ،وقوَّتنا ما أحييتنا ،واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مُصيبتنا في ديننا ،ولاتجعل الدنيا اكبر همّنا ،ولا مبلغَ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا” [رواه الترمذي والنسائي والطبراني عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال الألباني: حديث حسن].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو:
“الَّلهُمَ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ، والجُبْنِ و البُخْلِ والهَرَم،وأعوذُ بك من عَذَابِ القَبْرِ،وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات” . [أخرجه البخاري]
ومن دعائه صلى الله عليه وسلم : الَّلهُمَّ إنِّي أسألُكَ فِعلَ الخَيْراتِ،وتَرْكَ المُنكَراتِ،وحُبَّ المَسَاكينِ،وأنْ تَغفِرَ لي وتَرْحَمني، وإذا أردتَ فِتنةًَ في قَومٍ فَتوفنّي غَيْرَ مَفتُونٍ،وأسألُكَ حُبَّكَ وحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُني إلى حُبِّكَ ” [أخرجه أحمد والطبراني والترمذي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه وحسنه الترمذي وقال الألباني:حديث صحيح].
دعاء الاستخارة:بعد أن يتوضأ ويصلي ركعتين يدعو:
“الَّلهُمَّ إني أستخيرُك بعلمك، وأستعينك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولاأقدر،وتعلم ولا أعلم، وأنتَ علامُ الغيوب ،اللهم إن كُنتَ تعلمُ أن هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ـ أو قال: في عاجل أمري وآجله ـ فأقدره لي، ويسرّه لي، ثمَّ بارك لي فيه،وإن كنت تعلمُ إنَّ هذا الأمرَ شرّ لي في ديني، ومعاشّي ،وعاقبة أمري ـ أو قال: في عاجلِ أمري وآجله ـ فاصرفه عني ،واصرفني عنه، واقدُر لي الخيرَ حيثُ كان، ثمَّ أرضني به “قال: ويسمي حاجته.[صحيح النسائي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقال الألباني: حديث صحيح]
وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه الأستخارة كما يعلمهم القران .
دعاء صلاة الجنازة:
“الَّلهُمَّ اغفر له وارحمه ،وعافِهِ واعفُ عنه ،وأكرِم نُزله، ووسَِّع مُدخَله،واغسلهُ بالماء والثلج والبرد،ونقِّه من الخطايا كما نقيّت الثوبَ الأبيضَ من الدّنس، وأبدلهُ داراً خيراً من داره،وأهلاً خيراً من أهله،وزوجاً خيراً من زَوجه،وأدخله الجنة ونجّهِ من النار ـ أو قال: وأعذه من عذاب القبر “.[صحيح النسائي عن عوف بن مالك الأشجعي وقال الألباني: حديث صحيح]
خدعوها فقالوا….متحررة!!
بسم الله الرحمن الرحيم
خدعوها فقالوا….متحررة!!
ذكرت إحدى المجلات الطبية الألمانية عن ازدياد عدد حالات الإدمان على الغول والمخدرات في ألمانيا الاتحادية(المقال تم نشره بتاريخ 27 كانون الثاني عام 1989) وجاء في المقال مايلي:
ازداد منذ مطالع القرن العشرين وحتى الآن بشكل ملحوظ عدد حالات الإدمان عند النساء في ألمانيا الاتحادية على الغول والمخدرات والأدوية كما ازداد عدد المدخنات حسب مايلي:
يبلغ عدد المدخنات حوالي 7,7 مليون.
يبلغ عدد المدمنات على الغول حوالي 600 ألف مدمنة.
يبلغ عدد المدمنات على المخدرات(الحشيش والهيروئين…) حوالي 30 ألف مدمنة.
يبلغ عدد المدمنات على الأدوية(المهدئات والمنومات..) حوالي 330 ألف مدمنة.
والإدمان:هو الحالة المرضية التي يصبح فيها اعتماد الشخص المدمن جسدياً ونفسياً على مادة معينة،بحيث إذا حُرم منها أو انقطع عنها ظهرت لديه مايسمى بعوارض الحرمان أو الانقطاع وهذه تتجلى باضطرابات نفسية وجسدية قد تكون شديدة،وقد تكون مهددة لحياة المدمن أو غيره.
والإدمان من الأمراض التي تتطلب معالجة شديدة ومستمرة وعناية فائقة وحتى بعد الشفاء لأن حالات النكس والمعاودة ليست نادرة الحدوث،وأفضل وسائل المعالجة من الإدمان هي الوقاية بتجنب تناول المواد المسببة للإدمان كالخمر والمخدرات..
وفيما يتعلق بالتدخين يصل عدد المدخنات حالياً في ألمانيا الاتحادية إلى حوالي7,7 مليون امرأة،والنسبة إلى ازدياد وخاصة عند الفتيات دون سن العشرين،ولقد ثبت طبياً وبشكل لايستدعي الشك أن للدخان مضاره الصحية العديدة وخاصة علاقته مع خناق الصدر واحتشاء عضلة القلب وفرط التوتر الشرياني وازدياد عدد حوادث الفالج الدماغي،والإصابة بالسرطان وخاصة سرطان الحنجرة والرئة والقصبات والمثانة والكلية والمرىء والمعدة..كما يزيد من نسبة قرحات المعدة،واضطراب الدورة الطمثية،وحدوث الإياس المبكر،وكذلك ثبت عند الحوامل ازدياد حالات الخداج(الولادة المبكرة)،وولادة أجنّة ميتة،أو مواليد ناقصة الوزن إلى غير ذلك…وأذيات التدخين لها علاقة بشكل خاص مع عدد السجائر المدخنة ومدة التدخين.
وأما بالنسبة للغول والمسكرات،فقد ازدادت نسبة المدمنات على الخمر من النساء من مطالع هذا القرن وحتى الآن عدة أضعاف(النسبة كانت في بداية القرن 1/20 بين الإناث والذكور واليوم تصل حتى1/2) ويترافق الإدمان على المسكرات غالباً عند الإناث بالإدمان على المنومات والمهدئات.
وللغول تأثيراته الصحية الضارة التي أصبحت معروفة للكل وخاصة منها حدوث تشمع الكبد،او قرحات المعدة والتهاب البنكرياس المزمن أو الحاد والذي قد يسبب الوفاة احياناً،وهناك الإصابات القلبية والدورانية والعصبية،ويترافق إدمان الغول عند الحوامل بحدوث تشوهات الأجنة.
وأما بالنسبة للإدمان على المخدرات،فقد ازداد عدد حوادثها عند النساء،والإدمان يترافق هنا غالباً مع ازدياد نسبة الجرائم وحوادث الدعارة والبغاء(45 % من المدمنات على المخدرات يلجأن للدعارة من أجل تأمين المال اللازم من أجل شراء المخدرات).
هذه الإحصائية وغيرها تبين لنا وبدون أدنى شك إلى أية حال وصلت إليه المرأة في ديار الغرب منذ أن ارتفعت النداءات منذ أوائل القرن العشرين والدعوات والشعارات الفارغة بالدعوة إلى التحرر والإنفلات،والنزول إلى ميدان العمل وترك الأسرة والمنزل،والمشاركة في بناء المجتمع كما يقولون،والذين من وراء ذلك هم من شياطين الأنس ومن حذا حذوهم وسار مسارهم من عبيد المال والدنيا والجنس…
نادوا بتحرر المرأة….”فحرروها” من الثياب،وجعلوها وسيلة دعاية رخيصة،مبتذلة تكشف عن مفاتنها وعوراتها من أجل دعاية لجورب أو زجاجة عطر وربما لقطعة صابون!!وابتكروا لها مايُسمى مسابقات الجمال المحلية والعالمية،وما انبثق عنها من مسابقات ملكة الإغراء،أو صاحبة أجمل عينين أو ساقين،أو ملكة “الموضة”…إلى غير ذلك من السلسلة التي لاتنتهي والتي ليس لها هدف إلا امتهان العزّة والكرامة،وقتل آخر ذرة شرف وفضيلة في المرأة وكل هذا وللأسف يتم تحت غطاء من القانون وحماية الدستور!!
و”حرروها” من الفضيلة ،ورموا بها في مهاوي الرذيلة والفساد والبغاء،فأصبحت في كلِّ دكان جنس،وفي كل شريط فيديو،وفي كلِّ مجلة إباحية،وفي كل الأفلام “المتحررة”…فإذا ما انطلقت صيحات بل همسات خافتة هنا وهناك تدعو إلى الإقلال من هذه الإباحية وهذا التحرر الجنسي تصدّت لها ما تسمى بالأقلام والمجلات “الحرة” تندد بتلك الهمسات وتخنقها قبل ولادتها بدعوى أننا مجتمع”حر” يفعل المرء فيه مايشاء!!
“وحرروها “من الشرف،فلم يعد هناك مدلول لكلمة الشرف في قواميس الغرب،وإن استعمل كان استعماله لمدلولات أخرى لا علاقة لها بالفضيلة والعفة،وصار من العار والشنار أن تبلغ الفتاة سن السادسة عشرة من دون أن يكون لها تجارب جنسية،وقصص غرامية وإلا اعتبرت “معقدة”أو”مريضة”!!
و”حرروها “من المنزل ورعاية الأسرة والأطفال،ورموا بها في ميادين العمل،فأصبحت تعمل في كل مهنة وفي كل مكان وإن كان لايتناسب مع تركيبها البيولوجي والنفسي،وتُداس كرامتها وتنهار قواها،وتتعرض للمضايقات المتكررة وخاصة الجنسية من زملاء وأرباب العمل ابتداءً من الكلمات البذيئة الحقيرة،ومروراً بالنكت والنوادر السفيهة،وانتهاء بممارسة الجنس معها وتبين الإحصائيات أن حوالي 60 بالمائة من النساء العاملات يتعرضن لهذا في ديار الغرب.أضف إلى ذلك إجبارها على الساعات الإضافية،وما أدراك ما يحدث في تلك الساعات الإضافية؟!
والذي نجم عن ذلك كله هو أسرٌ مشتتة(كل ثالث زيجة في ألمانيا تنتهي بالطلاق) وأطفال محرومون من العطف والحنان ينتظرون ساعة أن يصبحوا كباراً ليرموا بآبائهم وأمهاتهم في دور العجزة والمسنين انتقاماً لهذا الحرمان الذي عانوه صغاراً فتحول عندهم حقداً كباراً.
نعم،هذا بعض مافعلته شعارات تحرير المرأة في ديار الغرب:
نزعوا منها الحنان والأنوثة والعاطفة وجعلوها رمزاً للأنانية والقسوة.
أحالوها من كتلة عواطف وأحاسيس إلى آلة يحركونها متى شاؤوا وآنى شاؤوا.
فانطلقت المسكينة تبحث عن الدواء الذي يُخفف ولا يشفي،لأنه ليس بالإمكان شفاء هذا الداء العضال،فلم تجد سوى الخمر والدخان والمخدرات والمهدئات..يخفف عنها بعض ما تقاسيه ولكنها كانت كما يقول الشاعر “وداوني بالتي كانت هي الداء”فازداد الطين بلة واتسع الخرق على الراقع.
أما أنت أيتها المسلمة فإنك بحجابك درع للشرف والعفة والفضيلة،وأنت في منزلك تقومين بأشرف المهن،مهنة “صنع الأجيال”وأنت بالتزامك بدينك وأينما كنت تصنعين أفضل المجتمعات،وأنت بأعيننا وكيف لا،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خيركم خيركم لأهله،وأنا خيركم لأهلي“[رواه الترمذي وصححه الألباني عن عائشة رضي الله عنها] “وقال في حجّة الوداع يوصي وينصح”استوصوا بالنساء خيراً”[رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه]
(نشر في مجلة الرائد العدد 122 ؤبتاريخ إيلول عام 1989)
رسالة إلى الأحبّة في تل الزهور
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة إلى الأحبّة في تل الزهور
مرت على إبعاد الإخوة الأحبّة إلى تل الزهور عدة شهور،ولقد حدثت عُقيب إبعادهم ضجّة كبيرة على المستوى العربي والإسلامي والعالمي،وتناولت قضيتهم معظم صحف العالم بالإستنكار والتنديد،ثمّ بدأت هذه الضجّة تتراجع تدريجياً حتى اختفت تماماً وتلاشت،مع أن الواقع الأليم لم يتغيّر فالظلم واقع،والظالم غير مبالٍ ولا سامع،ولكن هذا ليس بالغريب علينا فيما يتعلق بقضايا الإسلام والمسلمين،فعهدُنا بحكامنا وحكام عالمنا بالنسبة لقضايا المسلمين”أذنٌ من طين وأخرى من عجين”!!
أيها الأخوة الأحبّة في تل الزهور:
ـ يا منْ أحييتُم الأرض البوار بصلاتكم وسجودكم،فاهتزّت وربّت،عندما خالطت تُربتها دموع خشيتكم،فأورقت وأينعت بعد سنوات عِجاف من البوار والموات من جراء دوس أقدام رجال الإحتلال،الذين عُرفوا بقساوة القلوب فكيف الحال بأقدامهم!!
ـ يا من ذرفت عليكم السماء أمطاراً وثلوجاً بعدما وصلتها دعواتكم وصلواتكم،فإذا الأرض تطهر من دَنس الغاصبين وإذا بالأجسام والأبدان تُطهّر أجسام العابدين المُرابطين.
ـ يا من عانيتم قرَّ البرد،فدعوتم ربّكم كما دعا الخليل من قبلكم،فإذا به يتحوّل قُرّة لأعينكم ،ويثلج صدوركم ويُقوّي برد يقينكم.
ـ يامنْ قاومتم العدوّ الغاصب،وتغلّبتم عليه بحرارة إيمانكم،ونور عزائمكم،وشعلة اليقين المُتقدّة في قلوبكم.
ـ يا من سكنتم الخيام،والتحفتم السماء،وافترشتم الأرض،ولكنكم صنعتم ما عجز عنه سكان القصور من الحكام الذين باعوا الأرض واستباحوا العرض.
ـ يامن بثباتكم وصبركم صفعتم الذل في جبين زعمائكم وحكامكم،وصفعتم الصلف والغرور في جبين أعدائكم.
ـ يامن أرسلتموها دعوات مظلومين عقب صلوات الأسحار في ليالي رمضان فإذا بها تتحوّل إلى حجارة وزخات رصاص تنهلّ على الأعداء.
أيها الأحبّة في تل الزهور:
ـ لقد هزمتم،أنتم الفئة القليلة المؤمنة،جيش الغرور والصلف والعدوان،وبدأ لأول مرة مذ احتل الأرض بالتراجع والتنازل،وكان عهدنا فيه أنه لايعرف التنازل والتراجع إلا من قبل حكام المسلمين الذين وجهتم إليهم الصفعات،تلوّ الصفعات،وكان قد اعتاد أن يُرسل الصفعات إلى حكامكم،الذين كانوا يواجهونها بالتنازلات عقب التنازلات!!
ـ نعم،بدأ الباطل بالتراجع،بدأ العدّ التنازلي له..لأنه لأول مرة منذ احتلال الأرض أخذ الحقّ يواجه الباطل…وقبل ذلك كان هناك باطلٌ ضعيف يواجه باطلاً أضعف منه{وقُل جاء الحقُّ وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}.[الإسراء81].
أيها الغرباء في تل الزهور:
ـ أبعدوكم عن الأرض…فأصبحت كل الأرض ترنو إليكم
ـ أبعدوكم عن الأهل….فإذا بكل المسلمين أصبحوا أهاليكم
وأرادوا بإبعادكم قتل الإنتفاضة،فإذا بها تتحوّل إلى شرارة غضب ونار،ولهيب جهنم و إعصار،يقتلع جذور الظالمين،ويُمزّق نفوس الشامتين،ويُنذر بقرب رحيل الغاصبين.
أيها الغرباء في تل الزهور:
تذكّروا ….أنه ليس لكم إلا الله ناصراً ومعيناً.
فلا تتوجهوا بالنداء إلى حُكامكم…فإن كثيرين منهم،حكام مَحكُومين،أمرهم ليس إليهم،والأوامر تُملى عليهم ،بينهم وبين نور الحق أكنّة فوقها أكنّة،أحاطت بالقلوب إحاطة السوار بالمعصم،فلا ينفذ إليها نور الحق ولا يجد إليها سبيلاً.
ولا تتوجهوا بالنداء إلى حُكام هذا العالم…فمن وراء قناع الديمقراطية والمساواة والعدالة والحرية الذي يتستّرون به تجدون نفوساً قد اشرأب الظلم خلايا أبدانها ،وعَشّشَ الفساد في قلوبها،وسار فيها مجرى الدم في العروق،تُحرّكها المطامع والعصبيات العرقية والقومية والدينية،وهم حربٌ على الإسلام والمسلمين وما تُخفي قلوبهم أكبر.
تذكّروا…أنه ليس لكم إلا الله ناصراً ومُعيناً
تذكّروا…وأنتم تدّقون أوتاد الخيام…أنه مع كلِّ شررٍ يتطاير من كل ضربة فأس على صخرة كؤود أو حجر جلمود،سترون فيها تباشير فتح القدس والأقصى الحبيب،كما أرُيَت رسولكم وحبيبكم تباشير فتح المدائن والشام والقسطنطينية.
تذكّروا…أن حصار الشِعَب في مكة استمر عدّة شهور(ثلاث سنوات)…ولكن عاد المحاصرون بعد عدّة سنوات بالفتح العظيم يُحطّم الأوثان البشرية والحجرية.
وتذكروا قول الله تعالى:{إنّ الله يُدافعُ عن الذينَ آمنوا إنّ الله لايُحبُّ كل خوان كفور*أذنَ للذين يُقاتلونَ بأنّهم ظُلموا وإنَّ الله على نصرهم لقدير*الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربّنا الله….}[الحج38 ـ 40]
فاصبروا فالعاقبة للمتقين.
(نشر هذا المقال بمجلة الرائد العدد 151 في شهر آيار عام 1993).
رفقاً بنا أيُّها الأمير
بسم الله الرحمن الرحيم
رفقاً بنا أيُّها الأمير
تبرع أحد ملوك العرب بمبلغ 150 ألف جنيه استرليني من أجل أن تُجرى عملية معقدة لفتاة انجليزية صغبرة،وتبلغ تكاليف العملية حوالي 250 ألف جنيه تبرع منها الشعب الإنجليزي بمبلغ 100 ألف جنيه وتبرع بالباقي صاحب الجلالة،بعد أن وصلته أخبار هذه الفتاة الصغيرة وتأثر لما سمع وحزن حزناً جديداً لوضعها الصحي.وقد تمَّ بالفعل إجراء العملية للفتاة الصغيرة،وشكر والداها صاحب الجلالة على كرمه وجوده وعطفه!!
وتبرع أمير إحدى الإمارات العربية بمبلغ مليون جنيه استرليني،بعد أن وصلت إلى مسامعه أخبارٌ مَفادها أن حديقة الحيوان في لندن سوف تغلق أبوابها للأبد لوقوع عجز مالي كبير،لم تستطع الحكومة الإنجليزية أو الشعب الإنكليزي مد يدّ العون فيه،فتبرع سموه بهذا المبلغ لإبقاء الحديقة،ومن أجل أن ينعم أطفال الإنجليز وأهلهم برؤية الحيوانات وقضاء أسعد الأوقات!!ولم أدر هل أُرسل لسمو الأمير رسالة شكر على هذا؟وإذا أُرسلت فمن أرسلها؟!
شاهدت هذين الخبرين على إحدى القنوات العربية التي تبث برامجها من لندن وسألت نفسي:
ـ ترى ألم يصل إلى مسامع صاحب الجلالة ـ الذي تأثر وحزن للفتاة الإنجليزية ووضعها الصحي ـ ألم تصل إليه أخبار عشرات ومئات ألوف المسلمين المحاصرين في قطاع غزة المحتل،وفي البوسنة والهرسك،ألم يتأثر بأخبار مئات الجرحى من أطفال الإنتفاضة،وآلاف الجرحى من مسلمي البوسنة والهرسك؟
ألم تصل مسامعه أخبار مئات بل الآلاف من أطفال العراق يموتون بأتفه الأمراض،والسبب هو نقص بل انعدام الدواء ـ أبسط الدواءـ !!
ألم تصل مسامعه أخبار مئات بل آلاف الجرحى من مسلمي البوسنة والهرسك يموتون بسبب أبسط الجروح والأذيات لعدم توفر إجراء بعض العمليات ـ أبسط العمليات ـ لنقص بل انعدام توفر الأجهزة الطبية ـ أبسط الأجهزة ـ !!
ألم يصل مسامع صاحب سمو الأميرـ الذي تأثر لإغلاق حديقة الحيوان ـ كم من المساجد والمنازل والمشافي هُدمت فوق رؤوس ساكنيها وقاطنيها في جنوب لبنان وفي البوسنة والهرسك،وكم من المساجد والمشافي حُكم عليها بالإغلاق في كثير من ديار المسلمين لأنها لم تجد من يقدم لها يد العون.هل تأثر سمو الأمير بإخبار إغلاق الحديقة ولم يتأثر لصور الحرب والدم والنزيف في كل مكان من أوطان المسلمين؟!!
أما أنتم يا أطفال الإنجليز ـ وما أدراك ما الإنجليز ـ فبشرى لكم إبقاء حديقة الحيوان،وتَنّعموا فيها أيام العطل مع أهاليكم وتمتعوا برؤية الأسود والثعالب والأفاعي:وتعلّموا منها عندما تكبرون كيف تنقضون على أطفال ونساء وشيوخ المسلمين وتنشبون فيهم الأنياب والمخالب،وتعاملونهم بالمكر والخداع فعل الثعالب،وتنفثون فيهم السموم والأحقاد.
وأما أنتم ياحكام المسلمين:فتمتعوا بمال الله الذي استودعكم إياه،وتبرعوا بأموال المسلمين تنفقونها ذات الشمال وذات اليمين،على أعداء المسلمين،فما أوصلنا والله إلى ماوصلنا إليه إلا بعدكم عن الإسلام والدين،وبُعد علمائنا عن قول كلمة الحق ومناصحة الظالمين،ووهن شعوبنا وحرصهم على الحياة وخوفهم من اليقين(الموت).
ورفقاً بنا أيها الأمير،فإن لم يُرفق بنا، فمن يرفق بكم يوم الدين.
(نشر في الرائد العدد 145 بتاريخ آب عام 1992).
صرخةُ التحدي
بسم الله الرحمن الرحيم
صرخةُ التحدي
المسلمون في فلسطين المحتلة مُعذّبون،مُحاصرون،مُضطهدون.والعالم كلّه من أقصاه إلى أقصاه ينظرُ إليهم ولايبالي،والجلادون هم من بني صهيون.
والمسلمون في البوسنة والهرسك مُعذبون،محاصرون،مضطهدون،والعالم كله من أقصاه إلى أقصاه ينظر إليهم ولا يبالي،والجلادون هم حفدة الصليبيين من الصرب والكروات وأتباعهم.
والمسلمون في بورما،معذبون،محاصرون،مضطهدون،والعالم كله من أقصاه إلى أقصاه ينظر إليهم ولا يبالي،والجلادون هم من أتباع بوذا.
والمسلمون في الهند معذبون،محاصرون،مضطهدون،والعالم كله من أقصاه إلى أقصاه ينظر إليهم ولا يبالي،والجلادون هم من عبّاد البقر من الهندوس.
الضحية في كل مكان واحدة،وهي كل من انتسب إلى الإسلام،ولو لم يكن مسلماً صادق الإيمان،ولو كان فقط إسلام الهوية أو التقاليد.
والجلادون،اختلفوا في الشعارات واتفقوا على الغايات،بل قُل على الغاية الرئيسية وهي استئصال المسلمين.
ونحن نقول لكلِّ هؤلاء الجلادين:
اضربونا…فلن يزيدنا الضرب إلا صقلاً،فالذهب لا يُنقّى إلا بالصهر والحريق.
وجوعونا…فلن تزيدنا مرارة الجوع إلا قُرباً من الله ومن صراطه المستقيم.
وعذّبونا…فمع كل سوط يهوي على الأجسام تتّفتح جروح جديدة،تهتف باسم الله،وتندمل معها جروح قديمة كانت بعيدة كلِّ البعد عن الله.
ومع كلِّ غلٍّ يضغط على الأعناق،تصدر عنها أنات،تنادي ربَّ السماء،بعد أن كان لايصدر عنها إلا الهباء.
ومع كلِّ قذيفة تسقط على الديار،يخرج ضياء مُتصّل بنور الله،يُنير لنا القلوب التي كان يُعشّشُ بها الظلام.
افعلوا بنا ما شئتم،فلقد تعلّمنا من خلال التعذيب والتشريد والتقتيل أنه لا ناصر لنا إلا الله،وأن عدوّنا هو عدوُّ الله.
وثقوا تماماً أيها الجلادون :
أن الصرخات ستتحوّل إلى صلوات.
وأنّ الأنات ستتحوّل إلى دعوات.
وأنّ الحصار لن يزيد فينا إلا الإصرار.
وثقوا تماماً أن أطفال تل الزعتر والبوسنة،وأطفال القدس وبورما،سوف يكبرون وسوف يصبحون رجالاً تظنون أنهم أقرب إليكم قلباً…ولكنهم سوف يكونون عليكم حرباً.
وأردتم لهم عن الإسلام الإنسلاخ…فزادهم من الإسلام قُرباً صيحات الصراخ
ثقوا تماماً أن الإسلام سوف يعود،وحتى يعود الإسلام سوف نبقى:
غصّة في حلوقكم
وشوكة في أجسادكم
ونكداً في عيشكم
لأنكم أعلنتم علينا الحرب وأردنا لكم السلام.
وأردتم لنا الجحيم وكنا نتمنى لكم الهداية والنعيم.
ولأنكم تربيّتم على الغدر والخيانة،ونحن رضعنا من ثدي العهد والأمانة.
ثقوا تماماً أنه عندما يصقل الحديد بالضرب،ويُفتن الذهب بالحريق،وينّقى الثوب الأبيض من الدنس بالتغريق.
ثقوا تماماً أننا عندها سوف نعود لكم،ولكننا لن نكون مثلكم لأن التاريخ يقول عنا أننا نعفو عند المقدرة،ونصمد عند النائبة.
(نشر في مجلة الرائد العدد145 بتاريخ آب عام 1992)
عرب القرن العشرين ـ حال العرب على مرّ العصور وكرّ الدهور(أشعار)
بسم الله الرحمن الرحيم
عرب القرن العشرين
إن الذي يُتابع الأحداث التي يمر بها العالم العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة ليشعر بالتمزق يعصف بقلبه وبالأسى يعصف بوجدانه للواقع المؤلم والحزين الذي وصل إليه العرب والمسلمون من الغثائية،والتمزق والخضوع لطواغيت القرن الحالي وخاصة الطاغوت المُتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية.
لقد حاول البعض أن يُشّبه هذا الوضع الذي تعيشه أمتنا ويقيسه على وضع عرب الجاهلية قبل الإسلام،ويقول :إننا عدنا إلى الجاهلية الأولى ،ولو كان الأمر كما يقول لهانت المصيبة، ولسهل وقعها على النفس،ولكن من يستقرىء وضع عرب الجاهلية الأولى قبل الإسلام وعرب القرن العشرين يجد أن البون شاسع والفرق كبير مابين هؤلاء وأولئك،فجاهلية عرب القرن العشرين أشدّ بلاءً وأكثر فتكاً وأصعب علاجاً من الجاهلية الأولى.
ـ فعرب الجاهلية الأولى كانوا على الرغم من كثرة المثالب والمساوىء التي كانوا يتصفون بها،كانوا أهل كرامة ونخوة وإباء،يأبون الضيم والظلم على أنفسهم وعلى من استجار بهم،وكانت صفة النخوة والكرامة لا تفارقهم على مرِّ الأوقات وتباعد المسافات.ويكفي أن نضرب مثالاً على ذلك:إن النعمان بن المنذر قَبِلَ الموت وأن يُداس تحت أقدام فيلة كسرى أبرويز على أن يُسلّم أسرته وأهله وبناته إلى كسرى الذي أرادهم لنفسه.
أما عرب القرن العشرين فهم يُنعتون في كل مكان بأقبح الألفاظ وأبشع المُسميات وأردأ الصفات،ولانجد حاكماً من حكامهم ولا مسؤولاً من مسؤوليهم يُدافع عنهم أو يدفع عنهم هذه الإتهامات،وهذه الإفتراءات،وقد وصل الأمر أن إحدى الصحف البريطانية نشرت كاريكاتوراً شبّهت العرب به بالخنازير! فلم يحتج على ذلك أحد من العرب وحكامهم،بل إن الذين احتجوا على ذلك هم الخنازير!حيث نشرت الصحيفة في اليوم التالي كاريكاتوراً يحتجُ فيه الخنازير على تشبيههم بالعرب!!!فأيّ هوان بعد هذا الهوان؟..إنه إذلال مابعده إذلال وإحتقار ما بعده إحتقار!!
ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا يغيرون على القبائل والديار،يقتلون الرجال ويسبون النساء والأطفال،ولكننا لم نسمع عنهم أنهم في غاراتهم كانوا يقتلون النساء والأطفال،أو أنهم كانوا يُجوِّعون أو يُعطشون خصومهم وأسراهم.وعرب القرن العشرين يُغيرون على بني جلدتهم ودينهم ويقتلون ويُمثلون ويغتصبون،ويُظهرون عليهم البطولة والشجاعة والبطش،ولكنهم أمام أعداء أمتهم جبناء كل الجبن،يُظهرون الاستسلام والخضوع والركوع لهم ولأسيادهم،بل الأدهى من هذا أنهم يحاصرون بني جلدتهم ودينهم ويجوعونهم ويعطشونهم وحتى يضطرونهم لأكل الحشائش والجرذان ولحوم الجثث المتفسخة”طبعاً بعد أن أفتى لهم وسمح بأكلها بعض علماء المسلمين”!!!
ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا يتصفون بالكرم ويُغدقون المال والنفس والنفيس ليس على الأهل والأصدقاء،بل على الضيوف والغرباء،بل إن أحدهم وهو حاتم الطائي ذبح حصانه وهو ماله الوحيد والثمين الذي كان يملكه من أجل أن يقدّم لحمه لضيف أو جار جائع ولم يكن عنده غيره ليقدمه إليه.
أما عرب القرن العشرين وخاصة من تملّك منهم المال الوفير كبعض أمراء وشيوخ النفط فهم والحق يقال:كرماء يقدّمون المال والولاء!! ولكن ليس لبني جلدتهم ودينهم بل إلى أسيادهم الحقيقين في أمريكا وأوروبا، ويقدّمون هذا المال طلباً لإبتسامة الرضا،ولاينالونها ولو ظاهراً!!ومن أجل أن ينُعم عليهم أسيادهم بالرعاية والحماية،وهم يمنحونها إياهم مقابل الأتاوة و”البلطجة” لا حباً فيهم ولا بأمثالهم.وهم من جانب آخر يمنعون المال والمساعدات البسيطة عن أهل فلسطين المحتلة وعن كل الشعوب العربية والإسلامية التي يعاني أكثرها من الجوع والفقر والمرض وهم يعيشون ولا يدرون ماذا يفعلون بهذا المال الوفير الذي استودعهم الله إياه،وإذا بهم يقررون أن يقدموا جزءاً منه إلى رئيس روسيا من أجل مساعدته في رفع مستوى بلده الحاقد على الإسلام والمسلمين،بينما الملايين في الجمهوريات السوفيتية الإسلامية لا يجدون من يقدم لهم رغيف الخبز،والملايين من المسلمين في البوسنة والهرسك لايجدون من يقدم لهم العون والمساعدة ويدافع عن أرواحهم وأعراضهم تجاه الحاقدين من المتعصبين والعنصريين من الصرب وأتباعهم.
ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا إذا استُنصروا نصروا،وإذا وعدوا أوفوا،ولو على حساب المال والروح،لقد وقفوا في معركة ذي قار تجاه إحدى أقوى القوتين في ذلك العصر،تجاه الفرس،لأنهم رفضوا أن يسلموا أسرة النعمان بن المنذر لكسرى الفرس،فقد كانت أمانة عندهم وخاضوا الحرب ضد الفرس وانتصروا.أما عرب القرن العشرين فهم أتباع للطاغوت الأمريكي يفعل بهم مايريد ويتبعونه حتى ولو دخل جحر ضب دخلوا وراءه لا يسألونه لماذا دخل!!
هذه أمثلة بسيطة عمّا يعيشه عرب القرن العشرين،لا أقولها داعياً لليأس والقنوط ـ معاذ الله ـ ولكن من أجل وضع اليد على الجرح،ومن أجل معرفة الأسباب،لأنه إذا عرف السبب سهل التشخيص ومعالجة الداء.
وأنا لا أقول هذا حقداً على العرب،فأنا عربي أعتز بعروبتي،وقبل هذا أنا مسلم أشفق على أمتي.
أقول هذا وأدعو الله من قلب جريح أن يُخرج من أصلابهم من يُعيد للدين عزّته وللمسلم كرامته،وسوف يخرج هذا الجيل من الغرباء،سوف يخرج ليس في هذا شك فهو وعد الله ورسوله بأن هذا الدين سوف يعود،وسوف تعود راية الحقّ مجدداً تنشر الحق والعدل والمحبة والمساواة في كل ربوع العالم رغم الطاغوت ورغم الجبروت ورغم الظلام وظلم الأنام{واللهُ مُتمُّ نوره ولو كره الكافرون}.[الصف 8].
(نشر المقال في مجلة الرائد العدد 143 بتاريخ آيار عام 1992)
عرب القرن العشرين ـ حال العرب على مرّ العصور وكرّ الدهور(أشعار) بسم الله الرحمن الرحيم عرب القرن العشرين إن الذي يُتابع الأحداث التي يمر بها العالم العربي والإسلامي في السنوات الأخيرة ليشعر بالتمزق يعصف بقلبه وبالأسى يعصف بوجدانه للواقع المؤلم والحزين الذي وصل إليه العرب والمسلمون من الغثائية،والتمزق والخضوع لطواغيت القرن الحالي وخاصة الطاغوت المُتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية. لقد حاول البعض أن يُشّبه هذا الوضع الذي تعيشه أمتنا ويقيسه على وضع عرب الجاهلية قبل الإسلام،ويقول :إننا عدنا إلى الجاهلية الأولى ،ولو كان الأمر كما يقول لهانت المصيبة، ولسهل وقعها على النفس،ولكن من يستقرىء وضع عرب الجاهلية الأولى قبل الإسلام وعرب القرن العشرين يجد أن البون شاسع والفرق كبير مابين هؤلاء وأولئك،فجاهلية عرب القرن العشرين أشدّ بلاءً وأكثر فتكاً وأصعب علاجاً من الجاهلية الأولى. ـ فعرب الجاهلية الأولى كانوا على الرغم من كثرة المثالب والمساوىء التي كانوا يتصفون بها،كانوا أهل كرامة ونخوة وإباء،يأبون الضيم والظلم على أنفسهم وعلى من استجار بهم،وكانت صفة النخوة والكرامة لا تفارقهم على مرِّ الأوقات وتباعد المسافات.ويكفي أن نضرب مثالاً على ذلك:إن النعمان بن المنذر قَبِلَ الموت وأن يُداس تحت أقدام فيلة كسرى أبرويز على أن يُسلّم أسرته وأهله وبناته إلى كسرى الذي أرادهم لنفسه. أما عرب القرن العشرين فهم يُنعتون في كل مكان بأقبح الألفاظ وأبشع المُسميات وأردأ الصفات،ولانجد حاكماً من حكامهم ولا مسؤولاً من مسؤوليهم يُدافع عنهم أو يدفع عنهم هذه الإتهامات،وهذه الإفتراءات،وقد وصل الأمر أن إحدى الصحف البريطانية نشرت كاريكاتوراً شبّهت العرب به بالخنازير! فلم يحتج على ذلك أحد من العرب وحكامهم،بل إن الذين احتجوا على ذلك هم الخنازير!حيث نشرت الصحيفة في اليوم التالي كاريكاتوراً يحتجُ فيه الخنازير على تشبيههم بالعرب!!!فأيّ هوان بعد هذا الهوان؟..إنه إذلال مابعده إذلال وإحتقار ما بعده إحتقار!! ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا يغيرون على القبائل والديار،يقتلون الرجال ويسبون النساء والأطفال،ولكننا لم نسمع عنهم أنهم في غاراتهم كانوا يقتلون النساء والأطفال،أو أنهم كانوا يُجوِّعون أو يُعطشون خصومهم وأسراهم.وعرب القرن العشرين يُغيرون على بني جلدتهم ودينهم ويقتلون ويُمثلون ويغتصبون،ويُظهرون عليهم البطولة والشجاعة والبطش،ولكنهم أمام أعداء أمتهم جبناء كل الجبن،يُظهرون الاستسلام والخضوع والركوع لهم ولأسيادهم،بل الأدهى من هذا أنهم يحاصرون بني جلدتهم ودينهم ويجوعونهم ويعطشونهم وحتى يضطرونهم لأكل الحشائش والجرذان ولحوم الجثث المتفسخة”طبعاً بعد أن أفتى لهم وسمح بأكلها بعض علماء المسلمين”!!! ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا يتصفون بالكرم ويُغدقون المال والنفس والنفيس ليس على الأهل والأصدقاء،بل على الضيوف والغرباء،بل إن أحدهم وهو حاتم الطائي ذبح حصانه وهو ماله الوحيد والثمين الذي كان يملكه من أجل أن يقدّم لحمه لضيف أو جار جائع ولم يكن عنده غيره ليقدمه إليه. أما عرب القرن العشرين وخاصة من تملّك منهم المال الوفير كبعض أمراء وشيوخ النفط فهم والحق يقال:كرماء يقدّمون المال والولاء!! ولكن ليس لبني جلدتهم ودينهم بل إلى أسيادهم الحقيقين في أمريكا وأوروبا، ويقدّمون هذا المال طلباً لإبتسامة الرضا،ولاينالونها ولو ظاهراً!!ومن أجل أن ينُعم عليهم أسيادهم بالرعاية والحماية،وهم يمنحونها إياهم مقابل الأتاوة و”البلطجة” لا حباً فيهم ولا بأمثالهم.وهم من جانب آخر يمنعون المال والمساعدات البسيطة عن أهل فلسطين المحتلة وعن كل الشعوب العربية والإسلامية التي يعاني أكثرها من الجوع والفقر والمرض وهم يعيشون ولا يدرون ماذا يفعلون بهذا المال الوفير الذي استودعهم الله إياه،وإذا بهم يقررون أن يقدموا جزءاً منه إلى رئيس روسيا من أجل مساعدته في رفع مستوى بلده الحاقد على الإسلام والمسلمين،بينما الملايين في الجمهوريات السوفيتية الإسلامية لا يجدون من يقدم لهم رغيف الخبز،والملايين من المسلمين في البوسنة والهرسك لايجدون من يقدم لهم العون والمساعدة ويدافع عن أرواحهم وأعراضهم تجاه الحاقدين من المتعصبين والعنصريين من الصرب وأتباعهم. ـ وعرب الجاهلية الأولى كانوا إذا استُنصروا نصروا،وإذا وعدوا أوفوا،ولو على حساب المال والروح،لقد وقفوا في معركة ذي قار تجاه إحدى أقوى القوتين في ذلك العصر،تجاه الفرس،لأنهم رفضوا أن يسلموا أسرة النعمان بن المنذر لكسرى الفرس،فقد كانت أمانة عندهم وخاضوا الحرب ضد الفرس وانتصروا.أما عرب القرن العشرين فهم أتباع للطاغوت الأمريكي يفعل بهم مايريد ويتبعونه حتى ولو دخل جحر ضب دخلوا وراءه لا يسألونه لماذا دخل!! هذه أمثلة بسيطة عمّا يعيشه عرب القرن العشرين،لا أقولها داعياً لليأس والقنوط ـ معاذ الله ـ ولكن من أجل وضع اليد على الجرح،ومن أجل معرفة الأسباب،لأنه إذا عرف السبب سهل التشخيص ومعالجة الداء. وأنا لا أقول هذا حقداً على العرب،فأنا عربي أعتز بعروبتي،وقبل هذا أنا مسلم أشفق على أمتي. أقول هذا وأدعو الله من قلب جريح أن يُخرج من أصلابهم من يُعيد للدين عزّته وللمسلم كرامته،وسوف يخرج هذا الجيل من الغرباء،سوف يخرج ليس في هذا شك فهو وعد الله ورسوله بأن هذا الدين سوف يعود،وسوف تعود راية الحقّ مجدداً تنشر الحق والعدل والمحبة والمساواة في كل ربوع العالم رغم الطاغوت ورغم الجبروت ورغم الظلام وظلم الأنام{واللهُ مُتمُّ نوره ولو كره الكافرون}.[الصف 8]. (نشر المقال في مجلة الرائد العدد 143 بتاريخ آيار عام 1992) حال العرب اليوم أحمد شوقي
أحمد شوقي
أحمد شوقي
أحمد شوقي
أحمد شوقي:
أحمد شوقي بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1923
أحمد شوقي
أحمد شوقي
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم(مخاطباً شكسبير)
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
حافظ إبراهيم
خليل مطران
خليل مطران
علي محمود طه(ليلة عيد الميلاد)
علي محمود طه
محمود حسن إسماعيل
هاشم رفاعي
هاشم رفاعي
أحمد محرم
أحمد محرم
أحمد محرم
إسماعيل صبري
إسماعيل صبري
إسماعيل صبري(فتنة الأقباط سنة 1911)
ولي الدين يكن
محمود غنيم
محمود غنيم
أحمد نسيم
حسن كامل الصيرفي
صالح علي الشرنوبي
أحمد مخيمر
أحمد زكي أبو شادي
أحمد زكي أبو شادي
عمر أبو ريشة
خليل مردم بك في اغتصاب الاسكندرون
خير الدين الزركلي بعد أن نفى البريطانيون الشريف الحسين بن علي إلى قبرص وخانوا العهود
سليم الزركلي
محمد البزم
وليد الأعظمي
وليد الأعظمي
زكي قنصل
إيليا أبو ماضي
إيليا أبو ماضي
إيليا أبو ماضي
إبراهيم اليازجي
محمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري
محمد مهدي الجواهري
معروف الرصافي
معروف الرصافي
معروف الرصافي
عبد الوهاب البياتي
أحمد مطر
أحمد الصافي النجفي
فؤاد الخطيب
أبو القاسم الشابي
غازي القصيبي
محمد رضا الشبيبي
محمد محمود الزبيري
محمد محمود الزبيري
عبد الله البردوني يخاطب أبو تمام
أبو فراس الحمداني
القاضي التنوخي الكبير
أبو عبد الله محمد الفازازي
ابن عسال الطليطلي بعد أخذ الإفرنج طليطلة
ابن خفاجة الأندلسي بعد سقوط بلنسية
لقيط بن يعمر الإيادي
علي بن الجهم
النجاشي الحارثي
|
كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد
بسم الله الرحمن الرحيم
“كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد”
يذكر لنا التاريخ أن الأمم رجال،كلّما ازدادوا عظمةً،كلّما ازدادوا تواضعاً،ونأوا عن الألقاب،وكلّما ازدادوا خبالاً،كلّما ازدادوا اختيالاً،وتزّوقوا بالألقاب.
وهذا مارأيناهُ مع بدء انحطاط وانهيار الحضارة الإسلامية في أواخر العصر العباسي وما تلاه من العصور،حيث بدأت تظهر التسميات والألقاب كالمعتضد بالله،والمستكفي بالله،والحاكم بأمر الله،والمتوكل على الله….وهذا ما حصل في الأندلس وخاصة في عصور الانحطاط حيث قال شاعرها:
ممّا يُزّهدني في أرضِ أندلسٍ تلقيب معتمد فيها ومعتضدِ
ألقابُ مملكةٍ في غير موضعها كالهرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسدِ
والأمة الإسلامية،تعيش اليوم أسوأ أيامها بسبب حكامها،الذين عمدوا إلى تغطية عجزهم أمام شعوبهم باللجوء إلى الألقاب الكبيرة،فأصبحنا نسمع عن”حبيب الملايين” و”الزعيم الخالد”و”زعيم الأمة العربية”و”بطل الحرب والسلام”و”بطل التحرير”…ولم يقتصر الأمر على هذه الألقاب،بل أحبّ بعضهم أن يُدخل مسحة دينية على بعض الألقاب لعل هذا يكون له تأثيراً أكبر عند شعبه المسلم فظهرت ألقابٌ أخرى مثل”سليل الأسرة الهاشمية”و”سليل الأسرة العلوية”و”الرئيس المؤمن”و”خادم الحرمين”و”راعي القدس”..وأحدهم كان يحلم قبل قتله أن يُنادى به سادس الخلفاء الراشدين!!
والبعض أحبّ أن يُضيف اسم محمد على اسمه حتى يدرك الناس أن هذا الرئيس هو”مسلم” بالتأكيد بعد أن رأوا في تصرفاته وأفعاله أنه بعيد كل البعد عن الإسلام والمسلمين!!
والبعض من هؤلاء الزعماء أحبّ أن يوضع مع الجامعيين والأكاديميين،فلجأ إلى الجامعات المحلية الداخلية أو المأجورة الخارجية فمنح منها لقب”الدكتوراه الفخرية” ومعها رسالة شكر خاصة من قسم التشريح في كلية الطب التابعة لهذه الجامعة،لما قدّمه ويقدّمه من ضحايا ـ عفواً ـ أقصد تضحيات وخدمات جلّى لهذا القسم!!
وإذا كان هذا الرئيس أكثر حظاً وأكثر تبعيّةً ورضي عنه أسياده ،فإنه يُمنح لقب جائزة نوبل للسلام،ولابأس أن يشاركه هذا اللقب أحد مجرمي الحرب المعاصرين ممن عُرف عنه قتل النساء والأطفال وبقر بطون الحوامل!!
ولابد لإستكمال هيئة العظمة من تسمية الساحات الكبرى،والمدارس،والجامعات والمطارات بأسماء هؤلاء العظام وإقامة النُصب والتماثيل لهم في كل مكان،وتعليق صورهم في كل الإدارات والمؤسسات والحوانيت..وحتى الطبيعة المسكينة لم تسلم منهم ،فهناك بحيرة فلان،وهنا سد عُلان، ومكتبة فلان ،وكل ما أذكره أنه لم يسلم شيء لم يُلحق بهم ويُسمى بأسمائهم اللهم ماعدا حدائق الحيوان…والمرافق العامة وتوابعها!!
ولابد من إقامة الأعياد والإحتفالات للرئيس أو الملك العظيم،فهناك عيد الجلوس على العرش،واحتفالات عيد ميلاد الزعيم،وعيد زواج ابنته أو ابنه،ومن حالفه الحظ منهم أقيم له الاحتفال الفضي بتوليه الحكم ،أما الاحتفال الذهبي،فإذا لم تخني الذاكرة فإنه لم يفرح أحد منهم بإقامته بعد!!
ولابد للرئيس المُتعب والمُنهك أن يقوم بإجازته السنوية،والشتوية،والصيفية،والفصلية،والإسبوعية…فلابد من إقامة منتزه له هنا،ومنتجع هناك ،وقصر في سويسرا حيث ثلوج الشتاء،وفيللا في كاليفورنيا حيث الشمس والرمال والبحر والصفاء…ولابد أن تكون له بالطبع طائرته الخاصة يتوجه بها حيث شاء،ويرافقه طبعاً الصحفيون المُقرّبون،يلتقطون له بعض الصور،وهو في حمام السباحة بالمايوه الجميل،ولابأس من بعض الصور بالألوان مع زوجته وعائلته و”الكلاب المرافقة”وخاصة وهو في حالة تأمل وتفكير بمرافقة “الغليون” والكتب وبعض الصحف والمجلات!!
ولا بأس من التقاط بعض الصورالخاصة التي لايطلّع عليها إلا “الخاصة”و”المقربون”وهو يرقص مع نساء السلك الدبلوماسي،ويتبادل معهم الأقداح،فالرئيس المؤمن واعٍ لعصره وأبعاده ومتجدداته!!وتراه بين الفينة والأخرى ينظر نظرة حنان وافتخار وغبطة وسعادة لزوجته الحسناء وهي ترقص مع الرئيس أو الوزير أو السفير الأجنبي، وكيف لا،وقد رفع رأسه في حلبات الرقص بعد أن نكسته “حلبات الحرب”!!
وبعض حكام العرب والمسلمين يحلو له بين الفينة والأخرى أن يلبس”البدلة العسكرية” معلقاً عليها الأوسمة والنياشين التي ينوء بحملها بعير،ولكنه في هذه الحالة أقوى جَلَداً وأكثر تحملاً من البعير،وكيف لا،وهو “الكولونيل:الذي أعجز جنرالات الغرب بحنكته ودهائه،وهو”اليوزباشي”الذي دوّخ الإنكليز ببطولاته ،وتفوق على الأمريكيين بحنكته ودهائه!!
والمتعارف عليه في “العالم المتحضر” أن يعطى الجندي أو القائد وساماً إذا أظهر بطولة ما في إحدى الحروب،أو قام بعمل عظيم،أما في بلادنا،فيتم تقليد الأوسمة ومنح النياشين والترفيعات إذا خسر الزعيم حرباً أو أصاب بلاده “نكسة،والأدهى والأنكى من ذلك أن تخرج المظاهرات طالبة عودته للحكم بعد أن مرّغ جبين الشعب والأمة بالتراب!!
والبدلة العسكرية في بلادنا لها توابع،ومنها حمل العصا والصولجان،وتسمى عندهم “عصا الماريشالية”يحملها هذا الزعيم المحنك ويضعها تحت كتفه،ويستعرض بها ضباطه وجنده،وكيف لا، وهو فرعون العصر الحديث له القرار والرأي {ما أُريكُم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرَّشاد}[غافر 29]،وقد كان عمر الفاروق رضي الله عنه يحمل دُرَّته ولكن ليضرب بها رؤوس المُقصرين والظالمين،فماذا تراه يقول إذا رآها بيد الظالمين!!
ومن توابع البدلة العسكرية أيضاً ارتداء النظارات السوداء،والتي لم نكن نعهدها سابقاً إلا في رجال المخابرات وأذنابهم،فأصبح كثير من حكام العرب والمسلمين لايستغنون عنها ولو في الليالي المظلمة،والمرء يتسائل؟لماذا هذه النظارات؟هل لأن رمداً أصاب العيون فنعذرهم؟أم أنهم حنّوا إلى أصولهم …فليعذرونا؟!
وبعض حكام المسلمين هم أصحاب مزايا ومواهب متعددة،فهم رجال فكر وثقافة وأصحاب نظريات ومبادىء،فهذا الرئيس مفكر وهذا صاحب نظرية والثالث صاحب كتاب بل كتب وبمختلف الألوان وإن كان يغلب عليها اللون الأخضر،وهذا له كتب عن تجربته في الثورة والتي أصبحت قوانين تفرض ودستوراً يقدّس ،وآخر أصدر كتيبات عن نظريته الثالثة ورصد لها المال والدعاية وأقام الندوات لدراسة أفكاره النيّرة،التي لم يسبقه إليها أحد من قبل!!وهو أول من قال بأنه لا فرق بين الرجل والمرأة فكلاهما سواء،اللهم إلا فارق واحد بسيط!!وهو أن المرأة تحمل وتلد والرجل لا!!وذهب إلى “خيمته الصحراوية”يفكر ويدبر،ويقلب الأمور،فربما أسعفه التأمل وأسعفه التدبر،فاستطاع أن يكتشف دواءً أو يجد حلاً يُمكّن الرجال من أن تحمل وتلد،أو يمنع النساء من الحمل والولادة،وعندها تلتغي الفروق ويتساوى الجنسان!! فقتل كيف فكر وقتل كيف دبر!!.
وزعماء العالم يكتبون في العادة مذكراتهم بعد اعتزال السياسة والحكم،أما حكام المسلمين،فبما أنهم حكام حتى الخلع أو القتل،عفواً أقصد حتى الموت…فلابد من الإستعجال بكتابة المذكرات،فنجد أن أول مايفعلونه عند استلام الحكم هو كتابة مذكراتهم وفيها”البحث عن الذات” والكتابة عن”النضال والكفاح”و”فلسفة الثورة”….وإذا كانت لغة الحاكم لم تنضج بعد ـ وهذا حال معظمهم ـ فإنه يُوحي إلى أتباعه من الكتاب والصحفيين أن يكتبوا عن حياته ونضاله وتضحياته وماتعرض له من السجن والإضطهاد….بإسلوب مشوّق مثير،فنقرأ عنهم كيف أن هذا الزعيم والقائد والعسكري المناضل كافح وناضل ضد”الامبريالية”والاستعمار والصهيونية…وأنه قد رضع حب الوطن منذ نعومة أظفاره،وأنه تشرّب حب الجهاد منذ أوائل سنين دراسته…وبمجرد أن يسقط هذا الصنم ـ أعني الزعيم ـ نكتشف أن عدو الامبريالية اللدود هذا،لم يكن في الحقيقة إلا أحد أقزام المخابرات الأمريكية وأحد جنودها المخلصين!!
نعم بمجرد أن يسقط زعيم من هؤلاء ونادراً مايكون سقوطه حتف أنفه،بل القاعدة أنه استولى على الحكم بالقوة والعنف فتكون نهايته بالقوة والعنف،بعد انقلاب دموي وخاصة من أقرب المقربين إليه!! وبعد أن يسقط هذا “القائد” تسقط معه ألقابه دفعة واحدة كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف بعد أول هبّة ريح،فإذا بحبيب الملايين وإذا بزعيم القومية ..هو خائن الأمة ،وإذا ببطل الحرب والسلام هو خائن العروبة والإسلام!!
ولابد للصحافة”الحرة”و”الأقلام النزيهة” أن تكتب عن عظمة هذا الرئيس،فهو الخطيب المفوّه،وهو خطيب الأمة الذي جاد به الزمان بعد سنوات من القحط والجدب ،وأنه في خطبه”الرنانة”أفصح من سحبان وائل،وإن كان في حقيقته أعيا من باقل!!لو كان سيبويه على قيد الحياة لشنق نفسه حزناً وأسىً على ضياعة اللغة لدى هؤلاء “الخطباء”وكيف لا وهو يسمع المضاف إليه منصوباً،والمجرور مرفوعاً،ولكن سيبويه نسي أنه من طبع”المجرورين”أن يرفعوا أنفسهم بعد سنوات من “الجرّ”وأن ينصبوا المضاف إليهم من الأتباع والزبانية في أعلى المناصب!!
ولم يكتف بعض حكام المسلمين بذلك،بل لابد من تغيير تسمية الدولة أو المملكة بما يتناسب مع مقام الرئيس أو الملك العظيم،فتراهم ينسبون دولة أو مملكة كاملة بكل مافيها من أشجارها وصحرائها وسكانها وعمرانها وفجها وفجاجها.. إلى الرئيس العظيم أو الملك المفدّى!!وزعيم آخر حزن جداً أن يسمع بوجود دولة مثل بريطانيا العظمى،وهو زعيم لدولة اسمها مؤلف فقط من كلمة واحدة،فأضاف إليه أسماء وصفات ،واختار لدولته تركيبة من الأسماء فهي الدولة العظمى الديمقراطية الشعبية الإشتراكية العظمى…وبحيث حارت الأمم المتحدة في كتابة اسم هذه الدولة وبماذا تبدأ وبماذا تنتهي!!وهذا لايهم هذا الزعيم الثوري المناضل بل يكفيه فخراً أنه أغاظ دولة الإنجليز الذين لسان حالهم في أمثال هؤلاء “الزعماء” قول المتنبي”يا أمة ضحكت من جهلها الأمم”.
نعم، هذه حال العرب والمسلمين مع حكامهم،تذكرني بقول المعري رحمه الله:
يسوسون الأمور بغير عقل فَينفذ أمرهم ويقال ساسة
فأُفٍ من الحياة وأُفٍ مني ومن زمنٍ رئاسته خساسة
(نشر جزء من هذا المقال بمجلة الرائد العدد 146 بتاريخ تشرين الأول عام 1992 تحت عنوان حكام المسلمين).
كيف تقتلُ شعباً مسلماً.. تحت ستار من الشرعية الدولية؟!
بسم الله الرحمن الرحيم
كيف تقتلُ شعباً مسلماً..
تحت ستار من الشرعية الدولية؟!
لقد عرف العالم قديمه وحديثه مجازر عديدة،ومذابح شنيعة،ارتكبتها بعض الأمم أو القوميات تجاه شعب من الشعوب،أو أمة من الأمم،ولكن مايحدث الآن في البوسنة والهرسك من مجازر ومذابح،قد تجاوز البعيد والقريب،لأن هذه المجازر تحدث ولأول مرة في التاريخ تحت سمع العالم وبصره،وتحت ستار من الشرعية الدولية،وتحت رعاية القانون الدولي!!
نعم،مذابح ومجازر تُشارك بها كل شعوب العالم المُسمى بالعالم”المتقدّم”و”المتحضر” وتُنفذ هذه المذابح بقرارات من هيئة الأمم المتحدة وبتوقيع الأمين العام للأمم المتحدة.
إنَّ المسلمين في البوسنة والهرسك،شعبٌ مُسلم مُسالم صغير،يعيش في أواسط أوروبا النصرانية والعلمانية،وأراد هذا الشعب كغيره من شعوب أوروبا….أن ينال استقلاله وحريته فماذا كانت النتيجة؟
النتيجة هي أن الإنسان الأوروبي المعاصر،حفيد أجداده الرومان واليونان والسلافيين والجرمانيين ـ وما أدراك بهؤلاء الأجداد ـ والذي رفع حوله شعارات:الديمقراطية،والحرية،والمساواة،وحقّ تقرير المصير،…وجد نفسه أمام شعب مسلم يريد أن يقيم لنفسه كياناً مستقلاً في وسط أوروبا يشترك فيه مع آخرين،في العيش والوئام والسلام المشترك.
وكان جواب هؤلاء الأوروبيين “المتحضرين” كيف السبيل إلى افتراس هذا الحمل الصغير؟والذئب المغطى بقناع الشعارات البراقة،والمربوط إلى الدساتير برسن الديمقراطية والحرية،كيف السبيل إلى الإفتراس بدون تأنيب ضمير،أو تأديب كبير؟!
هنا تفتّقت العقول الماكرة،عن أفكار مبتكرة،جمعتها تجارب عديدة في الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي في عهد الشيوعية وستالين،وفي الهند الصينية،وفي الجزائر،وأفغانستان،وفلسطين والعراق…وانصبّت هذه التجارب في بوتقة واحدة،في البوسنة والهرسك فتمّ إبادة شعب مسلم صغير في وسط أوروبا”الحضارة”وأوروبا “العدالة” وتحت سمع العالم وبصره،وبناء على توصيات الأمم المتحدة،وتمّت هذه الجريمة بدون أن يُعاقب الجاني،بل قُلّد أرفع الأوسمة،ومُنح الأراضي والمساعدات،وبدون أن يتأسى أحد على المجني عليه،أو يترّحم عليه أحد.
إن الجريمة،إذا تعدّد الجناة فيها،قلّ فيهم من يشعر بتأنيب الضمير،وإذا كان الجناة يُلاقون دعماً أو حماية من القانون،فإنّهم يظنون أن مايقومون به كان شيئاً ضرورياً ولمصلحة عليا.وهذا يُذّكرني بإخوة يوسف عليه السلام،الذين أرادوا قتله والقضاء عليه،وهم يظنون أنهم يفعلون ذلك لمصلحة عليا وهي أنهم سيكونون من بعده قوماً صالحين{اقتلوا يوسفَ أو اطرحوهُ أرضاً يخلُ لكم وجهُ أبيكم وتكونوا من بعده قوماً صالحين}[يوسف 9].فهم من خلال قتل يوسف يحققون حسب ظنهم مصلحة،وقتل الشعب المسلم في البوسنة والهرسك،حسب ظنهم وتقديراتهم مصلحة قومية ومصلحة دينية عليا،وهكذا تتحوّل الجريمة إلى مصلحة عليا،ويتحول الجاني إلى مُدافع عن الحقوق والمصالح،ويتحول المجني عليه إلى متهم ومخرب ومتطرف….نعم،هذه شريعة الديمقراطية والحرية كما يراها أهل الغرب!!
لقد تمّت المجزرة بشتّى الوسائل وأعنف الأساليب،وبكل ماتفتقت عنه عقول الأبالسة والشياطين:
ـ تمّ قتل أكبر عدد ممكن من الرجال والنساء والأطفال والشيوخ.قلّة قليلة منهم قُتلوا بالنار والرصاص.والأكثرية قُتلت بعد تدمير المساجد والمنازل والمشافي فوق الرؤوس،ومن خلال الذبح والتدمير،طبعاً بعد أن سبق ذلك جدع الأنوف،وتقطيع الرؤوس والأطراف،وبعد أن تعرضوا لأبشع تمثيل،وكل هذا يقع تحت سمع العالم وبصره،وعلى علم وإدراك من هيئاته الدولية!!
ـ وأما من بقي على قيد الحياة من الأطفال والنساء،فلقد شُردوا ووزعوا على كل أنحاء العالم،وحتى هنا لم يسمحوا للأم المسكينة التي فارقت زوجها بمصاحبة أطفالها، فالأمهات وُزعن هنا والأطفال هناك،فلا يجوز الجمع بينهم،لأن إمكانية الدول المضيفة لا تتحمل هذا.نعم هذا ما تقوله القوانين الدولية والشرعية الدولية!!
ـ وأما من بقي على قيد الحياة من الرجال فأكثرهم قد استوعبتهم معسكرات الإعتقال،حيث التجويع والتعذيب،والموت الزؤام البطيء.وكل هذا يقع تحت سمع العالم”المتحضر” وبصره،وتحت علم وإدراك النظام الدولي الجديد!!
ـ والقلّة القليلة من الرجال المحاربين،سمح لهم بحق اللجوء السياسي في بعض بلدان اوروبا،ولكن بشرط ترك العائلات والزوجات والأطفال،فالرجال يحق لهم اللجوء السياسي لأنهم حاربوا،أما النساء والأطفال فلا يحق لهم ذلك.نعم هذا ماتقوله قوانين الشرعية الدولية والنظام الدولي الجديد!!
ـ وأما البقية الباقية الصامدة التي تدافع عن الأرض والعرض،وتتحمل القصف والتدمير صبحاً مساءً،فهؤلاء تُركوا لرحمة الصرب وأتباعهم،يرمونهم من قريب وبعيد بأسلحة القنص والدمار الشامل،ومن نجا منهم من سلاح القنص والتدمير،استعانوا بالقضاء عليه بالشتاء القارص،والجوع الكافر،وبالطبع لا يمكن إرسال الوقود والغذاء،لأنه يُخشى على رجال”القبعات الزرقاء” من نيران القناصة!!هذا ما تقوله قرارات هيئة الأمم المتحدة وأمينها العام!!
ـ ومن أراد من هؤلاء الأبطال الصامدين الشهادة فوق تراب الوطن الجريح،فليس له حق في هذا،ويُمنع عنه السلاح والعتاد لأنهم لايريدون تصعيداً للقتال وتزميناً للأزمة!!أما المعتدي والجاني فتُسّهل له كل الامكانيات،ويُزود بكل أنواع السلاح،هذا ماارتأه القانون الجديد!!
نعم، هذا مايحدث اليوم في البوسنة والهرسك،وما حدث بالأمس في العراق،وغداً،سيكون الدور أيضاً على دولة مسلمة أيضاً،هل هي في أفريقيا مثلاً؟أو في إحدى دول المواجهة في الجهة الشرقية،أو في إحدى “الجمهوريات الإسلامية” التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي المنهار؟!
يا إخواننا في البوسنة والهرسك!
لقد كانت صدمتكم مضاعفة،فلقد صدمكم الأوربيون الذين عشتم معهم،وتعلمتم قوانينهم ودساتيرهم عن الحرية والديمقراطية وحق تقرير المصير،وصدمكم العرب والمسلمون الذين ارتبطتم بهم ديناً وعقيدة،فتنكروا لكم وتركوكم وحدكم لأنياب الذئاب المفترسين.
أما الأوربيون فقد عرفتموهم الآن،كما عرفهم غيركم من عقلاء المسلمين من قبل،يزينون بميزانين،ويقيسون بمقياسين:
ـ فإذا أُسر أو أُختطف أوروبي أو أمريكي أثاروا من أجله العالم ولم يقعدوه،واستنفروا الجيوش،وحرّكوا هيئة الأمم فهذه جريمة لا تغتفر،وأما إذا أبيد شعب مسلم مُسالم يطالب بحقوقه في فلسطين أو كشمير أو البوسنة فليس هناك من مُلبٍ أو مجيب.
ـ وإذا خُرّبت مقبرة يهودية،خرجوا رؤوساء ومرؤوسين،يتوعدون الفاعلين،ويطلبون رضى ومغفرة الصهاينة المجرمين،أما إذا حوّلت قرى مسالمة آمنة إلى مقابر،وامتلأ باطن الأرض وظاهرها بأشلاء الضحايا،وضجّت الأرض بحملهم،فلا من مُلبٍ أو من مجيب.
ـ وإذا خرجت مظاهرة تمنع إقامة مبنى أو منشآت على أنقاض مقبرة يهودية قديمة قد باعها أصحابها واستلموا ثمنها،استنكر العالم وضجت به العواطف لهذا الإستبداد وعدم التسامح الديني،وإذا خرج ألوف من الأطفال المساكين في فلسطين يطالبون بأدنى الحقوق والحريات ويدفعون بالحجارة عنهم ظلم الرصاص والدبابات،ومات منهم العشرات وجرح الألوف منهم…فليس هناك من ملبٍ أو من مجيب.
ـ وإذا خرج بعض الطلبة في الصين ينادون بالحريات،وقفتم معهم،وتوعدّتم الحكام،وقطعتم العلاقات,وأقمتم الحواجز.وأما إذا خرج مئات الألوف في الجزائر ينادون بالحريات،ويطالبون بالحقوق،وبالسماح لمن انتخبوهم أن يتقلدوا أمورهم،واجههم الحكام بالرصاص وبالتعذيب والسجن في الصحراء حيث البرد القارس ليلاً،ولهيب الشمس نهاراً،كنتم عوناً مع الظالمين على المظلومين.
ـ وإذا طالب الناس بالحريات والإستقلال في سلوفينيا وكرواتيا دعمتوهم بالمال والعسكر،وكنتم يداً على المعتدي،أما إذا أراد نفس الشيء أهل البوسنة والهرسك،كنتم يداً مع المعتدي!!
ـ وإذا ضلّ حوت طريقه في البحر ولم يهتد،تساندتم شرقاً وغرباً لإعادته إلى حوضه،وحين تُشرّد أمّة كاملة من شعوب المسلمين فأنتم أول من يدعم هذا التشريد!!
ـ وإذا مرضت أو تأذت بعض الطيور البحرية من جراء تلوث البيئة ـ الذي كنتم السبب فيه ـ جمعتم الأموال وطهرتم البحار بأسرع من لمع البرق،أما أن يموت شعب بأكمله في الصومال الجريح،فالإذن بإرسال بعض الإمدادات،يحتاج إلى ترخيص،وهذا لم يوقع عليه الأمين العام لأمم المتحدة!!
وأما صدمتكم بالعرب والمسلمين فكانت أشدّ من صدمتكم بالأوروبيين:
لقد تركوكم للجراحات والآلام،ولم تجدوا فيهم حزم أبي بكر الصديق يساعدكم في الشدّة،ويمنعكم عن الردّة،ولم تجدوا فيهم نصرة صلاح الدين،قد حرّكه تهديم المساجد،وتدنيس المعابد،ولم تجدوا فيهم نخوة المعتصم،قد حرّكه صريخ الحرائر المسغيثات،وصراخ المغتصبات.
يا حكام العالم “المتحضر”!
ماذا دهاكم؟
هل ماتت الضمائر،أم تبلدّت المشاعر؟
تتألمون لحوت في البحر قد ضلّ السبيل،ولا تتحركون للصور تُعرض أمامكم صُبحاً ومساءً عن آلاف الجثث المشوهة،وصرخات الرضع يُعانون كل أنواع الآلام،وصيحات النساء الثكالى الحيارى،وذهول الشاردين المُشردين.
ويحكم! هل قست القلوب ،أم جفت المآقي،أم شاهت الفطرة،أم استولت عليكم روح الصليبية والعنصرية،أم اجتمع كل ذلك فيكم؟!
وياحكام المسلمين!
إن كثيرين منكم عملاء مأجورون،وأذناب جبابرة متكبرون ،وأزلام طواغيت مستهترون،وطراطير يتقوّل لهم ما يقولون.
ثقوا تماماً: إنكم إن رضيتم بمنزلة الأذناب،فإن سادتكم لا يعاملونكم إلا معاملة الأظلاف،تُستخدمون ثم تُداسون.
ويا إخواننا في البوسنة والهرسك!
فدتكم نفوس المحبين من إخوانكم المسلمين.
لقد خسرتم الأرض….ولكنكم صُنتم العرض.
وكنتم مثلاً للشهامة والبطولة….في عالم ساد فيه الأقزام…وماتت الرجولة.
قدّمتم الشهداء،وقرنتم الأقوال بالافعال،وقاسيتم الآلام…في زمن عمّت فيه الثرثرة وعلم الكلام.وأحييتم بعض أمجاد الإسلام في أوروبا…بعد أن نُكست أعلامه في أرض مهده.
ويا أخوة الدين والعقيدة في كل مكان:
عودوا إلى الله قلوباً وعقولاً،سلوكاً ومنهاجاً،وانصروا الله ينصركم،ولاتيأسوا،فإنه لا يجتمع يأس وإيمان في قلب مؤمن،وثقوا بوعد الله فهو خير ناصر وخير مُعين.
وثقوا تماماً:أن بغداد التي دمرها المغول…عادت فتحاً في استانبول،وأن بغداد التي دمرها بوش…عادت فتحاً في كابول،وأن البوسنة كالقدس إذا دنستها عبيد العجل والصليب،فإنها ستُطّهر من جديد،فصلاح الدين قد غفى…ولكنه سيستيقظ من جديد.
(نشر المقال في مجلة الرائد العدد 147 بتاريخ كانون الأول عام 1992)
من أجل الله…لا من أجل المال
بسم الله الرحمن الرحيم
من أجل الله…لا من أجل المال
نشرت المجلة الطبية الألمانية الأسبوعية في عددها الرابع من عام 1989 م نقلاً عن الجريدة الإسرائيلية”جيروزاليم بوست”(الصادر بتاريخ الرابع من كانون الثاني عام 1989) مايلي:
“كان لابد من توفر قلب من أحد المتبرعين وخلال بضعة ساعات في مستشفى هاداسا لنقله للإسرائيلي “ياهيل إسرائيل”وعمره 46 سنة،والذي يعاني من قصور القلب الشديد والذي لم تفد فيه المعالجة الدوائية ولا الجراحية.وفي الوقت نفسه وصلت الأخبار أن شاباً عربياً في مشفى المقاصد في جبل الزيتون وعمره 18 سنة موجود هناك في حالة سبات عميق بسبب موت الدماغ بعد إصابته برصاصة في رأسه،في حين مايزال قلبه نابضاً وهو في حالة جيدة.
وجد الجراح الإسرائيلي نفسه في حيرة شديدة،ترى هل يطلب من “زملاءه”العرب المساعدة من أجل نقل قلب هذا الشاب العربي إلى المريض “الإسرائيلي”؟…كيف يتجرأ على ذلك،وهذا الشاب العربي قد أصيب في رأسه برصاصة من جندي”إسرائيلي”عندما كان يشارك في إحدى المظاهرات احتجاجاً على مقتل أحد الفلسطينيين بيد الجنود الإسرائيليين بالقرب من مدينة نابلس؟!
بعد وفاة المريض الإسرائيلي بمرض القلب وتشييع جثمان الشاب الفلسطيني من مشفى المقاصد،تكلمت الجريدة الإسرائيلية مع والد الشاب العربي الذي مات بطلقة رصاص وسألته إن كان سيوافق ـ لو طلب منه ـ على نقل قلب ابنه إلى المريض الإسرائيلي؟فقال الأب:إنني لم أدرِ بهذا الأمر إلا بعد تشييع جثمان ابني ومواراته في التراب،ولو كنت علمت بذلك مُسبقاً لكنت على الأرجح سأوافق على نقل قلب ابني للمريض الإسرائيلي،وإنني عندما أفعل ذلك إنما أفعله من وجهة نظر إنسانية راجياً ثواب الله،ولا يمكن أن أفعل ذلك من أجل المال”انتهت الترجمة.
لا أريد أن أعلق بعد هذه الترجمة على الأمر من الناحية الشرعية أو من الناحية الطبية،ولكن أحبّ أن أبدي رأياً في هذا الموضوع من الناحية الإنسانية:
ابن شاب من الضفة الغربية المحتلة واجه الموت بل القتل بطلقة رصاص جبانة من جندي إسرائيلي أقل ما يُقال في هذا الأمر أنه رمز للجبن والجريمة،وكيف لا،والمواجهة هنا بين شاب أعزل من كل سلاح مادي إلا من الإيمان بربه ثم قضية شعبه،وبين جندي مُدجج بالسلاح والقيم الزائفة،أضف إلى ذلك رصيده الذي ورثه عن شعبه المُحبّ للجريمة والقتل والإضطهاد.
وهناك على الطرف المقابل والد هذا الشاب،الذي شيّع جثمان ابنه المقتول ثم صرّح للسائل عن استعداده للتبرع بقلب ابنه إلى مواطن إسرائيلي مريض يالقلب قائلاً:إنني على استعداد لفعل ذلك لهدفٍ إنساني ولايمكن أن أفعله لمنفعة مادية.
إن موقف هذا الأب الصابر ونظرته الإنسانية هي امتداد للنظرة الإنسانية الشاملة التي ورثها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُواجه كفار قريش ـ الذين أذاقوه العنت والاضطهاد عدة سنوات ـ بعد فتح مكة ويقول لهم صلى الله عليه وسلم بعد أن تمكّن منهم “ماذا تظنون أني فاعلٌ بكم؟” فيقولون:أخ كريم وابن أخٍ كريم.فيقول لهم:”اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
وهو امتداد للنظرة الإنسانية الشاملة التي ورثها عن الناصر صلاح الدين مُحرّر القدس وهو يواجه الصليبيين بعد انتصاره عليهم ـ وما أدراك ما الصليبيون الذين سفكوا الدماء وانتهكوا الأعراض وقتلوا عشرات الألوف وذبحوا النساء والأطفال والشيوخ بأقوال مؤرخيهم ـ ومع ذلك وبعد الانتصار أظهر العفو والتسامح وسمح لهم بأن يغادروا القدس مُحملين بأموالهم وأمتعتهم وعفا عنهم.
إنّ شعباً فيه هذه الخصال الإنسانية التي لم تتوفر للشعوب الأخرى قُدّر له أن يحكم ويسود..وسوف يحكم ويسود، وإ ن طالت سنين الإضطهاد والعذاب.
(نشر في الرائد العدد 118بيتاريخ نيسان عام 1989)
نعمة الصحّة والعافية
بسم الله الرحمن الرحيم
نعمة الصحة والعافية
يقول الله تعالى في محكم كتابه:{وإن تَعُدُّوا نِعمةَ الله لاتُحصوها إنَّ الله لَغفورٌ رحيم}[النحل 18]،وقال تعالى:{وإن تعدوا نعمةَ الله لاتحصوها إنّ الإنسانَ لَظلومٌ كَفّار}[إبراهيم 34].
يقول الأستاذ العلامة محمد الغزالي رحمه الله(جدد حياتك ص135):
“ما أكثر النِّعم التي بين أيدينا وإن غفلنا عنها!!
أقليلٌ أن يخرج الإنسان من بيته وهو يهزُّ يديه كلتيهما،ويمشي على الأرض بخطوات ثابتة،ويملأ صدره بالهواء في أنفاس رتيبة عميقة، ويمدُّ بصره إلى آفاق الكون، فتنفتح عيناه على الأشعة المنسابة،وتلتقط اذناه مايموج به العالم من حَراك الحياة والأحياء؟
إن هذه العافية التي تمرح في سَعتها وتستمتع بحريتها ليست شيئاً قليلاً.
وإذا كنتَ في ذهول عمّا أوتيت من صحة بدنك،وسلامة في أعضائك،وإكتمال في حواسك،فاصحَ على عجل…وذق طعم الحياة الموفورة التي أتيحت لك،واحمد الله ـ وليَّ أمرك ووليَّ نعمتك ـ على هذا الخير الكثير الذي حباك إياه”.
لقد عدّ الإسلام صّحة الإنسان من أجَلّ نِعَمِ المولى تعالى على الإنسان من بعد نعمة الإيمان واليقين . وقد جاءت التشريعات والتعاليم في الإسلام لتعتني بأسس الحياة الصّحية وتهتم بسبل الوقاية من الأمراض،لأن المسلم صحيح البنية أقدر على القيام بالواجبات المترتبّة عليه تجاه ربه وتجاه نفسه واسرته وتجاه مجتمعه وأمته.
إنّ الصّحة نعمة كبرى تلي نعمة الإيمان في الأهمية،وتقع في قِمم النِعَم الدنيوية،لأنّ الإنسان صحيح الجسم والعقل قادر على أن يقوم بالعمل والتعلم والكفاح في مجالات الحياة المتنوعة، وأن يؤدي واجباته الدينية والدنيوية،وأما الإنسان المريض فإنه محدود الإمكانات،عاجزعن القيام بكل الواجبات . كما أن اليقين وهو الإيمان الراسخ هو القاعدة المتينة لصلاح النفس وسلامة القلب والإنطلاق لفعل الطاعات والخيرات في الدنيا وهو الأساس للنجاة في الأخرة،ولذا جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم مابين اليقين والعافية فقال :” أسألُ الله ىالعفوَ والعافية،فإن الناس لم يُعطوا بعد اليقين شيئاً خيراً من العافية . [ جزء من حديث شريف أخرجه احمد عن أوسط بن إسماعيل بن أوسط البجلي وقال المحدث أحمد شاكر: حديث صحيح].
وقال صلى الله عليه وسلم: ” وسلوا الله المعافاة فإنه لم يؤتَ أحدٌ بعدَ اليقين خيراً من المُعافاة”[ جزء من حديث شريف رواه ابن ماجة عن أبي بكر رضي الله عنه وقال الألباني:حديث صحيح].
نعم انّ نعمة الصّحة من أجَلّ نِعم الله على عباده ولا يعرف حلاوتها إلا من ذاق مرارة الأوجاع والأسقام،ومن واجب كل مسلم أن يحافظ على هذه النعمة،ويحرص عليها من التبدّيل والتغيير بإساءة التصرف وإلا حَلّ به العقاب جزاءً وفاقاً بمقتضى سنن الله الثابتة . يقول تعالى :{ومن يبُدّل نعمة الله من بعد ما جاءته فإنّ اللهَ شديدُ العقاب} [البقرة 211].
يقول الأستاذ الدكتور محمد لطفي الصباغ رحمه الله (كتاب أيها المؤمنون ـ تذكرة للدعاة ص44):
أيها المؤمنون! احمدوا الله على نعمة العافية..واشكروه عليها. إنّ الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لايعرفه إلا المرضى.والسعيد من عرف النعم في أثناء وجودها،فقام بحقها،وأحسّ بقيمتها،واستمتع بمزاياها.
إن مال الدنيا كُلّه لايعدل ألماً يعتري الإنسان في عضو من أعضائه،أو حسرةً على حاسّة من حواسِّه فقدها،أو قدرة عُطلّت في جسمه.
نعم إن الخلاص من الأوجاع والآلام نعمة عظمى،والبصر والسمع والعقل والقدرة على قضاء الضروري من الأمور في الحياة…كل أولئك من المِنن الجليلة التي لاتقدر.
وإن شكر نعمة العافية والسلامة لايكون في اللسان فقط. بل شكرها الحقيقي أن تُستعمل تلك الحواس والقدرات في طاعة الله وعبادته وحده، والإحسان إلى عباده”
ويتابع الدكتور الصباغ(نفس المرجع ص46):
” إن من شكر نعم الحواسّ..التي منّ الله بها عليك أن تستعملها فيما يوصلك إلى رضوانه. يقول تعالى:{ولاتَقفُ ماليسَ لكَ بهِ عِلمٌ إنّ السّمعَ والبصرَ والفؤادَ كُلُّ أولئكَ كانَ عنهُ مسئولا}[الإسراء 36].
إنك يا أخي مسؤول عن هذه الحواس،فاسمع الحق سماع وعي وتنفيذ،وأبصر آياته التي بثّها في هذا الكون لتقودك إلى الإيمان وافقه بفؤادك حقائق الدين واحذر ان تكون ممن قال فيهم:{ومنهم من يَستمعُ إليك وجعلنا على قُلوبِهم أكنةً أن يفقهوهُ وفي آذانهم وَقراً وإن يروا كُلَّ آيةٍ لايؤمنوا بها}[الأنعام25].
ومن أجل هذا ومن أجل ان يستثمر الإنسان هذه النعمة خيرَ استثمار جاءت نصوص القرآن الكريم والسّنة النبوية المطّهرة وأقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم،تبُين على أهمية هذا الأمر وتضعُ المناهج الصحيّه رفيعة المُستوى بحيث أصبحَ الإرشاد الصّحي النبوي قولاً وعملاً وتطبيقًا متقدّماً على غيره.
ومن الأحاديث النبوية الشريفة في هذا الموضوع نذكر:
قال صلى الله عليه وسلم “من أصبحَ منكم آمناً في سِربهِ، مُعافىً في جسده عندهُ قُوتُ يومه، فكأنّما حِيزتْ لهُ الدّنيا “ “[رواه التِرمذي وغيره بسند حسن عن عبد الله بن محصن الأنصاري عن أبيه وقال الألباني:حديث حسن].
وقال صلى الله عليه وسلم “لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامة حتى يُسألَ عن عُمرهِ فيمَ أفناه،وعن علمهِ فيمَ فعل،،وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ انفقه،وعن جسمهِ فيمَ أبلاه” .[اخرجه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي وقال حديث حسن صحيح ،وفي روايه ابن مسعود وقال الألباني:حديث صحيح]
وقال صلى الله عليه وسلم:”اللهم اهدنا فيمن هديت،وعافنا فيمن عافيت،وتولّنا فيمن توليت،وبارك لنا فيما أعطيت،وقنا شرَّ ماقضيت،إنك تقضي ولا يُقضى عليك،إنه لايذلُّ من واليت،ولا يَعزُّ من عاديت،تباركت ربّنا وتعاليت”[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وقال الألباني:حديث صحيح],
وقال صلى الله عليه وسلم “:إنّ أوَّلَ مايسألُ عنه يوم القيامة ـ يعني العبد ـمن النّعيم أن يُقال له :ألم نُصِحَّ لك جسمك ونرويك من الماء البارد ؟”.[رواه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححه الحاكم ووافقه الذهبي عن أبي هريرة رضي الله عنه ].
وقال صلى الله عليه وسلم ” نِعمتان،مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصِحّة والفراغ “[رواه البخاري والتِرمذي وابن ماجة وأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما ].
قال ابن بطال من حصل له من ذلك أي النعمتان فليحرص على ألا يغبن بأن لا يترك شكر الله على ما أنعمَ به عليه،ومن شكره :امتثالُ أ مره ،واجتنابُ نواهيه فمن فرطّ في ذلك فهو مغبون،وهو من الغبن في البيع والشراء(من كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي فصل فضل العلم ص63)
.يقول تعالى:{لئن شكرتم لأزيدنكم}[ابراهيم7]، وإذا لم يحافظ على نعمة الصحة فإنه قد يحرمها، قال تعالى:{ذلك بأنَّ الله لم يكُ مُغيِّراً نعمةً أنعمها على قومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم}[الأنفال 53]،وإن زوال نعمة الصحة قد يؤدي إلى العقوبة ومنها الإصابة بالأمراض والأوجاع، يقول تعالى:{ومن يُبدِّل نعمة الله من بعد ماجاءته فإنَّ الله شديدُ العقاب}[البقرة 211]
ويقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
“قد يكون الانسانُ صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغلهِ بالمعاش،وقد يكون مُستغنياً ولا يكون صحيحاً،فإذا اجتمعا فغلبَ عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون،وتمام ذلك أن الدّنيا مزرعةُ الأخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الأخرة،فمن استعمل فراغه وصحّته في طاعةِ الله فهو المغبوط،ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون،فالفراغ يعقبهُ الشّغل،والصّحة يَعقبُها السّقم ، وقالوا:
يَسُّرُ الفتى طُول السلامة والبقا فكيف ترى طول السلامة يفعل
يُرَدُّ الفتى بعد اعتدال وصحة ينوء إذا رام القيام ويحمل
ويقول الاستاذ محمد لطفي الصباغ في كتابه( قضايا في الدين والحياة والمجتمع ص283)حول هذا الحديث الشريف نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ يقول:
“إنّ الصحةَ نعمةٌ عظمى تتُيح للمرءِ أن يَسعدَ في الحياة،وأن يتنّعمَ بما أحَلّ الله له من الطّيبات،لأنَ المريضَ لا يجدُ اللّذة في كل مِتعِ الحياة،فالماءُ العذبُ مرٌّ في فمهِ ينُكره ولا يَسيغه،ولو شربهُ إنسانٌ مُعافى لوجدهُ عذبًا زُلالاً كما قال المتنبي:
ومنْ يَكُ ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ يجد مُراً بهِ الماء الزُلالا
وكما قال الإمام البوصيري:
قد تنُكرُ العينُ ضوءَ الشمسِ من رَمدٍ وينُكِرُ الفمُ طعمَ الماءِ مِنْ سَقمِ
ويتابع الدكتور الصباغ:
“والسعادة التامة،والهناءة الكاملة،لا تكونان إلا بالصّحة،ولا يمكن للمال أن يحل محلها ولا أن يأتي بها إن غابت،بينما الصّحة تأتي بالمال إن كان صاحبها موفقا نشيطا،وإن الغني المريض يتمنى لو يفتدي بمالهِ كلّه مايُعاني من المرض،ويتابع :
” والمريض لا يقوى على الاستكثار من النوافل والقُربات من صَلاة وصِيام وحجّ وعمرة وإعانة للضّيف وإغاثة للملهوف وأمرٍ بالمعروف ونهيٍّ عن المُنكر وما إلى ذلك من صُنوفِ الخير والطاعة. ويتابع :
” فالعاقل من يغتنم صحّتهُ ويستعينُ بها في القيام بالواجبات واجتناب المُحرمات والتزود من الخير،وهذا هو الشكر الحقيقي ومن لم يفعل ذلك كان مغبوناً وماذا بعد الصّحة إلا المرض.
ويتابع :
“والسعيد من عرف النعمة وقدّرها قدرها وهي موجودة فقامَ بواجبِ شُكرها أمّا الذي لا يعرف النعمة إلا بعدَ زوالِها فهو إنسانٌ مخذولٌ فاتهُ وقت الشّكر وضاعت عليه النعمة، وقد قيل الصحةُ تاجٌ على رؤؤسِ الأصحاء لا يعرفهُ إلا المرضى . انتهى الكلام للدكتور الصباغ.
نعم ،وكما أن الوقايةَ خيرٌ من العلاج من الناحية المادّية والدنيويّة،فإنّ العافيةَ مع الشُكرِ خيرٌ من المرضِ مع الصبر من الناحية الروحية والأخروية،لأن مجالات اكتساب الثواب والأجر للإنسان الصحيح من القيام بالفرائض والنوافل على أتمِّ وجه، وتقديم العون لأهله ولغيره تزيد على مايناله من الصبر مع المرض.
جاء في الحديث الشريف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم،عاد رجلاً من المسلمين قد خفتَ فصار مثل الفرخ،فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:هل كنتَ تدعو بشىءٍ،أو تسألهُ إيّاه؟قال: نعم،كنتُ أقول:اللهمَّ ما كُنتَ معاقبي به في الآخرة،فعجله لي في الدنيا،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:سبحان الله لا تُطيقه،أو لا تستطيعه،أفلا قلت:اللهمَّ آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة،وقنا عذاب النار قال: فدعا الله له،فشفاه”.[صحيح مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه]
يقول التابعي مُطرِّف بن عبد الله بن الشِخير : لأن أُعافى فأشكر أحبّ إليّ من أن أُبتلى فأصبر .
ويقول الدكتور محمود ناظم النسيمي(الطب النبوي والعلم الحديث):
“تبدو أهمية الصحة واضحة في أداء الصلوات والصيام والجهاد في سبيل الله تعالى.فإن بإمكانية المسلم المتمتع بصحة جيدة أن يؤدي صلواته على أكمل وجه وأتم حضور،لايقطعه عنه ألم ولا إعياء ولاغيرهما من العوارض المرضية،ولا سيما إن سلم من الهموم والشواغل النفسية.
وكذلك فإن الصحيح يستطيع أن ينعم بخيرات مدرسة الصيام،وأن يظفر بمبرات منلسك الحج.وأن يلقى من انشراح الصدر وطمأنينة النفس ما يفوق بكثير ما يكون عليه معظم المرضى.
أما في الجهاد فغن ضرورة الصحة تبدو واضحة جداً في الإعداد له وفي واقع ميادينه.يستطيع المسلم المريض أو ذو العاهة أن يصلي قاعداً أو مضطجعاً كما يستطيع أن يؤجل الصوم إلى وقت الصحة فيقضيه أو يدفع فدية،حسب حالته الصحية،والحكم الشرعي المتعلق بذلك،ولكنه لا يستطيع ممارسة التدريب والإعداد فضلاً عن ممارسة الكفاح والجهاد.
كيف تؤدب أمة عدوها أو ترد المعتدي عنها أو تطرد الغاصبين لجزء من وطنها،إذا كان أفرادها ضعيفي البنية أو كثرت فيهم الأمراض والعلل.فالأخذ بمبادىء فن الصحة هم الخطوة الأولى في إعداد قوة الجسم للجهاد.
وكما أن الأخذ بمبادىء وتعاليم فن الصحة وسيلة للتقوي على القيام بأركان الإسلام ورفع عماده وإعزاز ذروة سنامه،فإن الأخذ بها وسيلة أيضاً للتقوي على القيام بشعب الإيمان والإسلام،من واجب الاكتساب لإعالة الأسرة،ومن التسابق في ميادين الخير وتقديم المساعدات والعون إلى المحتاجين.
ومن أجل ما سبق كان المؤمن الجامع لأنواع القوى الخيرة مفضلاً وأحب إلى الله تعالى من المؤمن الضعيف وفي كل خير،لأن ذلك المؤمن القوي في إيمانه،القوي في تفكيره،القوي في جسمه،يستطيع أن يرتقي في مجالات المعالي دنيا وآخرة درجات عُلا”.
وقال الشيخ أسامة الخياط:
“فكم من مَتّعهُ الله بسمعهِ وبصره ِوقوتهِ،وحفظ عليه نضرةَ الشّباب ورونقه وبهاؤه مغبون في صّحته حين لا يستعملها فيما يُبلغّهُ رضوان ربّه الأعلى ونزول دار كرامته،وحين لا يستثمرها في كل ما يسعد به في دنياه وآخرته، وحين ينسى أنَّ آفة النعم الزوال؟! فكم من صحيح لا يشكو من علة في نفسه نزل به السقام ووهنته الأمراض،وأقضت مضاجعه العلل فسعت به إلى شيخوخة مبكرة،وعلّة مستحكّمة،أو داء حائل بينه وبين مايشتهي من متع الحياة الأثيرة لديه المذلّلة المبذولة بين يديه،فإن كان ممن أبلى شبابه،وأفنى عمره،واستنفد قوته فيما يحرُم من الشهوات والنزوات وما يُحَقَّر من الأعمال وما يستقبح من الغايات،ولم يبتغِ إلى الوسيلة بما يرضيه ولم يدَّخر عنده سبحانه من الرصيد ما يسعد به حين يلقاه،غُبن هنالك غُبنا أورثه حَسرة وأعقبه ندامة لا نظير لها لتفويته الفرصة،وإضاعته المغنم وتبديله الأرباح .
وقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم إنّي أسألكَ العافية في الدنيا والآخرة اللهم أسالكَ العفوَّ والعافية في ديني ودُنياي وأهلي ومالي اللهم استر عوراتي وآمِنْ رَوعاتي اللهمَّ احفظني من بين يديَّ ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي وأعوذُ بعظمتك أن اُغتال من تحتي “.[أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال الألباني: حديث صحيح].
وقال صلى الله عليه وسلم “اللهم إني اعوذُ بكَ من زوالِ نعمتك وتَحّولِ عافيتك وفُجاءةِ نقمتك وجَميعِ سَخطك ” [رواه مسلم وأبو داوود والتِرمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما].
وقال صلى الله عليه وسلم ” اللهم إني أسألكَ العفوَّ والعافية والمُعافاة الدائمة في الدين والدنيا والاخرة “[رواه البخاري].
عن ابي الفضل العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال :قلت يارسول الله علمنّي شيئاً أسأله الله تعالى ؟ قال سَلوا الله العافية، فمكثت أياماً ثمّ جئت فقلت يارسول الله علمّني شيئاً أسأله الله تعالى ؟ قال لي: يا عباس يا عمَّ رسول الله، سَلوا الله العافية في الدنيا والآخره”.[رواه الترمذي وأحمد وقال المحدث شعيب الأرناؤوط: صحيح].
وجاء في كتاب بهجه المجالس (ج1 ص383) عن عيسى عليه السلام:“إنما الناسُ مُبتلىً ومُعافى، فإذا رأيتم أهلَ البلاءِ فارحموهم ،وسَلوا الله العافيه”.
ويخطئ كثير من جهال الناس وبعض العلماء عندما يظنون أن الإنسان إذا فقد الصحة والعافية وعاش في إسار المرض والألم أنه عندما يدعو ربه بأن يجعله من العباد المبتلين المفتونين أنه قد فهم الإسلام حقاً؟ لا والله إنه لم يفهم الإسلام حقاً بهذا الدعاء المشوب بالجهل والغفلة، وإنه لم يفهم الإسلام حق الفهم.
يقول الأستاذ محمد الغزالي رحمه الله(جدد حياتك ص45):
“على أن من أهل الدين من ظلم حقيقة الإيمان بالله واليوم الآخر،فظنّ أن هذا الإيمان يعترض الحياة الصحيحة،كما يعترض ظلّ الارض ضوء القمر ليلة الخسوف.إن وظيفة هذا الإيمان لديهم أن يجئ إلى الحياة البَهجة فيرمي جوانبها بالقتام والوحشة،فما تصفو الدنيا لمؤمن، أو بتعبير أدق: إن مقتضى الإيمان اجتذاب البأساء والضراء والكَبد والنّكد إلى حياة الأفراد والجماعات.
وهذا خطأ كبير وظلم للدين جسيم، فإن نبي الإسلام ـ وهو أزكى من عبد الله ـ لم يفهم الحياة هذا الفهم، ولم يحُمّل الإسلام هذا العبء…كيف وهو القائل في الحديث الشريف:”اللهم أصلح لي ديني الذي هو عِصمة أمري،وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي،وأصلح لي آخرتي التي فيها مَعادي، واجعل الحياة زيادةً لي في كل خير، واجعل الموتَ! راحة لي من كل شر“[رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه].
ولماذا يُحسب الألم والهوان والقلق من لوازم اليقين، أو تُحسب وسائل لمرضاة الله،مع أن رسول الإسلام كان يكرهها كلّها ويستجير بالله منها.فعن أبي هريرة رضي الله عنه:”كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوّذ من جَهد البلاء، ودَركِ الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء”.[أخرجه الشيخان].
إن من الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ من وقع في هذا الغلط، وحسب أن التعرض العمد للضرّ كفارة للخطايا، فأفهمهم النبي السّمح أن الأمر أيسر من ذلك. روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ فصار مثل الفرخ ـ هزالاً ـ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:”هل كنت تدعو الله بشئ أو تسأله إياه؟ قال:نعم. كنت أقولك”اللهم ماكنت معاقبي به في الآخرة فعجّله لي في الدنيا”. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:سبحان الله!!لاتطيقه، افلا قلت:اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار”. قال: فدعا الله له فشفاه”.[رواه مسلم]
وقال مُطَرِّف بن عبد الله:”لأن أعافى فأشكر أحب إليّ من أن أُبتلى فأصبر،لأن مقام العوافي أقرب إلى السلامة، فلذلك أختار الشكر على الصبر لأن الصبر حال أهل البلاء”.
وجاء في العقد الفريد:قال الأعمش :أتاني عبد الله بن سعيد بن أبي بكر فقال لي:ألا تعجب،جاءني رجل فقال:دلني على شيء إذا أكلته أمرضني،فقد استبطأت العلة،وأحببت أن أعتلّ فأوجر.فقلت له: سل الله العافية،واستدم النعمة،فإن من شكر على النعمة كمن صبر على البلية”.
قال الدكتور زكي مبارك:”وصاحب هذا الكلام يرى العافية من أبواب السلامة، أي سلامة النفوس، لأن البلاء قد يعرض النفس للجزع والإرتياب،وتعريض النفس للفتنة غير مأمون العواقب.أما العافية فتحفظ توازن النفس، وتجعل الرجل قادراً على صالح الأعمال”.
ويتابع الدكتور مبارك”والحق أن الإنسان يكابر حين يُرّحب بالمصائب،لأنه أسيرٌ لنظام الأعصاب في أغلب الأحيان.ومن الخير أن يسأل الله العافية وأن يتجنّب التعرض للإمتحان،فقد يضعف عن مواجهة مايشتهي من المصاعب،ويعرف بعد الإنزلاق في هوة المكاره أن العزيمة قد تفتر أو تخون.
وعند التأمل ترى النِّعم والعوافي تزيد في الصلة الروحية بين الإنسان وربه،والفرق بعيدٌ بين الحالين:حال الطمأنينة، وحال الإحتساب، فالمطمئن ينظر إلى ربه نظرة المدين،وهي نظرة كلها ترّفق وتخشّع. أما الصابر المحتسب فيتعرّض للزهو بالصبر على مايُعاني. والزهو من أشد آفات النفوس”.
ويتابع الشيخ الغزالي:”وهذا كلام حسن جيد…ونحن نحبّ أن نكون عبيد إحسان لا عبيد امتحان”.
لذا الدعاء المستمر والمتواصل أن يمنّ الله علينا بنعمة اليقين والإيمان،ونعمة الصحة والعافية والسلامة من كل الأوضار والأوجاع وسئ الأسقام.
جاء في بهجة المجالس (ج1 ص60 )قيل لعبد الله بن عمر لو دعوتَ لنا ؟فقال :”اللهم اهدنا وعافنا وارزقنا . فقال له رجل لو زدتنا يا ابا عبد الرحمن ؟ فقال أعوذ بالله من الإسهاب”.
وجاء في كتاب الحِلية عن سليمان الحكيم عليه السلام ” لا غِنى أفضل من صِحّة جسم،ولا نعيمَ أفضل من قُرّةِ عين”.
وقال لقمان الحكيم :” نقلتُ الصخور،وحملتُ الحديد،فلم أر َشيئاً أثقل من الدّّين، وأكلت الطيبات وعانقتُ الحِسان فلم أر شيئاً ألذّ من العافية”( عن كتاب المستطرف للابشيهي).
قال أبو الدّرداء رضي الله عنه :” أحبُّ ثلاثة لا يُحبهنّ غيري: أُحبّ المرضَ تكفيراً لخطيئتي،وأحبّ الفقرَ تواضعاً لربّي،وأحبّ الموتَ إشتياقاً إليه “فذُكرَ ذلك لإبن سيرين فقال :لكنّي والله لا أحبّ واحدة من الثلاثة،أما الفقر فوالله لَلغِنى أحبّ إليّ منه، لأن الغِنى بهِ يُوصل ُالرحم،ويُحجّ البيت،وتُعتقُ الرقاب وتبُسط اليد الى الصدقة، وأما المرض فو الله لأن أُعافى فأشكر احب ّإلي من أن ابتُلى فأصبر، وأما الموت فو الله مايمنعنا من حبّه إلا ماقدمناه من أعمالنا،فنستغفر الله عز وجل “( من كتاب البصائر والذخائر للتوحيدي ج1 ص203 مقطع 627)
وفي نفس المرجع ايضا(بهجة المجالس) الأقوال التالية:
قال ابراهيم النخعي :” كانوا يكرهون أن يسألوا الله العافية بحضرة المبُتلى”
وقال أكثم بن صيفي :” العافية المُلك الخفي”
وقال سليمان التيّمي :” إنّ المؤمنَ ليُبتلى ويُعافى فيكون بلاؤهُ كفارة،وإنَّ الكافرَ ليبتُلى ويُعافى فيكونُ مثلَ بعيرٍ عُقِلَ،لا يدري فيمَ عُقِلْ ولا لمَ أُرسل”.
وقال علي بن الحسين :” ما صاحبُ البلاءِ الذي قد طالَ بهِ أحقّ بالدعاء من المُعافى الذي لايأمن البلاء”.
وقال الأحنف بن قيس :”لا خيرَ في قولٍ إلا بفعل،ولا في مالٍ إلا بجود،ولا في صديقٍ إلا بوفاء،ولا في صدقة إلا بِنيّة ،ولا في حياة إلا بصحةٍ وأمن”.
ويصف أحمد بن حنبل الشافعي رضي الله عنهما فقال :”كان الشافعي كالشمسِ للدّنيا،وكالعافيةِ للبدن،هل لهذين من خَلف اوعنهما من عَوض”.
وقال الإمام ابن حزم الاندلسي في كتاب مُداواة النفوس:
“الوجع والفقر والنكبة والخوف لا يحسّ أذاها إلا من كان فيها،ولا يعلمه من كان خارجا عنها،وفسادُ الراي والعار والإثم لا يعلم قُبحها إلا من كان خارجا عنها وليس يراه من كان داخلا فيها،والأمن والصحة والغنى لا يعرف حقها الا من كان خارجا عنها وليس يعرف حقها من كان فيها،وجَودة الراي والفضائل وعمل الأخرة لا يعرف فضلها الا من كان من أهلها ولا يعرفه من لم يكن من اهلها”.
وقال الإمام ابو يوسف تلميذ أبو حنبفة :
“رؤؤس النعم ثلاثه فأولّها نِعمة الإسلام التي لا تتم نعمة إلا بها،والثانية نعمة العافية التي لا تتمُ الحياة إلا بها،والثالثة نعمة الغنى التي لا يتم العيش الا بها “(نقلاً عن ضحى الإسلام أحمد أمين ج2 ص199)
وجاء في كتاب العِقد الفريد لإبن عبد ربه (ج7 ص211) قال الحجاج بن يوسف لخريم الناعم:ما النعمة؟قال :الأمن فإني رأيت الخائف لا ينتفع بعيش . قال له زدني،قال :فالصحّة فإني رأت المريض لا ينتفع بعيشه،قال له زدني قال الغنى فإني رأيت الفقير لا ينتفع بعيشه،قال له زدني قال :فالشباب فإني رأيت الشيخ لا ينتفع بعيش،قال له زدني قال :ما أجد مزيدا”.
جاء في أدب الدين والدنيا للماورد “إن رجلاً قال وأعرابي حاضر : ما أشدّ وجع الضرس،قال الأعرابي :كل داء أشدّ داء،وكذلك من عمّه الأمن كمن استولت عليه العافية فهو لايعرف قدرالنعمة بأمنه حتى يخاف،كما لايعرف المُعافى قدر الصحة حتى يصاب”.
وقال عبد السلام بن مطيع :” الَّلهُمَّ إن كنتَ بَلغّتَ أحداً من عبادك الصالحين درجة ببلاء فبلغنّيها بالعافية”.
ويقول الشيخ علي الطنطاوي في كتابه صور وخواطر :
” إنكم أغنياء،ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها فترمونها زهداً فيها واحتقاراً لها . يُصاب أحدكم بصداع أو مغص،أو بوجع ضرس،فيرى الدنيا سوداء مظلمة فلماذا لم يرها لما كان صحيحاً بيضاء مشرقة ؟ ويُحمى عن الطعام ويُمنع عنه ،فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم ويَحسد من يأكلها،فلماذا لم يعرف لها لذّتها قبل المرض ؟
ويتابع :
” إنا نحسب الغنى بالمال وحده وما المال وحده ؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤتى بأطايب الطعام فلا يستطيع أن يأكل منها شيئاً لما نظر من شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الاسود،يدفع اللقمة في فمه،ويتناول الثانية بيده ويأخذ الثالثة بعينه،فتمنى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانياً . فلماذا لا تقدّرون ثمن الصحّة ؟ أما للصحّة ثمن ؟ من يرضى منكم أن ينزل عن بصره وياخذ مائة ألف دولار ؟ لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهباً كثيراً؟ أليس البصر من ذهب،والصحّة من ذهب،والوقت من ذهب ؟
ويتابع :
” إن الصحّة والوقت والعقل،كل ذلك مال ،وكل ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد . ويتابع :” إنكم سعداء ولكن لا تدرون،سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها،سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها .. سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا ممن حولكم،سعداء إن كانت أفكاركم دائماً مع الله،فشكرتم كل نعمة،وصبرتم على كل بليّة،فكنتم رابحين في الحالين،ناجحين في الحياتين “.
قال الشيخ مصطفى السباعي رحمه الله من كتاب” هكذا علمتني الحياه”:
“تفاخرت الصحة والمرض يوما فقالت الصحّة بي ينشط الناس للعمل،وقال المرض وبي يقصرالناس طول الامل ،قالت الصحّة وبي يجتهد العابدون في العبادة،وقال المرض وبي يخلصون في النّية قالت الصحة ومن أجلي تُشاد معاهد الطب،قال المرض وبي تتقدّم أبحاث الطب،وقالت الصحّة كل الناس يحبونني،قال المرض: لولاي لماأحبّوك هذا الحبّ”.
وقال أيضا رحمه الله :
” لولا الألم لكان المرض راحة تُحببّ الكسل،ولولا المرض لأفترست الصحّة أجمل نوازع الرحمة في الإنسان،ولولا الصحّة لما قام الإنسان بواجب ولا بادر الى مكرمة،ولولا الواجبات والمكرمات لما كان لوجود الإنسان في هذه الحياة معنى “.
وقال أيضا :”بالمرض تعُرف نعمة الصحة وبالصحة تنُسى أفة المرض”.
ويقول الاستاذ عصام العطار حفظه الله:
” هل يعرف حلاوة الصحّة من لم يعرف المرض،والراحة من لم يعرف التعب،والغنى من لم يعرف الفقر،والأمن من لم يعرف الخوف،والنجاح من لم يعرف الإخفاق،واللقاء من لم يعرف الفراق، فنسيج حياتنا يأتلف من هذا وذاك،ولولا وجود أحدهما لما كان الاخر،وبضدّها تتميّز الاشياء،ولولا سواد الليل ماطلع الفجر كما قال بعض شعرائنا القدماء فعلينا أن نأخذ حلو الحياة ومرّها وصفوها وكدرها وهما أمران طبيعيان متلازمان بالفهم والصبر والرضى والتسليم”.
وقال الدكتور يوسف القرضاوي في مقالة له بعنوان”العدالة الإلهية والتفاضل في الأرزاق:
“”إن المال ليس هو كل شئ في هذه الحياة،كلا … فكم من الأغنياء يعوزهم الذكاء،أو تعوزهم الحكمة، أو تعوزهم الصحة والعافية،أو تعوزهم الأسرة الهنيئة،أو يعوزهم الولد،وإذا كان عندهم الولد يعوزهم الولد البار والزوجة الصالحة… يعوزهم أشياء كثيرة.كثير من الأغنياء أصحاب الملايين يشتهون أن يأكلوا كما يأكل فقير لا يملك إلا دريهمات معدودة ،قد حرّم عليهم الأطباء أن يأكلوا الدهنيات أو السكريات أو غير ذلك،وعنده الخزائن تموج بالذهب والفضة .ماذا يصنع بهذه الخزائن؟ وهب أنه كان صحيحا هل يملك أن يأكل أكثر من ملء بطنه ؟ وما البطن وما المعدة ؟ شبر في شبر .. أو أقل ..
ويتابع:”ليس ملك المال إذن هو كل شئ … قد يملك الإنسان أشياء أخرى كثيرة غير المال… وهي أغلى منه وأثمن والإنسان المتعجّل المتسرع السطحي ينسى النعم التي أنعم الله بها عليه . لو عدّ الإنسان ما يملك لأعياه ذلك وما استطاع أن يحصيه :نعمة البصر … كم تقدرها ؟ لو قيل لك : خذ كذا ألفاً أو مليونا وتفقد بصرك … هل ترضى ؟!والسمع،الشم،الذوق،الأنامل،الأسنان،الأجهزة التي في داخل جسمك فضلاً عن الذكاء والنطق،والقدرة على التعبير والعمل والتصرف… وغير ذلك.لو حسب الإنسان هذه الأشياء والنعم التي يملكها في جسمه وحده وأمكنه تقديرها وإحصاؤها لبلغت مئات الملايين. والحقيقة أن تلك النعم لا تقدر ولا تحصى {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}[إبراهيم34].انتهى كلام الدكتور القرضاوي.
وقال الدكتور حسين عبد الرزاق الجزائري:
“لقد أسبغ الله سبحانه على الإنسان نِعَمهُ: ظاهرةً وباطنة، وكان من أجلِّ هذه النعِم، نعمة الصحة،فإذا أحسن الإنسان الاستفادة من نعمة الصحة والحفاظ عليها،وعمل على تعزيزها وتقويتها وتنميتها، فقد استمسك بالعروة الوثقى،واستمتع بخيرات العافية وبركاتها،ونَعِم بالنجاة من عامة الأمراض والأسقام..وإنما يُفلح في ذلك إذا سلك في حياته سلوكاً يعزز صحته، واتبع في معاشه أُسلوباً يزيد من رصيده الصحي،وعمل على اللجوء إلى الوقاية التي هي خيرٌ من قناطير العلاج.وأما من طغى،وآثر الاستغراق في الملذات غير آبهٍ بما يكون لها من عواقب سيئة،واتبع في حياته نمطاً سلبياً مُنافياً للصحة…فأقبل على مُعاقرة المسكرات والمخدرات والتدخين، وأسرف في تناول الأطعمة المحدثة للسمنة،وأكثر من التعرض للكروب والانفعالات الشديدة، وفرّط في إعطاء نفسهِ قسطها من الراحة، وساهم في إفساد بيئته وتدنيسها… فلا عجب في أن تختلّ موازينه، وتعتلّ صحته، وتعتوره ضروب الأوصاب والأسقام جزاءً وفاقاً لما جنته يداه،{وماظلمهمُ الله ولكن كانوا أنفسَهُم يظلمون}.[النحل 33].
وجاء في المثل العربي “خذ من العافية ما أُعطيت” وقالوا ايضا :شيئان لا يُعرفان إلا بعد ذهابهما :الصحّة والشباب، وبمرارة السقم توجد حلاوة الصحة”
ومن اقوال غير العرب:
قال بزرجمهر الفارسي ” نصحني الفصحاء ووعظني الوعاظ شفقة ونصيحة وتأديبا ،فلم يَعظني مثل شَيبتي ولا نصحني مثل فكري،وعاداني الأعداء فلم أرَ أعدى لي من نفسي إذا جهلت،وأكلت الطيّب فلم اجد شيئا ألذّ من العافية،وأكلت الصبر وشربت المّر فلم أرَ أمرّ من الفقر،ونقلت الصخر وعالجت الحديد فلم أرَ حِملا أثقل من الدّين ،وطلبت أحسن الأشياء عند الناس فلم ار شيئا أفضل من الخلق الكريم”.
وفي المثل الهندي” المرض خطيئة،والمحافظة على الصحة فضيلة”.
وفي المثل الانجليزي “أعطني صحة وخذ ثروتي”
وقد تكّلم الشعراء قديما وحديثا عن نعمة الصحّة والعافية:
أبو تمام:
والحادثاتُ وإن أصابكَ بؤسُها فهو الذي أدراكَ كيف نعيُمها
قال جرير
أُعطيتَ عافيةً ونصراً عاجلاً آمينَ، ثم وُقيتَ أسبابَ الردى
الشريف الرضي
ولا بُدَّ مِن زَلةٍ للفتى تُعَرّفُه ُكيفَ قَدْرُ النّعَمْ
فحسنُ العُلى بعد حالِ الخضُوعِ وطِيبُ الغنى بعد حالِ العَدمْ
وقال حسان بن ثابت
وإنَّ امرءاً يمُسي ويُصبحُ سالمِاً منَ الناسِ الا ماجنى لسعيدُ
ابن الرومي
اذا ماكساكَ اللهُ سِربالَ صِحَّهٍ ولم تَخلُ من قوتٍ يَحُلُّ ويغرُبُ
فلا تغبِطنَّ المترفينَ فإنهمْ على حَسْبِ ما يكسوهُم ُالدهرُ يسلُبُ
ابن الرومي:
قد ذقتُ أنواعَ الطعوم فلم أجد فيهنَّ طعماً مثلَ طعم العافية
فاقصِدْ وحاذرْ أن تُمرِّرَ حُلَوَهُ مما تصيبُ وأن تكدرَ صافية
لا تشفينَّ غليلَ صدرك بالتي تُدوي فليست للغليل بشافية
الضحاك بن سليمان (معجم الادباء –ياقوت- ج3 ص425):
ما أنعمَ الله على عبدهِ بنعمةٍ أوفى من العافيهْ
وكُلُّ من عُوفي في جِسمهِ فإنّهُ في عيشهٍ راضيهْ
منصور الفقيه
رأيتُ البلاءَ كقَطْرِ السماء وما تنُبتُ الارضُ من نامِيهْ
فلا تسالنَّ اذا ما سألتَ إلهكَ شيئاً سِوى العافيهْ
احدهم :(يقال لبشار بن برد):
إني وإن كان جَمعُ المالِ يعجبني فليسَ يَعْدِلُ عندي صحة الجسدِ
في المال زَيْنٌ وفي الاولاد مَكْرمهٌ والسُّقمُ ينُسيك ذِكرَ المال والولدِ
أحدهم:
فإذا رأيتَ أخا البليّةِ فاستعذ بالله من شَرِّ البلاءِ النازلِ
ابراهيم طوقان :((بعد ان أجري له عملية في المعدة وتماثل للشفاء بمعجزة)
إليكَ توجهتُ يا خالقي بِشُكرٍ على نِعمةِ العافية
اذا هي وَلّتْ فمن قادرٌ سِواكَ على ردِّها ثانية
وما للطبيب يدٌ في الشفاء ولكنّها يدُكَ الشافية
تباركتَ،أنتَ مُعيدُ الحياةِ متى شئت في الأعظم البالية
وانتَ المُفرِّجُ كُربَ الضعيفِ وأنتَ المجيرُ من العاديه
المعري:
لعمرك ما الدنيا بدارِ إقامةٍ ولا الحيُّ في حال السلامةِ آمِنُ
وإنّ وليداً حَلَّها لَمعَذّبٌ جَرت لسِواه بالسُّعُدِ آيامنُ
المعري:
وما الدهرُ إلا دولةٌ ثم صولةٌ وما العيشُ إلا صحة وسَقامُ
أبو اسحق الصابي:
فانعمْ وعِشْ في صحةٍ وسلامةٍ تُحي الوليّ وتكبتُ الأعداء
أبو العتاهية:
إذا القوتُ تأتى لكَ والصحةُ والأمنُ
واصبحتَ أخا حزنٍ فلا فارقكَ الحزنُ
مهيار الديلمي:
يَمرُّ عليكَ العامُ فالعامُ سالماً فتختمهُ سعداً كما تستهّلهُ
يحيى بن المبارك اليزيدي:
رُبَّ مغمومٍ بعافيةٍ غَمط النّعماءَ من أشَرِهْ
وامرئٍ طالت سلامتهُ فرماهُ الدهرُ من غِيرهْ
بسهامٍ غير مُشوِيةٍ نفضت منهُ عُرى مِرَرهْ
وكذاكَ الدهرُ منقلبٌ بالفتى حالينِ في عُصُرهْ
يخلطُ العُسرَ بميسرةٍ ويسارُ المرءِ في عُسُرِهْ
عنترة:
المال للمرءِ في معيشتهِ خيرٌ من الوالدينِ والولد
وإن تَدُمْ نعمةٌ عليهِ تجد خيراً من المالِ صحة الجسد
وما بمن نال فضل عافيةٍ وقوت يومٍ فقرٌ إلى أحد
عدي بن زيد:
قد ينامُ الفتى صحيحاً فيردى ولقد بات آمناً مسروراً
لا أرى الموت يسبق الموت شئ نقض الموت ذا الغنى والفقيرا
أيها النائم المغفل أبصر أن تكون المبادر المبدورا
كم ترى اليوم من صحيح معافى وغداً حشو ريطة مقبورا
ابن حيوس:
وأشتاقُ الديارَ وساكنها كما يشتاقُ صِحّتهُ العليلُ
أحدهم:
لا تشكُونْ دهراً صَحَحتَ به إن الغنى في صحة الجسمِ
هَبْكَ الخليفة ، كنت منتفعاً بلذاذة الدنيا مع السُقم؟
أحدهم:
ليسَ البليةُ في أيامنا عَجباً بل السلامةُ فيها أعجبُ العجبِ
وتحسبونه بعيداً ونراهُ قريباً
بسم الله الرحمن الرحيم
“وتحسبونه بعيداً ونراهُ قريباً”
إن المُتأمل لأوضاع العالم الإسلامي في السنوات الأخيرة ليشعر بالأسى يعصر قلبه،وبالألم يعصف بجوارحه،وبالمرارة تهدّ كيانه،لما وصل إليه حال المسلمين من التمزق،والتشتت،والتناحر،والضعف، والتخلف…
وإلى ما وصل إليه حال حكام المسلمين من الذل والهوان والتبعية والإرتماء على أقدام عبيد الدنيا من طواغيت الغرب.
وبحيث يبدو للوهلة الأولى أن هذا الداء الذي أبتلي به المسلمون داء عضال،لا ينفع معه طب أو دواء أو دعاء…ولكن من يسبر الأغوار ويجوب في الأعماق،يكتشف أن الوضع رغم مآسيه ومصائبه،فإنه والحمد لله أفضل بكثير مما قد يظنه الكثيرون،فهناك بوارق أمل عديدة الجوانب،متعددة الجهات:
ـ إن حرب الخليج،وما أسفرت عنه من كوارث وخيمة ونتائج وبيلة على المدى القريب والبعيد،من تدمير العراق عسكرياً واقتصادياً،وذهاب مئات الألوف من الضحايا،وزرع نار التفرقة والتباغض بين شعوب المسلمين،وسيطرة طاغوت الشر الأكبر أمريكا على المنطقة بما فيها من خيرات وثروات،وارتماء حكام الخليج في أحضان الغرب وعلى أقدامه يطلبون العون والملاذ،ويقيمون المعاهدات والصداقات…كل هذا يبدو للوهلة الأولى أننا جُعلنا تحت رحمة هؤلاء الحكام وساداتهم الحقيقين،ولكن من يتأمل في نتائج هذه الحرب،فإنه يشعر أن من وراء هذا الظلام الدامس شعلة نور وقبس ضياء،نراها في العلماء والدعاة الذين شعروا بالخطر الحقيقي الداهم،وبالعدو الرابض،فأطلقوا صيحاتهم من خلال الخطب والكتابات والندوات والمذكرات يناصحون الحكام،وينتقدون الأحكام،ويرفعون صوت الحق،ويطالبون بتطبيق الإسلام كما أنزله الله عز وجل ،لا كما فهمه هؤلاء الحكام.
إن هذه الظاهرة المباركة والخيرة تستحق منا الاهتمام والمتابعة والتأييد وخاصة أنها تحدث في مجتمع تُسخر فيه الأقلام،وتُكمم فيه الأفواه،وكان لا يجرؤ إنسان فيه على الاستفسار،فكيف إذا وصل الأمر إلى حد الاستنكار!!
ـ وفي فلسطين،حيث الظلم والاضطهاد يُخيم على المسلمين من قبل بني صهيون المجرمين،وذلك منذ عشرات السنين،في هذه الأرض المباركة حيث امتلأت السجون بالمعتقلين،والمقابر بالشهداء،والمشافي بالجرحى والمعوقين،حيث الكرامة تهدر،والأراضي تصادر،والعدو صلف مستكبر،يستهزىء بحكام المسلمين ويذلهم فيسارعون إليه يقدمون التنازلات تلو التنازلات،ويوقعون معه المعاهدات بعد المعاهدات،يسمونها “معاهدات السلام” ،وهي في حقيقتها معاهدات الخزي والاستسلام…
في وسط هذا الضباب،ومن وراء السحاب،ظهرت قبل أكثر من خمس سنوات الانتفاضة المباركة،ترفع الشعار الأصيل،وتقدم الحل البديل وهو الإسلام،يقودها إنسان مناضل مشلول هو أحمد ياسين،هذا الإنسان الذي شُلّت أطرافه ولكنه حرّك العالم بانتفاضته،ونطق بلسانه آيات الجهاد،فتحولت إلى حجارة تُصب على الأعداء،وتجعل”إسرائيل”بصلفها وغرورها واستكبارها عاجزة أمام هؤلاء الفتية الصغار.
نعم،إن ماعجز عنه الحكام الكبار،استطاع أن يحققه هؤلاء الفتية الصغار،وما عجزت عنه جيوش العرب ذات العقائد المزيفة والشعارات المُضلّلة،استطاع أن يحققه الإسلام من خلال هذه الانتفاضة المباركة.
ـ وفي أفغانستان،وبعد سنوات من الحكم الشيوعي الدموي،وبعد سنوات عجاف من الغزو الأحمر الغاشم،وما تبع ذلك من تدمير المدن والأرياف،واتّباع سياسة الأرض المحروقة،وبعد أن استشهد أكثر من مليون ونصف شهيد،من خلال هذا الوضع المأساوي الأليم،استطاعت قوى الجهاد الإسلامي أن تحقق النصر،وتطرد إحدى أقوى امبراطوريتي الشرّ في العصر الحديث،وتمّ فتح كابول،واستلمت قوى المجاهدين الحكم،أناس عرفنا في الكثير منهم الإخلاص والتفاني وحب الجهاد،وحركة مباركة رفعت رأس كل مسلم عالياً في كل أنحاء البلاد…نعم قد تكون هناك خلافات وعراقيل ومثبطات،ولكننا على ثقة تامة بإذن الله بأنها سحابة صيف وتنقشع،وأنها أزمة عابرة وتمر…
وفي السودان،وبعد عقود من التخلف والأزمات ،وبعد سنوات من حكم ديكتاتوري مستبد،أذل العباد،وأفسد البلاد،وبعد أن عملت كل معاول الشرّ في العالم من تنصير وتبشير،وقوى استعمارية عالمية،بعد أن عملت على تهديم كيان السودان،وزرع التفرقة والتخلف في أرجائه،وحيث الحروب والمجاعات،والمآسي تلو المآسي…في هذا الجو المفعم بالمثبطات ،والذي يدعو إلى اليأس والإحباط،قامت ثورة إسلامية تنشد حكم الله في هذا البلد الحبيب،وتعيد للبلاد وحدتها،وتعمل على إخراجها من متاعبها،نسأل الله لهذه الحكومة والثورة السداد والرشاد،وأن يُبعد عنها أخطار العدو المحدق بها سواء القريب منه والبعيد.
ـ وفي الجمهوريات الإسلامية في الاتحاد السوفييتي المنهار،وبعد أكثر من سبعين سنة،من حكم ديكتاتوري دموي،وحيث الاضطهاد الشيوعي ،والتطهير العرقي،وحيث التهجير والتقتيل،ومعسكرات الاعتقال في سيبيريا،وحيث حكم ستاين ـ وما أدراك ما ستالين ـوحيث هدّمت المساجد،ومُنعت الصلوات،ولم يبق من المساجد إلا القليل القليل،تُركوا كمعالم أثرية أو سياحية،أو لتضليل المغفلين القادمين من خارج البلاد….في هذا الجو الكئيب ومن خلال هذا الحكم الكريه،إذا بالمارد الإسلامي ينهض من غفوته،وإذا بالمآذن ترتفع من جديد بالنداء الخالد الله أكبر…لم يكن أحد وحتى سنوات قليلة يجرؤ على أن يحلم بهذا الوضع،فإذا به حقيقة وواقعاً يفرض نفسه على القريب والبعيد…ولا ننكر أن الامور لازالت في حالة من الغبش والضبابية،ولكننا نسأل الله أن يُوفق ويسدّد وينصر عباده المخلصين.
ـ وصحيح أن الحركات الإسلامية قد وجُهت إليها اقوى الضربات من أعتى الحكام والسلطات وفي كل مكان،ولكن البون شاسع والفرق واسع مابين الأمس واليوم.فحتى الماضي القريب كان الطاغوت يفخر بأنه قد ألقى بعشرات الألوف في غياهب السجون وفي أقبية السراديق،وأرسل خيرة الناس والدعاة إلى أعواد المشانق،من غير أن يستنكر هذا أحد،أو أن يرفُّ له جفن،أو يشعر بوخز ضمير،والأنكى من هذا والأشد إيلاماً أنه حين مات أحد هؤلاء الطواغيت فإن الملايين ذرفت عليه الدموع،وخرج في تشييع موكبه عند موته ملايين البشر المُضللين…والآن وفي كل أنحاء العالم الإسلامي،وبفضل الصحوة الإسلامية،أدرك الناس أن هؤلاء الحكام لايريدون لهم الخير والصلاح،وأنه لو ترك للشعب حق الخيار لاختار الإسلام كما حدث في الجزائر في انتخابات النقابات والبرلمان في مصر والأردن…وإننا على يقين كامل أنه لو مات أحد من هؤلاء الطواغيت من الحكام فلن تذرف عليه الدموع،فإن اعترض معترض فنقول له نعم،قد تذرف الدموع،ولكنها دموع….الابتهاج والسرور!!
ـ وكانت تُرسل البعثات قديماً إلى أوروبا وأمريكا،من أجل أن يعود المثقفون والجامعيون وهم يحملون أفكار الغرب وحضارة الغرب،ومن أجل أن يكونوا رأس الحربة في معاداة الإسلام وشريعة القرآن…والآن وبفضل من الله ومن ثم بسبب انتشار المراكز الإسلامية في كل أنحاء أوروبا وأمريكا،وأصبح الكثيرون من هؤلاء الأفراد يعودون إلى بلادهم يحملون الإسلام نقياً خالصاً،كدين وشريعة وحكم،وعاد الابتعاث ـ في جانب مهم منه ـ سلاحاً موجهاً ضد أعداء الإسلام بعد أن كان سلاحاً موجهاً ضد المسلمين.
إننا على يقين بنصر الله،وبأن الإسلام سوف يعود،ويعمُّ نوره وضياءه كل أرجاء المعمورة المُتعطشة إليه،والمحرومة من عدله وإحسانه.
وإننا على يقين أن الدنيا كلّ الدنيا بمن فيها من عبيد العجل والصليب والبقر والأوثان،وعبيد النفط والدولار والذهب،سوف تقف ضدنا وتحاول استئصالنا.
ولكننا وبفضل الله تعالى وضعنا القدم في أول الطريق،وتجاوزنا مرحلة الوليد الملفوف بالأغطية الذي لايستطيع حراكاً أو تحريكاً،وتلعب به الأيادي،ويوضع في أي موضع يُراد له.
نعم إننا نمشي ونتعثر كالطفل الصغير،ولكننا سنتابع الطريق حتى يستقيم العود وتنتظم الخطى،وسوف نصل بعون الله إلى مانريد،عندما ترتفع الهمم وتصل إلى المستوى المطلوب وتصل إلى الجهد المطلوب،لأن ما نبذله لا يتناسب مع حجم المستويات وحجم التحديات…وعندها ستشرق الأرض بنور ربها،وتحسبونه بعيداً ونراه قريباً.
(نشر في الرائد العدد 148 بتاريخ كانون الثاني عام 1993)
ولكنّي أستبطىء الحجارة
بسم الله الرحمن الرحيم
ولكنّي أستبطيء الحجارة
لقد تغيّرت المقاييس،وتبدّلت المعايير في دول الغرب،وخاصة في السنوات الثلاثين الأخيرة،فما كان عندهم قبل سنوات منكراً،أصبح عُرفاً!!وما كان عندهم عُرفاُ اصبح منكراً!وما كان في الماضي خُلُقاً،أصبح الآن يسمى تقاليد بالية وسخيفة،وما كان عند الجدات،بل ربما الأمهات متعارفاً عليه على أنه من صميم الأخلاق والعادات وكانوا يعضون عليه بالنواجذ،أصبح عند البنات والحفيدات رجعية وبلاهة ومنكراً يهربن منه{كأنَّهُم حُمُرٌ مُستَنفِرةٌ* فَرَّتْ من قَسوَرةٍ}[المدثر 50 ـ 51].
إن الفطرة الإنسانية لدى إنسان الغرب تعرّضت ـ ولاتزال ـ لتشويه ومسخ،وتبديل من أجل الوصول إلى فطرة أخرى،مريضة،مشوهة،منسلخة تماماً عن الفطرة السليمة،وكل ذلك يتم تحت شعارات مختلفة من العلم،والتقدم،والعصرانية،وكل ذلك يقع تحت رعاية وحماية القوانين والمؤسسات.
لقد كان موضوع العفّة،والحياء،والاحتشام من الأعراف التي كانت حتى الماضي القريب من الأمور المتعارف عليها،ولكننا في السنوات الأخيرة وجدنا أنها قد رحلت إلى غير عودة،وحلّ محلها مفاهيم أخرى بعيدة كل البعد عنها.فإظهار العورة عند الرجل والمرأة أصبح أمراً طبيعياً وكيف لا!! فما العورة حسب زعمهم إلا جزء من هذا الجسم فلماذا نعطيه كل هذه”القدسية”.وما الفرق مثلاً بين هذا الجزء من الجسم وأجزاء أخرى كالوجه أو العنق أو اليد!!!
والعري الكامل الشامل أمر مألوف،وغير مستهجن،ولم لا،فالجسم العاري هو ما ينادي به أصحاب مذهب”الجمالية”،فلا بد من إظهار جمال الجسم بكل تقاطيعه وثناياه،ولماذا إخفاء هذا الجمال وراء أستار من الثياب والتقاليد البالية.
وأصبح العري مظهراً حضارياً فكلّما تقدّمت الدولة حضارياً كلّما قلّت الثياب عن أجساد سكانها وازداد عُري الأفراد وسفورهم!!
وممارسة الجنس الرخيص والزنا،أصبحا من لوازم هذه المدنية الحديثة،فعلى كل إنسان أن ينهلّ من مناهل اللذّة،وأن يُشبع العمر والجسم بكل مايروق له،ولو كان عن طريق الزنا،فالزواج ليس وراءه إلا المشاكل والتعقيدات والقيود.
والشذوذ الجنسي كاللواط،والسحاق،اصبح من الأمور الجنسية الطبيعية،وأصبحت هناك نواد لممارسة هذا الشذوذ،وتجد العون والتأييد،وعلى أفراد هذا المجتمع القبول بذلك وإلا اعتبروا متخلفين،رجعيين!!
لقد شاهدت في التلفزيون الألماني قبل شهور برنامجاً يبحث في موضوع اللواط،وسئل أحد الآباء عن ابنه الذي يمارس فعل قوم لوط مع صديق له عن رأيه في هذا الموضوع فأجاب الأب:نعم،نعم إنه أمر طبيعي،طبيعي تماماً.قال ذلك وهو يتلعثم في جوابه،ويمسح عرقاً تفصّد عن جبينه!!
نعم،ماكان قديماً عرفاً وأخلاقاً كالحياء،والعفّة،ورابطة الزواج،ذهب إلى غير رجعة وحلّ محله أعراف جديدة من الإباحية،والبهيمية الجنسية،والشذوذ الجنسي والعري الشامل.
والمرأة كانت قديماً ربّة منزل،يُعهد إليها بصورة رئيسية بتربية الأطفال،وإنشاء الأسرة،وأما الآن وبعد سنوات من “الكفاح”و”النضال”أصبحت شريكة الرجل في كل الأعمال تقريباً وبدون استثناء،فهي ليست طبيبة،ومحامية،ومدرسة،بل هي أيضاً شرطية،وجندية،وسياسية،وحاكمة،وهي أيضاً تشاركه في كل هواياته ومنها الملاكمة،والمصارعة،وكرة القدم،والجمال الجسماني،وتربية العضلات!!
أما الأسرة والأطفال فأمرها متروك للحاضنات والمربيات،ثم استعيض عن هذا إلى حد كبير بتربية القطط والكلاب والجرذان”الأليفة” والفئران بدلاً من الأطفال!!وكيف لا؟ فتربية الطفل لها متاعبها ومشاغلها ومتطلباتها المادية،كما أنه عندما يبلغ سن البلوغ يترك الأسرة ولا يسأل عنها،أما الكلاب فهي تُسلي في أوقات الفراغ،ولا تحتاج إلى مسؤولية،ولا تحتاج إلى”حمل وولادة”وما يترتب على ذلك من “ترهل البطن والجسم”وضعف”رشاقة البدن” وللكلب منافع أخرى!!
نعم، كانت المرأة في الماضي عماد الأسرة،وكانت رمز الاستقرار،ومنبع الطمأنينة،فحلّ محل ذلك التفكك الأسري،والقضاء على رابطة الأسرة،والأبعد من ذلك القضاء على فطرة الأمومة في المرأة،وخلق كيان جديد منها،محكوم عليه عاجلاً أم آجلاً بالضياع.
وقديماً كان هناك ـ ولحد ما ـ علاقات الجوار،وصلة الأهل والأقارب،وهذه حلّ محلها بالتدريج الأنانية وحبُّ الذات و”الأنا”.وأصبح كل مشغول بنفسه عن غيره،وحتى عن أقرب الناس إليه.
شاهدت قبل فترة قريبة برنامجاً تحت عنوان”الكاميرا الخفية”.وهو يصوّر حادثة وقعت في إحدى الحافلات في ألمانيا،حيث تتعرض إحدى الفتيات للإعتداء الجسدي والتحرش الجنسي من قبل مجموعة من الشباب،وصوّرت الكاميرا ملامح وجه الفتاة وهي تصرخ وتستغيث،والاحافلة ملأى بالناس والركاب وكل منهم يشاغل نفسه عما يقع تحت سمعه وبصره إما بقراءة الجريدة أو النظر من نافذة الحافلة!!
نعم، لقد استطاع شياطين الإنس وأبالسة البشر ومن حذا حذوهم، واتبع هواهم ،استطاعوا أن يمسخوا هذه الفطرة السليمة في عالم الغرب ـ وإن كانت شظاياها وصلت إلى عالم المسلمين أيضاً ـ واستطاع هؤلاء الأبالسة وتلاميذ إبليس وإن كانوا أحياناً يتفوقوا عليه مكراً وخبثاً ودهاءً،أن يحولوا الإنسان إلى كتلة جنس محترقة لايطفؤ لهيبها إلا بممارسة الجنس من غير قيد أوشرط(عالم النفس النمساوي سيغموند فرويد)،وأن يجعلوا المادة والمادة وحدها هي المحرك الوحيد للإنسان وليس الأخلاق(كارل ماركس الشيوعي)،وأن الفرد هو”الأصل” في المجتمع الحديث الغربي وليست الأسرة(عالم الاجتماع الانكليزي دوركهايم)،وأن الإنسان يجب عليه أن ينهلّ من لذات الحياة قبل موته ولا يفكر إلا بذاته(نظرية الوجودية جان بول سارتر)،والأبعد من ذلك أن بعضهم مازال مصراً على أن الإنسان أصله قرد من أجل أن يحطموا كل معنى للإنسانية في هذا الإنسان والقضاء على مافيه من كرامة وكل ذرة صلاح.
لقد ظهرت في البداية صرخات استنكار وإصلاح ولكنها خمدت وماتت في مهدها فالمجتمع أصبح يتبنى هذه الفلسفات الجديدة،وأصبح حاميها،وكيف يمكن للنباتات الجميلة الطيبة أن تعيش في مستنقعات آسنة،وكيف يمكن أن يجد الخنزير اللذة إلا من خلال التمرغ في الوحل والأقذار.
نعم،لقد عمَّ البلاء واستشرى الداء،فأصبح المعروف منكراً،والمنكر معروفاً،وأصبح الإنسان في عالم الغرب يعيش بنظرة جديدة أودت به وتودي به إلى الانحدار والهاوية،وما الاحصائيات الحديثة عن الأرقام العالية من حوادث الانتحار،وإدمام المخدرات والحبوب والخمر،وارتفاع عدد حالات الأمراض النفسية والقلق والجنون وارتفاع حوادث الجريمة والقتل والاغتصاب إلا مشعرات على ذلك.
لقد عمّت الرذيلة،وشاع الفساد،فحقّ العذاب،فهذه سنّة الله في الكون،وما ظهور الطاعون الجديد أي الإيدز،وارتفاع حالات السرطان وانتشار الكوارث كالزلازل والإعصارات والعواصف والفيضانات والقحط والمجاعات والجفاف،وما ظهور الحروب والاقتتال في كل مكان إلا بوار غضب الله ونقمته على هذا العالم الفاسد.
سئل قديماً أحد الصالحين بعد أن عانوا جفافاً وقحطاً..إننا نستبطيء المطر،فنظر إليهم بمرارة وقال لهم:”ولكنّي واللهأستبطيء الحجارة! فماذا يقول هذا الصالح إذا بُعث في هذا الزمان؟ماذا يقول؟!
(نشر هذا الموضوع في مجلة الرائد العدد 146 بتاريخ تشرين الأول عام 1992)
ملاحظة:ماذكرته في الموضوع لايقتصر على عالم الغرب وحده،فقد انتشرت هذه السلبيات وللأسف في مجتمعاتنا الشرقية،وعلى العكس قد تجاوزنا الغرب في هذه السلبيات،ولم نأخذ عن الغرب إيجابياته،ومنها النظام وحب العمل والتكافل الاجتماعي والديمقراطية في الحكم ….بل أخذنا هذه السلبيات وأضفنا إليها سلبيات أخرى لاتوجد عند الغرب ومنها الرشوة والفساد والظلم والحكم الاستبدادي والتناحر والاقتتال….وحسبي الله ونعم الوكيل.
لا تعليق